يعيش 12 مليون مصري على أمل محفوف بآلام الكبرى، ليس فقط بسبب التليف والتشمع الذي يسببه فيروس سي، وهو في مصر ينتمي إلى الجينة الرابعة، ولكن خوفاً من أن يكون الحديث الدائر عن أدوية جديدة مدخلاً لأحاديث أخرى لن يحتمل وطأتها كل من كبد المريض أو الوطن.
"سوفالدي".. هو الاسم الأكثر شهرة الآن، تردد اسمه السيدة البسيطة "محروسة" في رحلتها من مدينة الفيوم إلى القاهرة لمتابعة حالتها المرضية، ويقرأ عن تركيبته العلمية باستفاضة الطبيب "حمدي" المصاب هو الآخر بالفيروس، انتقل له بسبب المستوى المتردي للنظافة بالمستشفيات المصرية، فالفيروس ينتقل عبر الدم الملوث.
المعلومات الرئيسية الأكيدة التي أعلنت عنها الحكومة المصرية تشير إلى التعاقد مع شركة "جلياد" الأميركية من أجل الحصول على 225 ألف جرعة من علاج سوفالدي الجديد، و بدء تسجيل قاعدة بيانات المرضى الأكثر حاجة بما يسمح بعلاج 70 ألف مريض في الفترة من تشرين الأول/أكتوبر الحالي وحتى آذار/مارس 2015.
ووفقاً لما أعلنت عنه اللجنة القومية لمكافحة فيروس سي (لجنة حكومية تولت المفاوضات من اجل الاتفاق على استيراد الدواء الجديد)، فإن الدولة ستتحمل نفقات شراء سوفالدي الذي تبلغ تكلفة العلبة الواحدة منه 2200 جنيه ما يعني 14200 جنيه لحصة العلاج للمريض الواحد، وتكلفة إجمالية خلال الشهور القادمة تتخطى 450 مليون جنيه مصري.وطبقاً للقواعد المعلنة، فسوف يتم تصنيف المرضى في قسمين، الأول: الحالات الأشد خطورة وتحصل على علاج ثلاثي وهو "سوفالدي" (الدواء الجديد) مع الأدوية المطبقة سابقاً، والثاني (الحالات الأقل خطورة) يحصلون على علاج ثنائي يتضمن الدواء الجديد.
أما عن كفاءاته الطبية فيقول د. هشام الخياط أستاذ الأمراض الكبدية إن نسبة الشفاء منه كعلاج ثلاثي تصل إلى 80 في المئة، بينما هي لم تكن تزيد مع "الأنترفيرون" وحده عن 50 في المئة. وعن المدى الزمني قال الطبيب خالد قابيل، عضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، ان لجنته تعمل وفق برنامج طموح ومنظم يهدف للقضاء على فيروس سي في مدة تتراوح بين 5 و7 سنوات.
المرضى المرهقون بحثاً عن الأمل
أمام ما سبق ـ وهو ما تبثّه وسائل الإعلام الرسمية ـ امتلأ قلب "محروسة" بآمال كبرى، فتوجهت إلى مركز من بين المراكز الـ26 المعلن عنها على مستوى الجمهورية من اجل تسجيل اسمها، و قد نجحت فى مهمّتها بعد أن تكلفت مبلغاً كبيراً من أجل إجراء فحوصات طبية سبق وأجرتها عدة مرات وهي مسجلة في ملفها الطبي. ومدفوعاً بالأمل، انطلق الطبيب "حمدي" في رحلته إلى مدينة شبين الكوم بالدلتا حيث أحد أشهر مراكز علاج الكبد في مصر، وفوجئ هناك بعدة أشياء منها عدم إدراج هذا المركز الأكثر كفاءة ضمن مراكز تقديم سوفالدي، وكذلك عدم توافر الأجهزة اللازمة لإجراء التحاليل والأشعة المطلوبة. وهو أعلن عن تخوفه واكتفى بضرب مثل بالتعطيل المتعمد لهذا المركز الكبير قائلاً: "اعلم أن السبب يتعلق بصراعات حول التبعية الإدارية للمركز، وانه مستقل لا يتبع وزارة الصحة التي قادت المفاوضات، فإذا كان هذا هو الحال فكيف يمكن الثقة بهم وأنا أتناول العلاج الجديد!"وتقول السيدة "محروسة محمد": "اكتشفت إصابتي قبل سنوات عدة، لكن طبيب معهد الكبد بالقاهرة أخبرني أن علاجي سيستغرق عاما كاملاً بحقنة إنترفيرون أسبوعيّاً..
وثمن الحقنة الواحدة نحو 1500 جنيه (270 دولار تقريبا)، وأضيف إليه بعد ذلك علاج الريبافرين بتكلفة 200 جنيه للعلبة الواحدة، ويستغرق إنجاز أوراق العلاج على نفقة الدولة وقتاً ومجهوداً كبيرين ومطلوب تجديد تلك الأوراق كل 3 أشهر، لكن حالتي لم تتحسن بل انتقلت لمرحلة التليف، ولهذا فلدي أمل بان أكون من أول المستفيدين من العلاج الجديد والأهم بأن يأتي بنتيجة".
أصوات محذرة
الصوت الثالث بهذا الملف جاء على ألسنة النقابات المهنية والأطباء المختصين. فمن مؤتمر داخل نقابة الصيادلة لم يحظى بالتغطية الإعلامية المناسبة (مقارنة بما تحظى به اللجنة الرسمية)، قال الدكتور وائل هلال، أمين صندوق النقابة الصيادلة: "لم تقم وزارة الصحة بإعداد دراسات على عقار علاج فيروس سي الجديد "سوفالدي" قبل طرحه للعلاج بالأسواق، للتأكد من أنه آمن وفعال للمرضى، وخاصة أن الدراسات الأولية بأميركا كانت على النوعين الجينيين الأول والثالث، ونسبة قليلة جدا لا تتعدى 9 في المئة على النوع الجيني رقم 4 السائد والمنتشر في مصر. وأشار إلى أن وزارة الصحة تفاوضت لتوفير الدواء في مصر، ولم تكشف تفاصيل المفاوضات التي يظهر أنها اشترته بثمن مرتفع للغاية، في حين أن له مثيل ينتج باسعار ادنى بكثير.
وأكد أن الوزارة كان باستطاعتها إنتاج الدواء بمصر، مشيراً إلى أن الدولة التي فيها وباء من حقها إنتاجه لإعطائه للمواطنين من دون الحاجة إلى موافقة الشركة، مثلما فعلت دول مثل الهند وتعاقدت على إنتاجه وتصديره لـ91 دولة.
وفي الاتجاه نفسه جاء الرأي الطبي لاستشاري بالمعهد القومي لأمراض الكبد محمد عز العرب، فقال: "جميع المؤتمرات العلمية العالمية تؤكد اخذ العقار مع حبوب الريبافيرين والانترفيرون لمدة 3 شهور كعلاج ثلاثي، أما اخذ علاج ثنائي من خلال تناول السوفالدي مع الريبافيرين، فلا توجد أدلة علمية قوية على فعاليته" مؤكدا أن استخدام العلاج الثنائي في مصر يعد نوعا من إجراء التجارب على المرضى.
أما ممثلة "المركز المصري للحق فى الدواء"، كجهة حقوقية، فشنت حملة للتحذير مما أسمته "خطايا فى ملف بيزنس الكبد" فى مصر. وقال محمود فؤاد رئيس المركز، ان الفساد يريد أن يأتي على ما بقي من أكباد المصريين المتعبة، وقال ان اللجنة لم تفشل فقط في الحصول على حق التصنيع أو التخفيض في سعر الدواء، لكنها منحت توزيعه لشركة مصرية خاصة تربط صاحبها علاقة كبيرة برئيس هيئة حكومية كبرى، وهو ما وصفه بـ"الصفقة". وفي اتجاه آخر، أشار إلى أن اللجنة القومية لمكافحة فيروسات الكبد في مصر، والتي تم تأسيسها عام 2008، لم تعالج حتى الآن سوى 240 ألف مصري.
وتساءل كيف يمكن اعطاء وعود بالقضاء على المرض خلال 5 ـ 7 سنوات؟حيال هذه الاتهامات، تأتي من جهات رسمية او من الإعلام الداعم لها، ادعاءات بسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مجالس النقابات المهنية وبوجود أجندة خارجية للمنظمات الحقوقية العاملة في مصر.
وبين مطحنة الاتهامات التي اتسعت لتشمل كل مناحي الحياة في مصر على مدار العام الماضي، يتكدس المرضى فى "الممرات" العابقة برائحة الفورمالين والعرق في انتظار شفاء قد يأتي أو.. لا يأتي.
بينما تشير منظمة الصحة العالمية إلى احتلال مصر المركز الأول عالميا في الإصابة بالمرض. فمن أصل 200 مليون مصاب في العالم، تحصد مصر وحدها 12 مليوناً، مع معدل ارتفاع بنسبة 2.2 في المئة سنوياً، بينما لا تتعدى نسب الشفاء الكامل 1 في المئة.