في عيد ميلاده الثاني والسبعين، الكاتب التونسي أيمن الدبوسي: «لا زلت أشرب زجاجة ونصف من النبيذ يوميّا وأحلم بالذهاب للعيش في أميركا
خصّ الكاتب التونسي أيمن الدبوسي جريدة السفير العربي بلقاء حصري بمناسبة صدور كتابه الجديد، «حماقات السبعين»، وهو الكتاب الثالث والعشرون في مسيرته الأدبية التي استهلها بـ«أخبار الرازي: مُذكرات النفساني» التي نشر جُزء هام منها على أعمدة السفير منذ أربعين سنة. وكان النفساني قد انقطع عن التأليف بعد انتفاضة 6 شباط/فبراير 2043 التي أدت إلى إعلان الجمهورية الثالثة في تونس، وصياغة دستور جديد، شارك الكاتب في إنجازه إلى جانب كُتّاب آخرين من جيل العشرينيات، على غرار الروائي كمال الرياحي الحاصل على جائزة نوبل للأدب، والفيلسوف عدنان جدي. وعن سبب انقطاعه عن التأليف طوال ما يُقارب العشر سنوات قال الدبوسي:
«أعتقد أن المشاركة في إعداد دستور للأجيال المُقبلة هو عمل إبداعي شاق، يتطلب جهداً تخييلياً جباراً، يفوق حتى ما تقتضيه كتابة الرواية من قدرة على التخييل. فأنت هذه المرة لا تكتب لنفسك ولا تكتب لجمهور من القراء أو لأي قارئ كان، وإنما تكتب «للآتي»، لأولئك الذين لم يولدوا بعد. الذين صاغوا الدستور السابق كانوا بلا خيال، ولم يغيروا شيئاً من سقفهم الرمزي، ولذلك لم يصمد ذلك الدستور طويلا، فكُتّابه كانوا غير قادرين على الذهاب أبعد من أنفسهم. وقد اخترتُ الانسحاب ولزوم الصمت بعد مغامرة الدستور الجديد، مُكتفياً بمتابعة تطبيقاته على أرض الواقع. فقد يحدث للكاتب أن تتحول بعض رواياته إلى أعمال سينمائية، أما أن يتحول أحد نصوصه إلى شيء واقعي، يرى تطبيقاته العملية كل يوم، فهذا أمر نادر الحدوث ويتطلب كل المتابعة والاهتمام».
وكنا قد زرنا الدبوسي في بيته بحي «لافاييت» بالعاصمة التونسية، وهو منزل جميل ومُتواضع بالطابق الخامس بإحدى العمارات القديمة التي تعود لأوائل العشرينيات من القرن الماضي. وعن سرّ تعلّقه بهذا الحي، قال الكاتب:
«اخترت الإقامة هنا لأني عشت في هذا الحي أجمل سنوات طفولتي، رغم أنه فقد الآن الكثير من جماله وسحره وذهب عنه طابعه المعماري الفريد. فباستثناء هذه العمارة، التي أفعل ما في وسعي لئلا يقع هدمها وإزالتها، لم يبق من «لافاييت» القديمة أي شيء».
أما عن مستشفى الرازي الذي وقع إغلاقه أواخر العشرينيات، فقد قال الكاتب: «أعتقد أن مروري بمستشفى الرازي كان محطة هامة وضرورية في حياتي، رغم أني لا آسف على مغادرتي له إطلاقا. فقد أدركت سريعاً بأنني أنتمي روحيّا إلى المرضى أكثر من انتمائي إلى النفسانيين والإطار العلاجي، وبالتالي فإن بقائي هناك كان أمراً صعباً للغاية ومُضرّا، لأن الشيء الوحيد الذي يُفكر فيه المريض هو مغادرة ذلك المكان الشاحب».
وقد لاحظنا أثناء حوارنا معه، بأن الكاتب كان يحمل ندبة حديثة على صدغه الأيسر. ولما سألناه عن سرّ ذلك الجرح، أجاب أن زوجته هاجمته بسكين أثناء نومه، بعد أن عثرت على مجموعة هامة من رسائل حُبّ كان يتبادلها سرّا مع ممثلة مسرحية شابة. وقد أرانا كذلك ندبتين أخريين على ذراعه اليسرى، قائلا بابتسامة لطيفة بأن زوجته كانت غاضبة بعض الشيء لمّا قامت بذلك الأمر، رغم أنها باتت تجده أكثر جاذبية في ما بعد بفضل تلك الندبة. وفي ما يخص مصير تلك الرسائل، وإن كان يُفكّر في نشرها، أوضح الكاتب في أسف بأن زوجته قد أحرقتها بالكامل ولم يحتفظ منها بغير حفنة رماد شربها محلولة في النبيذ.
وعن صحّته، قال الدبوسي إنه لا يزال قادراً على صعود طوابق العمارة الخمس من دون أن يأخذ قسطاً من الراحة، رغم أنه عانى من قرح في المعدة اضطره للتوقف عن الشرب لمدة سنتين، لكنه عاد الآن إلى لياقته السابقة ويحتسي يومياً زجاجة ونصف من النبيذ.
- هل تعتقد بأن موضوعات الجنس والجنون والطابع الانتهاكي الذي تتسم به كتاباتك عموماً هو ما جعلك لا تبلغ الجمهور العريض من القراء؟
- «لا أعتقد ذلك، وعلى العموم فأنا أفضل أن أكون مجهولا بقيمة وعبقرية سليم بركات، على أن أكون شمساً خداعة على شاكلة (...)، وغيرها من الكتاب الذين لم يعد يلتفت إليهم أحد اليوم. هناك كُتاب يكتبون للمستقبل، نُعيد اكتشافهم ونكتشف بأنهم دائماً أمامنا مهما تقدم بنا الزّمن».
- والشيخوخة، والإحساس بتأثير الزّمن؟
- «الشيخوخة طفولة ثانية. أعتقد بأن الناس لا يهتمون كثيرا بالشيوخ والأطفال. هذا يمنحك مساحة من الحرية واللامسؤولية التي لا يحظى بها الشباب والكهول. أنا لا أحسّ بأني شيخ إلا عندما أتذكر بأن أغلب معارفي هم من الأموات. لكن حتى ذلك لا يُؤثر فيّ كثيراً لأنني تعلمت صحبة الأموات منذ أن اخترت أن أقضي أغلب وقتي في مطالعة الكتب».
وعن أحلامه وآماله، قال الكاتب بأنه لا يزال يحلم بالتخلي عن كل شيء والذهاب للعيش في أميركا، مذكراً بقولته الشهيرة: «ما كتبتُ إلا وشعرتُ بأنني أصير أميركياً، وعليه، فأنا كاتب أميركي وإن كنتُ أكتب بالعربية.» وتجدر الإشارة إلى أن أميركا كانت إحدى التيمات الرئيسية في مُدونة الكاتب، وأكثرها غموضاً وإثارة للجدل، رغم أنه لم يُسافر إليها ولو مرة واحدة طوال حياته. وقد ختم يقول في ذلك الشأن، «ما من امرئ إلا وله أميركا».
وفي سؤال أخير: ماذا بعد «حماقات السّبعين»؟ ردّ الكاتب: «حماقات الثمانين».
مواضيع
حماقات السبعين
مقالات من تونس
رئاسيات تونس 2024: "العبور" إلى أين؟
تعيش تونس اليوم مأزقاً جماعياً، يتمظهر أساساً في طبيعة العلاقة بين أضلاع مثلث العملية السياسية: سلطة لم تُظهِر إلى حد الآن قدرة حقيقية على تغيير الأوضاع نحو الأفضل، وتُصر على...
القانون الجديد لعِطل الولادة والأمومة في تونس: مكاسب ونقائص وحسابات
عطل الولادة والأمومة في تونس، قبل اصدار القانون الجديد، كانت من بين الأقصر مدة في المنطقة، ولا ترتقي إلى الحد الأدنى الذي وضعته "منظمة العمل الدولية"، كما أنها تميّز بين...
تونس: قطار "الجمهورية الجديدة" يسير على السكك القديمة
سيتكرر هذا المسار الطويل والمعقد من الانتخابات والقرعة كل بضع سنوات، على الرغم من أن السواد الأعظم من التونسيين هجروا مراكز الاقتراع. حوالي مليون تونسي فقط (من جملة أكثر من...
للكاتب نفسه
وقفة احتجاجية لعاملات الجنس في تونس
المواخير في تونس كانت تحت إشراف وزارة الداخلية، وتحمل العاملات هناك في بطاقات تعريفهن الوطنية صفة "موظفات في وزارة الداخلية". لكن مواخير سوسة وباجة والقيروان هوجمت واحرقت. وقالت السيدة المُشرفة...
تونس بعد الثورة: إنتاج الكحول واستهلاكه يُحطمان أرقاماً قياسية
صرّح راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، الحزب الحاكم في تونس بعد الانتخابات، بأن منع الخمر سيكون تدريجياً. وبعد سنتين من حُكم النهضة، صرّح السّيد محمد بالشيخ، رئيس الغُرفة الوطنية...
Parkizol
ورّقت الطبيبة المُقيمة، بعجالة، الملف الطبي للمريض الذي دخل المكتب وجلس قبالتها، من دون أن ترفع بصرها نحوه. كانت مرهقة إثر يوم شاق، أتت فيه على طابور طويل من المرضى...