في 9 كانون الاول/ديسمبر 2014، أُطلق سراح الفرنسي سيرج لازارفيك الذي كانت تحتجزه منذ 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 مجموعةٌ مسلحة من مجموعات "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وكما جرت العادة، نفت السلطات الفرنسية دفعَها فديةً لمختطفيه. من الصعب تصديق ما أوردته الصحافة الفرنسية يومها من تصريحات للرئيس النيجيري مفادُها أن تحرير لازارفيك من أسره ثمرة "احترافية أجهزة الاستخبارات النيجيرية والمالية". لم يطلق المختطفون سراحه لأن أجهزة الاستخبارات النيجيرية والمالية خوّفتهم من بطش فرنسا، فهم في صراع دام معها في شمال مالي منذ كانون الثاني/يناير 2013. أطلقوا سراحه لأنهم قبضوا الثمن ملايينَ من الدولارات كانوا على يقين بأنهم سيجنونها. فلا يُعقل ألا يسعى الرئيس الفرنسي إلى إنقاذ حياة "آخر رهينة فرنسية في العالم"، وألا يكترث لما قد ينجم عن قتلها من انهيار لشعبيته المتهالكة، خاصة بعد إعدام الرحالة الفرنسي هيرفي غورديل في الجزائر في 24 ايلول/ سبتمبر 2014.
وبشكل شبه رسمي، أقرّ بحقيقة الأمر ألان مارسو، وهو نائب يميني في البرلمان عن فرنسيي الخارج، كان في الثمانينيات مسؤولَ المصلحة المركزية لمكافحة الإرهاب لدى نيابة باريس: "ليس هناك فرنسيٌّ واحد يعتقد أن لازارفيك أُفرج عنه حبّا لعيون فرانسوا هولاند". ومن جهته، لخّص ديديه فرانسوا (وهو نفسُه كان محتجزا في سوريا) مجملَ المسألة بقوله: "ما نعرفه، نحن الفرنسيين، هو أن السلطات ستبذل قصارى جهدها لإنقاذ حياة الرهائن". هل تعني "قصارى جهدها" هنا شيئا سوى الرضوخ، بشكل أو بآخر، لمطالب مختطفين لا يترددون في إعدام رهائنهم بشكل استعراضي؟ ويُذكر هنا أن ابنةَ سيرج لازارفيك كانت قد صرحت في تشرين الاول/أكتوبر 2013، أي قبل إطلاق سراحه بسنة، أن الخارجية الفرنسية طمأنتها إلى أن "أريفا ستدفع أيضا من أجل تحرير أبيها"، أي أن هذه الشركة النووية العملاقة العاملة في النيجر ستضيفه إلى قائمة أربعة من عمالها بذلت مالا وفيرا لشراء حريتهم في 29 تشرين الاول/أكتوبر 2013.
وليست فرنسا البلدَ الأوروبي الوحيد الذي دفع فديات مقابل تحرير رهائن اختطفتهم مجموعات مسلحة. حسب تقرير لمركز الدراسات الأمنية بزوريخ (سويسرا) صدر في تشرين الاول/أكتوبر 2013، تعتبر الحكومة الأميركية (ويعرف عنها انتقادُها تلبية نظيراتها الأوروبية مطالب المختطفين) أنّ سلسلةَ اختطافات الرعايا الغربيين في الشمال الأفريقي وساحل الصحراء بدأت بدفع الحكومة الألمانية 5 ملايين دولار لقاء الإفراج عن سياح أوروبيين اختطفتهم في الجزائر في 2003 "المجموعةُ السلفية للدعوة والقتال"، سليلةُ تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. ويشير التقرير ذاته إلى أن هذا التنظيم اعترف بحصوله في 2012 على 19.4 مليون دولار لقاء إطلاق سراح اسبانييْن وإيطالي، وأن سويسرا، بين 2003 و2009، دفعت هي الأخرى الملايين لشراء حرية سويسريين محتجزين وإن كذبت ذلك ـــ كفرنسا ـــ تكذيبا قاطعا. ونتوقف هنا عند صيغة التكذيب الرسمي السويسري كما ورد في هذه الوثيقة: "تكذب الحكومة تكذيبا مطلقا استخدامها أموالا عمومية لدفع فديات". من حقنا أن نستخلص من هذه الجملة أنها استخدمت أموالا "غيرَ عمومية" بالمعنى القانوني للكلمة (أي غير محتسبة في الميزانية)، استقتها من صناديق الاستخبارات السوداء أو من شركات لها مصالح في المناطق التي حصلت فيها عمليات الاختطاف (وهو حال شركة أريفا الفرنسية).
لا أحد ينكر على دول أوروبا اعتبارَها أرواح رعاياها غالية، ولبلدان المنطقة العربية في ذلك عبرة. المشكلة هي أن هذه الفديات اليوم مصدرٌ رئيسي من مصادر تمويل المنظمات المسلحة العاملة في الشمال الأفريقي وساحل الصحراء (تجنيد محاربين جدد، إنشاء معسكرات تدريب، شراء أسلحة ووسائل الاتصال..). وقد أقرت مجموعة الثمانية (وفرنسا من أعضائها) بذلك إقرارا صريحا في حزيران/يونيو 2013 مشيرة إلى أن تحرير الرهائن مقابل المال هو الذي مكّن "القاعدة في المغرب الإسلامي" من تنفيذ عملية احتجاز عملاقة في جنوب الجزائر في كانون الثاني/ يناير 2013 (موقع تيغنتورين الغازي) راح ضحيتَها 39 رعية أجنبية من العاملين في المجال النفطي.
أشارت مصادر رسمية جزائرية في 2011 إلى أن حكومات أوروبية دفعت لهذا التنظيم منذ إعلان ميلاده في مطلع 2007 فديات مقدارُها الإجمالي 150 مليون يورو. ربما كان هذا الرقم مضخما بعض الشيء، لكن لا يبدو لنا خياليا صرفا إذا علمنا أن جهاز الاستعلامات الأميركي الخاص "ستراتفور" أكد من جهته حصول القاعدة في المغرب الإسلامي على 89 مليون دولار بين 2003 و2012 في شكل فديات. وحسب الحكومة الأميركية (تقرير مركز الدراسات الأمنية المذكور)، حصلت القاعدة في المغرب الإسلامي سنة 2011 على 5.4 ملايين دولار لقاء كلّ رهينة أفرجت عنها. ويؤيد صحة هذا الرقم ما أوردته الصحافة الفرنسية، مستندة إلى مصدر "على دراية بتفاصيل عملية إطلاق سراح 4 رهائن فرنسيين في النيجر في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2013" ("لوموند"، 30 تشرين الاول/ أكتوبر 2013) من أن الفدية التي سلمها ممثلو المديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE) لمختطفي هؤلاء تجاوزت 20 مليون يورو (أي حوالي 23 مليون دولار).
ورغم استهجان مجلس الأمن الدولي (نهاية سنة 2009) ومجموعة الثمانية (2013) دفعَ فديات لمحترفي تجارة الرهائن، فهو مستمر وكأن شيئا لم يكن. وهكذا، فيما يُشدّد الخناق على التعاملات المالية التي يشك في أنها تموّل الإرهاب، يتواصل تمويله من طرف أوروبا بهذا الشكل شبه المباشر، ما يفاقم في دول شمال أفريقيا وساحل الصحراء الاضطرابَ الأمني، ذريعةَ الدول العظمى الأساسية للتدخل في هاتين المنطقتين.