بلدة تفريت.. حكاية عن نفايات موريتانيا

صدر قرار من الغرفة الإدارية في المحكمة العليا، أكد على أن مكب النفايات غير شرعي وغير مرخص أصلاً، ولم يحظَ بالإجراءات التي تتطلبها المكبات المماثلة، وأكد على أن طريقة المعالجة فيه لم تخضع لأي معيار بيئي. لكن قرار المحكمة العليا لم يؤخذ بالاعتبار من السلطات، ولم يغلق المكب بعد.
2021-02-20

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
جبل النفايات في بلدة تفريت

عاد سكان بلدة "تفريت" الموريتانية ( 25 كلم عن العاصمة نواكشوط)، الى الاحتجاج وتنظيم وقفات. فهم والقرى المجاورة لهم، يشتكون من مكب نفايات بقربهم، تُرسَل إليه نفايات العاصمة لتطمر فيه. وقد أصبحت تلك النفايات تُحرق، فيصلهم دخانها ليلوث الجو.

يتصاعد صوتهم، وتشتد وتيرة احتجاجاتهم كل حين. ومؤخراً اشتد قمعهم والتنكيل بهم من قبل السلطة الحاكمة، حيث تمّ تداول مقاطع فيديو لقوات الدرك تتصدى لمظاهرة لنساء القرية، نظمنها يوم 6 شباط/ فبراير 2021، وسبقتها أيضاً حوادث قمع متتالية للسكان، وهو ما زاد من زخم قضيتهم، وجعلها من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام في موريتانيا.

بداية الحكاية

كانت البلدة قبل سنوات مكاناً هادئاً وملاذاً للراحة من صخب نواكشوط، لسكانها ولغيرهم من القادمين من العاصمة.

وقد بدأت الحكاية مع النفايات، حين أبلغت السلطات السكان سنة 2004 أن رجال أعمال سيشيدون مصنعاً للبلاستيك قرب بلدتهم، مؤكدة على أن الأمر سينعكس بشكل إيجابي اقتصادياً عليهم.

 لكن بعد ثلاث سنوات، تحول المصنع إلى مكب ضخم للنفايات تشغله شركة "بيزورنو" الفرنسية، والتي كانت تعمل على تنظيف مدينة نواكشوط وتحمل يومياً ألف طن من النفايات لتطمر في المكب. وتقول أنها تقوم بالطمر بشكل احترافي يمنع أي تسرب قد يضر السكان، وهو ما يشكك بصحته هؤلاء، فأجروا مفاوضات مع الشركة. إلا أن خلافاً وقع بين الحكومة الموريتانية والشركة، جعلها تغادر البلاد. بدأت "مجموعة نواكشوط الحضرية" تدير المكب، ومع الأيام أصبح التضرر منه يتعاظم.

 بدأ سكان تفريت منذ 2014 بالاحتجاج بوقفات في بلدتهم وفي نواكشوط، وهم يؤكدون على أن النفايات تسببت بوفاة العديد من سكان القرية بسبب السرطانات. وآنذاك جابههم النظام بالقمع الشديد، ولكن السكان واصلوا احتجاجاتهم على الرغم من القمع، وبعد ذلك توجهوا نحو القضاء من أجل رفع الظلم عنهم.

وصدر قرار من الغرفة الإدارية في المحكمة العليا، أكد على أن المكب غير شرعي وغير مرخص أصلاً، ولم يحظَ بالإجراءات التي تتطلبها المكبات المماثلة، وأكد على أن طريقة المعالجة فيه لم تخضع لأي معيار بيئي.

وقد اعتمد القرار على دراسة أعدها خبير بيئي، أكد فيها على أن القرية في الفترة ما بين 2007 و2017 سجلت إصابة 23 شخصاً بمرض السرطان، توفي منهم 20، في حين أن هناك إصابة وحيدة في الفترة ما بين 1997 و2007، لتخلص الدراسة إلى أن هذا الارتفاع مرتبط بمجاورة مكب النفايات والتضرر الروائح المنبعثة منه والتي يستنشقها السكان.

ويروي السكان كيف تحول مكان سكنهم إلى بقعة ينعدم فيها استنشاق الهواء الطبيعي، فأصبح الدخان هو رفيق أنفاسهم، وأنهم يتضررون من حرق النفايات المجلوبة من نواكشوط. وحسب نشطاء الحراك، تقدر الكميات التي تحرقها "الشركة الموريتانية لمعالجة النفايات" من النفايات المفرغة خارج المكب، ب 65.000 ألف طن، ويؤكدون على أن تلك النفايات تتضمن مخلّفات طبية خطيرة.

يؤكد سكان القرية منذ بدء تحركهم في العام 2014 أن نفايات العاصمة التي ترمى في المكب عندهم وتُحرق، تسببت بوفاة العديدين بالسرطانات. وآنذاك جابههم النظام بالقمع الشديد، ولكن السكان واصلوا احتجاجاتهم على الرغم من القمع، وبعد ذلك توجهوا نحو القضاء من أجل رفع الظلم عنهم.

لكن قرار المحكمة العليا لم يؤخذ بالاعتبار من السلطات، ولم يغلق المكب بعد، وتواصل تضرر السكان منه، وظلوا ينتظرون تطبيقه، ولمّا يئسوا، رجعوا إلى الاحتجاجات. وبعد القمع الشديد، وعدتهم السلطة بأن المكب سيغلق، فعلّقوا احتجاجاتهم. إلا أن الوعد لم يتجاوز الكلام، فعاد مسلسل الاحتجاج والقمع الذي بدأت حلقاته منذ سنوات.

ويتحجج بعض المسئولين بأن هناك تداخل في المسؤوليات في الملف، وهو ما يعرقل ايجاد حل له. إلا أن "جهة نواكشوط" تظل هي المسئولة بشكل نظري عن نظافة نواكشوط وعن نفاياتها من الناحية القانونية، ولكن وزارة البيئة هي المسئولة عن وقف أي نشاط أو مؤسسة تتسبب باضرار وذلك بموجب المدونة البيئية.

تضامن واسع

تصاعد التضامن مع السكان، فأصدر "تحالف أحزاب ائتلاف قوى التغيير" بياناً ندد فيه بقمع سكان تفريت، وقال:" إنّنا في أحزاب ائتلاف قوى التغيير الديمقراطي:

- ندين بشدة العنف الذي يعامل به سكان القرى المتضررة من مكبّ النفايات، وهم يطالبون سلمياً بحل هذه الأزمة.

- نؤكد تضامننا معهم في محنتهم.

- نتساءل ما هو السر في استمرار هذه الأزمة؟ وما هي الدوافع الحقيقية لعدم تنفيذ ما تعهدت به السلطات من أجل حلها؟ ألا ترى السلطات أنّه من الأجدر بها إيجاد حل عادل ونهائي لهذا المشكل حتى لا يتفاقم؟ أما آن لها أن تتوقف عن الرد على أصحاب المطالب المشروعة بالعنف، مما يُعرض البلد للمزيد من الأخطار؟".

فتحت القضية الباب أمام نقاش أمر لا يتغير، رغم تغير رؤوس السلطة، وهو أن الأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم، خاصةً تلك الصادرة ضد الحكومة، لا تنفذ إلا حسب مزاج السلطة التنفيذية.

كذلك جرت بعض الزيارات التضامنية مع سكان البلدة من قبل شخصيات مجتمعية وسياسية ودينية، لمؤازرتهم، وعبّر الكثير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن تضامنهم معهم، وكتبوا بكثافة على وسم #تفريت_تختنق.

قضية تفريت هي استمرار لنهج من التعامل دأبت عليه الأنظمة الموريتانية، وهو أسلوب لا يتغير كثيراً، حيث إن السلطات ترى أن نَفَسَ المواطنين في الاحتجاج والرفض قصير، فتعول على أن لعبة القمع، ثم الوعود بالحل التي قد تنسيهم قضاياهم... لكنها لا تنجح دائماً، فسكان تفريت ما زالوا يواصلون رفضهم والتعريف بقضيتهم بكل الطرق، دون كلل ولا ملل.

مقالات ذات صلة

والقضية أيضاً فتحت الباب أمام نقاش أمر لا يتغير، رغم تغير رؤوس السلطة، وهو أن الأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم، خاصةً تلك الصادرة ضد الحكومة، لا تنفذ إلا حسب مزاج السلطة التنفيذية. فسكان القرية لديهم قرار من المحكمة العليا، والمفترض أن يطبق وتنتهي القصة. والمشكلة ذكّرت كثراً بهذا الواقع، فكم من شخص أو جماعة لديهم حكم أو قرار ينتظر تنفيذه منذ سنوات دون طائل. 

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه