أثبتت زيارةُ الملك محمد السادس في أواخر شباط/ فبراير و أوائل آذار/مارس الفائت إلى أربع دول في غرب افريقيا (مالي وساحل العاج وغينيا والغابون)، على رأس وفد كبير من أصحاب الأعمال، أن المملكة المغربية ترى هذه المنطقةَ أفقا واعدا لكبرى شركاتها المحرومة من التوسع في محيطها الطبيعي، الشمال إفريقي، بسبب أزمة الاتحاد المغاربي. صحيحٌ أن الجزائرَ لا تزال في نظرها أهمَّ الأسواق التي تحلم بغزوها، لكن دخولها، ودخولَ السوق التونسية من خلالها، يتطلبان تطبيعَ العلاقات بين البلدين، أو على الأقل فتحَ حدودهما البرية المغلقة منذ 1994.
وفي انتظارهذا التطبيع الذي قد يتأخر تأخّرَ الحل الأممي لمسألة الصحراء الغربية، يبحث أصحاب الأعمال المغاربة عن أسواق بديلة جنوبا. ويمكن القول إن ضيقَ السوق المغربية (34 مليون نسمة)، وتراجعَ الطلب الأوروبي على المنتجات المغربية، وركودَ الطلب الداخلي (زيادته بـ2.4 في المئة فقط في 2012 مقابل 5.7 في المئة في 2011، وإن كان يُتوقع أن يكون قد تحسَّن في 2013 وبلغ 5 في المئة بحسب المندوبية السامية المغربية للتخطيط) هذه كلُّها عواملُ تحتّم على الشركات المصدّرة المغربية تعميقَ حضورها في إفريقيا، «منبت شجرة المغرب التي تتنفس أوراقها في أوروبا»، حسب تعبير شهير للملك الحسن الثاني. ويتركز الاهتمام المغربي على المجموعة الاقتصادية لدول افريقيا الغربية، التي تعرف نموا اقتصاديا معتبرا (7 في المئة في 2013) وتُقدر القدرة الشرائية لمجموع سكانها (300 مليون نسمة) بـ590 مليار دولار.
الاستثمارات الخارجية للمغرب: افريقيا
وحسب ما أوردته مديريةُ الدراسات والتوقعات المالية (التابعة لوزارة الاقتصاد المغربية)، استحوذت أسواق ساحل الصحراء على 7 في المئة من صادرات المغرب في 2012. وتستهدف الشركات المصدرة إلى إفريقيا (وعددها اليوم 930) مضاعفةَ هذه النسبة ثلاث مرات والارتقاءَ بها إلى 20 في المئة في 2018. ويبلغ مجموع الاستثمارات المغربية المباشرة الجارية في إفريقيا 800 مليون دولار، ما يجعل المملكةَ ثاني مستثمر افريقي في القارة بعد جنوب افريقيا.
وتشير أرقامٌ نشرتها اليومية المغربية «ليكونوميست» (20 شباط/ فبراير 2014) إلى أن إفريقيا (وبخاصة غربها) اجتذبت في 2013 نصف الاستثمارت المغربية في الخارج، 1.04 مليار درهم من اصل 2.186 (أي 127 مليون دولار من 267 مليون دولار)، فيما اجتذبت بين 2009 و 2013 ما قيمتُه 11.35 مليار درهم من أصل 16.28 مليار (أي 1.38 مليار دولار من 2 مليار دولار). وقد حوّل المستثمرون المغاربة منذ 2009 إلى بلدهم 1.05 مليار درهم (127 مليون دولار) من عوائد استثماراتهم.
ويُذكر هنا أن هذه الاستثمارات تندرج في إطار مدّ عالمي نحو إفريقيا، إذ نمت الاستثمارات المباشرة الخارجية فيها سنة 2012 بـ5 في المئة (تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية)، وهي نسبةٌ معتبرة في وقت يعرف فيه الاستثمار المباشر الخارجي عالميا انهيارا حقيقيا (تراجع بـ18 في المئة في 2012، ويُتَوقع أن يثبت ركودُه في 2013).
ويرمز نشاطُ بعض كبرى الشركات المغربية في القارة إلى أهمية هذا التوجه الافريقي لأصحاب الأعمال المغاربة. ومن هذه الشركات الخطوطُ الجوية الملكية المغربية التي تخدم رحلاتُها 27 عاصمة إفريقية وتحتل المرتبة الثانية، وراء الخطوط الجوية الفرنسية، في قائمة أهمّ شركات الطيران العاملة بين أوروبا وإفريقيا، بمعدل 217.000 مقعد أسبوعيا (مقابل 135.000 لنظيرتها الجزائرية و 141.000 لنظيرتها التونسية).
شركةٌ أخرى ترمز إلى أهمية استثمارات المغرب إفريقيّاً هي «المغربيةُ للاتصالات» (تمتلك الدولة 30 في المئة من أسهمها) ولها فروعٌ في موريتانيا منذ 2001 («موريتيل») وبوركينا فاسو منذ 2006 («أوناتيل») والغابون منذ 2007 («غابون تيليكوم») ومالي منذ 2009 («سوتلما»). وفي 2013، حققت هذه الفروعُ، ومجمل زبائنها يبلغون 30 مليونا، أرباحا قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك (EDIBTA) مقدارُها 2.383 مليار درهم مغربي (347 مليون دولار)، بزيادة أكثر من 30 في المئة عن 2012. كذلك توسعت رقعةُ النشاط الإفريقي لأهم البنوك المغربية بشكل لافت في السنوات الأخيرة، فعددُ فروعها في القارة حاليا عشرون فرعا، وقد كلفت دولة ساحل العاج أحدَها، وهو التجاري «وفا بنك»، بالبحث عن تمويلات لميزانيتها في سوق الرساميل العالمية، ما يعد دليلا على ثقتها في مهنيته.
الصلة بمسألة الصحراء الغربية
وبطبيعة الحال، ليس هذا الانتشار الإفريقي اقتصاديا محضا، فأحد أهدافه الخروجُ من العزلة الديبلوماسية التي كانت مضروبة على المملكة على المستوى الإفريقي بعد انسحابها في 1984 من منظمة الوحدة الافريقية احتجاجا على قبول عضوية الجمهورية العربية الصحراوية فيها.
وقد أسفرت زيارة العاهل المغربي مؤخرا إلى مالي وساحل العاج وغينيا والغابون على إمضاء كثير من الاتفاقيات الاقتصادية وعلى إنشاء مجالس أعمال مشتركة بين المتعاملين الاقتصاديين المغاربة ونظرائهم في هذه الدول، لكنها تُوِّجت أيضا بمكاسبَ دبلوماسية. فقد نجح محمد السادس في نيل مساندة الغابون والسنغال لمقترح حل مسألة الصحراء الغربية في إطار «استقلال ذاتي واسع» بدلا من حلها في إطار استفتاء لم يكتب له أن يُنظَّم منذ وقف إطلاق النار في هذه المستعمرة الإسبانية سابقا (1991).
ويأمل المغرب في أن يساعده الدعم الإفريقي له على إقناع دول المجموعة الدولية الفاعلة بوجاهة مقترح الاستقلال الذاتي، وأهم هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية، التي لا تبدو لحد الساعة محبذةً له. وكما ذكّرت بذلك مؤخرا جريدة «لوموند» الفرنسية (عدد 17 شباط/ فبراير 2014)، فقد أفلتت المملكة بأعجوبة، في نيسان/أبريل 2013، من لائحة أممية اقترحتها واشنطن لتوسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية لكي تشمل حقوقَ الإنسان... ما كان سيعزز الموقف الديبلوماسي لجبهة البوليزاريو ولحليفها الجزائري.