"عمال الدلتا للأسمدة يؤيدون فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي". ظلت هذه اللوحة العلامة الرئيسية في اعتصام مئات العاملين في شركة الدلتا للأسمدة، بمحافظة القليوبية، احتجاجاً على قرار الحكومة في بداية كانون الأول/ ديسمبر الماضي بغلق شركتهم، وتشريد عمالها البالغ عددهم 2500 عامل. لم تفارق هذه اللوحة المشهد منذ بدء الاعتصام. أدرك العمال من اللحظة الأولى أهمية تأكيد تأييدهم للرئيس في دولة لا تتردد كثيراً في رمي كل من يتظاهر أو يطالب بحقه، بتهمة الخيانة، والتمثيل به إعلامياً وأمنياً. في شعاراتهم التي يرددونها. حاول العمال استجداء الرئيس لمرات عديدة. كانوا يعتقدون، أو يحاولون إقناع أنفسهم أن الرئيس نفسه لا يقبل بسياسات إغلاق الشركات، وإن تصفية شركة الدلتا، ما هو إلا قرار لحكومة تتصرف بعيداً عن الرجل القوي. مر شهران ونصف على بدء اعتصامهم، ولم يخرج الرئيس عن صمته أو يشفق عليهم مثلما توقعوا. رفع أحد أبناء العاملين لوحة تعكس هذا اليأس حيال موقف الرمز الأول في الدولة: "معقول هترمي ولادك في الشارع يا ريس؟".
تصاعدت خيبة الأمل مع الغضب المكتوم لدى العمال بعد 20 يوماً من التوسلات. فكروا في طريقة جديدة لكسر التعتيم الإعلامي والتجاهل الحكومي، خرج العمال في 22 كانون الأول/ ديسمبر – ولم تفارق لوحة دعمهم للرئيس ظهورهم - حاملين على أيديهم الأكفان للتعبير بمرارة عن المستقبل القاتم الذي ينتظرهم وأسرهم، والذي لا يختلف كثيراً عن الموت. أحدثت صور في ذلك اليوم جدلاً واسعاً بين المصريين. لكنها بدلاً من أن توقظ عاطفة السلطات، أثارت غضبها ضدهم.
طوال مدة الاعتصام، راهن عمال هذه الشركة، التي تعد واحدة من أعرق قلاع إنتاج الأسمدة في مصر، على أن أهمية شركتهم التي تنتج 800 ألف طن سنوياً، وتوفر السماد المدعّم لما يقرب من ثُلث صغار المزارعين في الدولة – بحسب تقديرات رئيس اللجنة النقابية لعمال الشركة - سيكون أحد نقاط القوة التي قد تدفع الدولة للتراجع عن قرار إغلاق الشركة. خاب ظنهم، فشركتهم لم تعد لها أهمية بالنسبة للحكومة، مثلها مثل برنامج الدعم نفسه للمزارعين، الذي سئمت منه السلطة وتعمل جاهدة على التخلص منه.
حاول العمال في شعاراتهم، استجداء الرئيس. كانوا يعتقدون بأنه لا يقبل بسياسات إغلاق الشركات، وأن تصفية "شركة الدلتا"، هو قرار حكومة تتصرف بعيداً عن "الرجل القوي".ثم خرج العمال في 22 كانون الأول/ ديسمبر – ولم تفارق لوحة دعمهم للرئيس ظهورهم - حاملين على أيديهم الأكفان للتعبير بمرارة عن المستقبل القاتم الذي ينتظرهم وأسرهم.
غاب عن بال العمال أن السلطات في مصر منذ مجيء النظام الحالي، لم ترضخ أبداً أمام أي ضغط عمالي، ولهم في غلق شركة "القومية للأسمنت" وفصل عمالها منذ عامين، خير مثال. لم يمر سوى أسبوع على نشر فيديو "مسيرة الكفن"، حتى قررت السلطة الرد. على مر الزمن، ربت الحكومة المصرية أيديولوجيا راسخة تقول إن قمع العمال دائماً ما يكون أقل تكلفة من تنفيذ مطالبهم. ألقت أجهزة الأمن القبض على 8 من قيادات الاعتصام، من بينهم 4 من اللجنة النقابية، قبل أن يلحق بهم موظفون آخرون في الأيام التالية. وعلى الرغم من إعلان دعمهم للرئيس، إلا أن العمال يجدون أنفسهم فجأة أمام محكمة أمن الدولة، بتهم لا توجّه في دول أخرى إلا لإرهابيين، وهي الحثّ على التظاهر، تعطيل الإنتاج، ارتكاب أعمال تخريب، وتنظيم اعتصام.
خسائر سبّبتها الحكومة
تعلل الحكومة قرار الغلق بالخسائر المتراكمة التي تغرق فيها الشركة. يثير ذلك حفيظة العمال، ويتساءلون عن الأسباب الرئيسية وراء الخسائر وهم وحدهم (والحكومة) يعلمون السبب، إنها الحكومة نفسها. منذ 2014، زادت أسعار مدخلات الإنتاج والغاز مع سياسة الحكومة بتحرير الأسعار. ارتفعت تكلفة الإنتاج، ولم تقبل الحكومة بزيادة أسعار المنتج الذي تشتريه كاملاً من الشركة، لبيعه بسعر مدعّم إلى الجمعيات الزراعية لصغار المزارعين. أصبحت الشركة تتحمل هذا السعر المدعوم التي تقول الحكومة إنها تقدمه للمزارعين، واحتسب كديون عليها. ظل هذا الوضع حتى نهاية 2017، تنتج الشركة بتكلفة أعلى من سعر المنتج الذي تشتري به الحكومة منها، حتى قبلت الحكومة تحت ضغوط العمال أن تبيع الشركة 45 في المئة من إنتاجها في السوق الحر لتقليل الخسائر. وعلى الرغم من أن القرار ساهم في تحسن مؤشرات الشركة التي صدرت منتجات بقيمة 100 مليون دولار للسوق الخارجية ، إلا أن الإنتاج توقف لمرات عديدة بسبب الأعطال المتكررة نتيجة إهمال تحديث الماكينات منذ ما يقرب من 40 عاماً.
ينظر العمال في مصر بعين الآسى إلى مطالبهم التي انحدرت بشكل كبير مع انخفاض سقف المناورة أمام سلطة لا تضع في أولوياتها حماية الصناعات الحيوية، أو لا تدرك أن تحديث المصانع أكثر فائدة من إغلاقها. في السابق، كان العمال يتظاهرون لتحسين أوضاعهم ورواتبهم، أو منع بيع المصانع لرجال أعمال وقطاع خاص، فالتظاهر، وإن كان صعباً بإزاء العنف والاتهامات الجاهزة لكل من يعارض قرارات السلطة، أصبح يحدث لإبقاء ما تبقى من مصانع القطاع العام مفتوحةً، وللحفاظ على الوظائف، دون حتى التجرؤ على طلب تحسين أوضاع العمال المادية.
راهن العمال على أهمية شركتهم التي تنتج 800 ألف طن سنوياً، وتوفر السماد المدعّم لما يقرب من ثُلث صغار المزارعين في مصر. خاب ظنهم، فشركتهم لم تعد لها أهمية لدى الحكومة، مثلها مثل برنامج الدعم نفسه للمزارعين، الذي سئمت منه السلطة، وتعمل جاهدة على التخلص منه.. فأوقفت قادة الاعتصام وأحالتهم الى "محكمة أمن الدولة" بتهم تداني الارهاب!
مساحة الشركة 400 فدان، وموقعها مطل على ضفة نهر النيل، ومن الممكن أن يتحوّل المكان لمجمّع سكني متميز لطبقة مترفة، فيدر على الحكومة مليارات الجنيهات، مريحة وسريعة. وقد أعلن وزير قطاع الأعمال أن تصفية الشركة يعني بيع أرضها، وتبديل نشاط الأرض من صناعي إلى عقاري. أما العمال، فقد أكدت الوزارة أنها ستعوضهم بسخاء أيضاً من ثمن بيع الأرض.
في بداية نيسان/ أبريل الماضي، وقع انقطاع في التيار الكهربائي بالمصنع الرئيسي في الشركة. يتهم العمال إدارة الشركة بالتورط في هذا العطل، وهي لم تتحرك لمعالجته منذ ذلك الحين. ظل العمل متوقفاً في المصنع الذي يوفر نصف إنتاج الشركة، حتى بداية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حين فوجئ العمال بلجنة يرأسها لواء عسكري، تجري قياساً لمساحة الشركة.
يرى العمال أهمية شركتهم في توفير وظائف لهم، وتوفير سماد مدعّم للمزارعين. ولكن الحكومة تراها بعين أخرى، فمساحة الشركة 400 فدان، وموقعها مطل على ضفة نهر النيل، ومن الممكن أن يتحول المكان لمجمّع سكني متميز لطبقة مترفة فيدرّ على الحكومة مليارات الجنيهات، مريحةً وسريعة. يفسر ذلك رفض الحكومة أي مطالب لتطوير المصنع في موقعه، قالها مسؤول في وزارة قطاع الأعمال: إن تطوير المصنع في مكانه يعني خسارة قيمة الأرض، ويعطل خطة الدولة في القضاء على العشوائيات!
ولتضع الدولة نهاية للمأزق، أعلنت وزارة قطاع الأعمال في 5 كانون الثاني/ يناير 2021 أنها ستنشئ مصنعاً صغيراً للأسمدة في محافظة السويس - بعيداً عن الموقع السكني للعمال- تنقل إليه المعدات الحديثة من شركة الأسمدة، مع 500 فقط من العاملين، بينما سيتم تسريح الباقي. تغري الحكومة العمال الذين سيتم تسريحهم بتعويضات مالية ضخمة "يمكن أن يضعوها في البنوك، وتوفر لهم فوائد تعادل ما يتقاضونه شهرياً"، بحسب أحد العمال في فيديو نشره على حسابه الخاص في فيسبوك. وفي 19 كانون الثاني/ يناير، أفرجت نيابة أمن الدولة عن 11 من العمال المعتقلين من أصل 13.
لا تلتفت الحكومة إلى محنة إضافة يد عاملة مؤهلة إلى صفوف البطالة. يتغنى المسؤولون في مصر بارتفاع الإنتاج من الأسمدة الذي غطى الاحتياجات الداخلية خلال الأعوام الأخيرة، بفضل القطاع الخاص، ودخول القوات المسلحة على خط هذا الإنتاج. والجهتان لن تقبلا بالتأكيد بيع إنتاجهما للحكومة بأقل من سعر التكلفة، مثلما أجُبرت عليه "شركة الدلتا للأسمدة". ففي آب/ أغسطس 2018، افتتحت القوات المسلحة أكبر مجمع لإنتاج الأسمدة في الشرق الأوسط، بطاقة إنتاجية بلغت 1.5 مليون طن سنوياً، موزعة على 9 مصانع. وبعد أقل من عام، وقّعت "شركة النصر لإنتاج المواد الكيماوية" الوسيطة التابعة لجهاز الخدمة الوطنية بالجيش، اتفاقاً مع شركة ألمانية لبناء مجمع جديد يضم 6 مصانع.
البناء السكني أهم من الصناعة
لا يفهم هؤلاء العمال أن عصر الإنتاج الدولتي قد ولّى، وأن الحكومة لديها مشروع جديد لجلب الأموال إلى الخزينة،لا يهم فيه كثيراً التصنيع أو تحقيق الاكتفاء الذاتي أو توفير وظائف للمواطنين، وإنما تحقيق مكاسب سريعة غير مكلفة، وهو يرتكز على بناء مجمعات سكنية وترفيهية تستهدف من لديهم الثروة للشراء. والأهم من ذلك أن مفاتيح الإنتاج تنتقل إلى سلطة سيادية هي القوات المسلحة، وإلى القطاع الخاص، وهما يفرضان شروط السوق الجديدة التي تنهي مرحلة "الدعم". تلك الكلمة التي تواجه بالسباب حينما يسمعها أي مسؤول حكومي، ويعتبرها دائماً سبب الوضع الاقتصادي المتدهور في مصر.
يبدو ظاهرياً أن البناء العقاري يعالج مشكلة ارتفاع الطلب على السكن، وتحسين المناطق المتدهورة، إلا أنه تحوّل، من وجهة نظر نيوليبرالية تتبناها الحكومة، إلى مصدر دخل مضمون، ولا يحتاج لإنفاقات طويلة الأمد كعمال ورواتب ومدخلات إنتاج وغيرها...
القاهرة في عشر سنوات... هل نعرفها؟ (2/1)
25-01-2021
القاهرة في عشر سنوات... هل نعرفها؟ (2/2)
01-02-2021
تتأكد هذه الاستراتيجية في حالات عدة. فبالتزامن مع اعتصام شركة الأسمدة، بدأ آخر، لكن هذه المرة في القاهرة، إذ يتظاهر آلاف العمال من "شركة الحديد والصلب"، منذ إعلان غلق مصانعها في 11 كانون الثاني/ يناير بقرار من الجمعية العمومية للشركة التي أعلنت تقسيمها إلى اثنتين، واحدة للحديد والأخرى للمحاجر. ثُبّت قرار تصفية هذه الشركة العريقة، التي تأسست قبل 67 عاماً، وتنتج 1.2 مليون طن من الحديد سنوياً، بدلاً من إعادة تطويرها. لا يوجد لدى السلطة القائمة هاجس الحفاظ على الصناعة الحيوية، أو توفير وظائف لليد العاملة، في فترة صعبة يضرب فيها وباء كورونا العالم، ويجعل الحفاظ على الصناعات الحيوية والعمل أولويةً قصوى.
يتغنى المسؤولون في مصر بارتفاع الإنتاج من الأسمدة الذي غطى الاحتياجات الداخلية خلال الأعوام الأخيرة، بفضل القطاع الخاص، وبفضل دخول القوات المسلحة على خط هذا الإنتاج. والجهتان لن تقبلا بالتأكيد بيع إنتاجهما للحكومة بأقل من سعر التكلفة، مثلما أجُبرت عليه "شركة الدلتا للأسمدة".
في حالة "شركة الحديد والصلب"، اجتمعت عناصر المعادلة اللازمة لتنضمّ إلى المشروع العقاري الجديد التي تنتهجه الحكومة: شركة مقامة على أرض شاسعة تبلغ مساحتها 6 ملايين متر، وتعاني من الخسائر، وسلطة سيادية وقطاع خاص مقرب، يتوسعان في تصنيع الحديد. بعد يومين من قرار الإغلاق، أعلن وزير قطاع الأعمال صراحةً، أن تصفية الشركة يعني بيع أرضها، وتحويل معداتها الى خردة، وتبديل نشاط الأرض من صناعي إلى عقاري. أما العمال، فقد أكدت الوزارة أنها ستعوضهم بسخاء أيضاً من ثمن بيع الأرض.
لم تتوقف سلسلة الإغلاق عند هذا الحد. ففي نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، اعتصم آلاف العمال في "شركة مصر للغزل والنسيج" بكفر الدوار، بشمال الدلتا، بعد قرار مفاجئ بغلق الشركة، التي تعد في المرتبة الثانية بعد غزل المحلة. يوضح عامل فني في المصنع، أن العمال فوجئوا بطلب الإدارة غلقه أثناء عملهم على الآلات. "الإنتاج انخفض خلال السنوات الأخيرة إلى 20 في المئة، إذ أن مصنعين فقط يعملان من أصل 8 تضمهم الشركة بسبب نقص المواد الخام، مثل القطن، والمسؤول عن توفيرها هي الحكومة، وليس بسبب تعطل الآلات"، يضيف التقني.
بعد أسبوع من هذا الاعتصام الضخم، تراجعت وزارة قطاع الأعمال، معلنة أنها لا تنوي تسريح العمال، وإنما ستنقلهم إلى مصنع آخر على بعد 3 كلم من الشركة، خلال مدة 9 شهور. هذا الإعلان جاء لتهدئة الموظفين، ولإعطاء الوزارة فرصة كافية لمساومتهم. وقد بدأت عروض من الوزارة لتحويل العمال إلى معاش مبكر، وتعويضهم مادياً مقابل القبول بغلق المصنع: "الوزارة قدمت حسن النية بصرف المرتب كاملاً لهم خلال شهر كانون الثاني / يناير رغم غلق المصنع". ترافقت هذه العروض السخية، مع أحاديث بدأ يسمعها العمال عن نية الحكومة تحويل مقر الشركة إلى مجمع سكني متميز يطل على ترعة المحمودية.
في رسالة بعثها إلى مجلس النواب في 20 كانون الثاني/ يناير، أوضح كمال عباس، رئيس دار الخدمات النقابية والعمالية: "منذ 2019، صفّت وزارة قطاع الأعمال "القومية للأسمنت"، و"شركة مصر للكاوتشوك"، وهي بصدد تصفية "شركة مصر للغزل والنسيج" بكفر الدوار، و"شركة أسمدة طلخا"، كل هذه الشركات سوف تخرّد خطوط إنتاجها ويشرد عمالها وتباع أراضيها للمطورين العقاريين، فعن أي مشروع تتحدث الدولة؟".
الدولة تسيطر على الحركات العمالية
في 20 كانون الثاني / يناير الماضي، قدم "اتحاد نقابات عمال مصر"، الذي يضم جميع النقابات العامة، استغاثةً لرئيس الجمهورية لوقف تصفية "الدلتا للأسمدة". قبلها بأيام، كان قد أشار في بيان آخر إلى أن تصفية "شركة الحديد والصلب" خطأ كبير من وزارة قطاع الأعمال. يحاول اتحاد العمال تصدير صورة ظاهرية بأنه المدافع عن حقوق العمال، إلا أنه في معركتهم مع سياسة الإغلاق، يتركهم بدون مدافع حقيقي يمثلهم ويتفاوض من أجل حقوقهم، وهو ما أكده معتصمون في مقر "الدلتا للأسمدة" و"مصر للغزل والنسيج في كفر الدوار" لـ "السفير العربي".
يكشف هذا التواطؤ أيضاً، تدخل السلطات نفسها في تعيين قيادات اتحاد العمال ورؤساء النقابات التي يمثلها. إذ أوضح تقرير دار الخدمات النقابية والعمالية، بخصوص الانتخابات الأخيرة للنقابات العمالية في 2018 التي أجريت في العام التالي لصدور قانون المنظمات النقابية، أن المئات من المرشحين المستقلين تمّ اعتقالهم أو شطب أسمائهم من قبل الأجهزة الأمنية، وسط تعتيم إعلامي كامل، من أجل إفساح المجال لرموز عمالية مقربة من الحكومة للسيطرة على النقابات العمالية.
يتظاهر آلاف العمال من "شركة الحديد والصلب"، منذ إعلان غلق مصانعها في 11 كانون الثاني/ يناير 2021. ثُبّت قرار تصفية هذه الشركة العريقة، التي تأسست قبل 67 عاماً، وتنتج 1.2 مليون طن من الحديد سنوياً، بدلاً من إعادة تطويرها.
لم تتوقف سلسلة الإغلاق عند هذا الحد. ففي نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، اعتصم آلاف العمال في "شركة مصر للغزل والنسيج" بكفر الدوار، بشمال الدلتا، بعد قرار مفاجئ بغلق الشركة، التي تعد في المرتبة الثانية بعد غزل المحلة.
يشرح أحد عمال "شركة مصر للغزل والنسيج" بشبين الكوم، كيف استطاعت السلطات استبعاد المرشحين المستقلين عن النقابة، لإفساح المجال لمرشحي اتحاد العمال الموالي للحكومة. فقد ترشحت ثلاث شخصيات مستقلة على منصب رئاسة النقابة أمام مرشح اتحاد عمال مصر. ويشرح لنا أحد النقابيين: "قبل ساعات من الانتخابات، اعتقلت الشرطة اثنين من المرشحين المستقلين، بينما الثالث، الذي كان يقرب لعائلة أحد النواب، فقد أُجبر لتغيير ترشحه إلى منصب عضو مجلس النقابة بدلاً من رئاسة النقابة، وبالتالي فاز مرشح اتحاد العمال بالتزكية لعدم وجود منافسين له".
النقابات المستقلة ومخاطر البيروقراطية
27-04-2014
هذا التواطؤ كان له أثر مدمر على العمال أنفسهم، ففي أيلول/ سبتمبر الماضي، فصلت "شركة مصر للغزل والنسيج" بشبين الكوم، 10 عمال، وتمت إدانتهم من المحكمة وحكم عليهم بالسجن 6 أشهر، وغرامة بقيمة 50 ألف جنية لكل منهم، إلى جانب تعليق عمل 42 آخرين وتقديمهم للمحاكمة، لتنظيمهم اعتصاماً في الشركة، بسبب توقف حوافز العمل. بينما تجاهلت النقابة الدفاع عن هؤلاء العمال الذين طالبوا بحقوقهم.
بهذه السياسة الجديدة، تصيغ الدولة، بعنف، نظاماً اجتماعياً واقتصادياً جديداً ليس فيه مكان للعمال أو الصناعات الحيوية. لبعض الوقت، يمكن الحكومة أن تسعد بتدفق رأس المال من هذه الاستراتيجية، وهو سيحفز فرض مزيد من القمع على العمال. لكنها في النهاية تدمر أدوات الإنتاج، وتفتت المجتمع وتجعله غارقاً في البطالة.