أعلنت الشركة البتروغازية الجزائرية سوناتراك في تموز/يوليو الماضي أنها ستشرع في استغلال الغاز الصخري سنة 2020، وأن الإنتاج المرتقب حالَ بدء أولى الحقول في العمل، سيبلغ 30 مليار متر مكعب، أي، بعبارة أخرى، 40 في المئة من الإنتاج الغازي الجزائري الحالي (73.4 مليار متر مكعب في 2012). وقد جاء هذا الإعلان بضعة شهور بعد اتخاذ مجلس الوزراء قراراً بإطلاق عمليات استغلال هذه الطاقة غير التقليدية (في أيار/مايو 2014).
ويذكر أن قانون المحروقات الجزائري عُدِّل مطلع 2013 بما يتيح استغلال الموارد الطاقوية «غير التقليدية»، ومنها الغاز الصخري والبترول الصخري.وحسب أرقام نشرتها الشركة البريطانية بريتيش بتروليوم في 2013، تحتل الجزائر المرتبة الثالثة عالمياً بعد الصين والأرجنتين من حيث أهمية احتياطيّها «المحتمل» من الغاز الصخري. ويتركز هذا الاحتياطي، الذي يقدره خبراء سوناتراك بحوالي 19820 مليار متر مكعب، في سبعة أحواض رئيسية هي غدامس - بركين وإيليزي (الجنوب الشرقي، قرب الحدود الليبية) ومويدير وأهنيت ورقان (وسط الصحراء) وتميمون وتندوف (الجنوب الغربي).
لمَ الاستعجال؟
وقد اتُّخذ قرار استغلال هذه الطاقة من دون فتح أي نقاش فعلي حول تكلفتِه العالية (4 أو 5 مرات تكلفة استغلال الغاز التقليدي حسب مدير عام سابق لسوناتراك) وتهديدِه بإنضاب الموارد المائية الجوفية لما يحتاجه من كميات هائلة من المياه تضخ لكسر طبقات الصخر المحتوي على الغازات (لحد الساعة لا تقنية ناجعة بديلة لما يُسمّى بتقنية «الكسر المائي»)، ناهيك عن مخاطرِه البيئية وأهمها تلويثُ المخزون المائي الجوفي بسبب استعمال مواد كيماوية سامّة، ما سيحكم على فِلاحة الواحات، إن عاجلاً أم آجلاً، بالزوال.ورداً على الانتقادات التي وُجهت إليها بالتسرع في اتخاذ قرار كهذا، تلعب الحكومةُ على وتر «لماذا نحرم نفسنا من هذه النعمة» (ما عبر عنه الوزير الأول، عبد المالك سلال، بقوله: «حرام ألا نستغل هذا الغاز»)، من دون أن تنسى، بطبيعة الحال، عادتَها المتأصلة في اتّهام معارضيها بتكدير الصفو العام و«ضرب الاستقرار».ولا تفسيرَ لتسارع الأحداث في مجال استغلال الغاز الصخري سوى تبيُّنِ عدم تجدد الاحتياطي البترولي الجزائري بصورة كافية (اكتشافات السنوات الأخيرة كانت لكميات غير كبيرة) وارتفاعِ الاستهلاك الطاقوي الداخلي بشكل يهدد بعدم تمكن الجزائر من المحافظة على صادراتها البترو-غازية في مستواها الحالي.
وقد ازداد الاستهلاك المحلي من البترول بسبب ازدياد عدد السيارات بشكل جنوني (+26 في المئة بين 2006 و2012)، فيما تضخم استهلاك الغاز الطبيعي بسبب ارتفاع الاحتياجات الوطنية من الكهرباء، علماً بأن الموارد الغازية تُستعمل في إنتاج 96 في المئة من الطاقة الكهربائية المولدة سنوياً.وإذا أخذنا الغاز الطبيعي مثالاً على الارتفاع شبه المطّرّد للاحتياجات الداخلية، فسنرى أن الاستهلاكَ المحلي، الذي هو في حدود 25 - 30 مليار متر مكعب (أرقام هيئة ضبط الكهرباء والغاز لسنة 2012)، مرشّحٌ لأن يبلغَ 50 ملياراً في 2017-2020. وللعلم، فإن الجزائر تصدِّر الجزء الغالب من إنتاجها الغازي (68 في المئة في 2012 أي 50 مليار متر مكعب)، وأن ركودَ إنتاجها يعني تراجعَ صادراتها الغازية التي تمثل اليوم نصف عوائدها من العملة الصعبة.السلطة الجزائرية في حالة خوف مقنّع من نضوب سريع لمواردها المالية الخارجية، ما يهدد الاقتصاد بالاختناق ويقوّض أحد أسس هيمنتها المبنية لا على القمع وحده، لكن أيضاً على توزيع نسبي متعدّد الأشكال لموارد المحروقات (98 في المئة من الصادرات، وهي تدر على الخزينة حوالي 60 في المئة من موارد الجباية). وبسبب هذا الفزع، اتُّخذ قرار إطلاق استغلال الغاز الصخري الأشبه بالهروب إلى الأمام عِوض الاعتراف بأن المنظومة الاقتصادية مفلسةٌ بسبب تبعيتها لعوائد البترول والغاز، وأن الحل يكمن في إنهاء هده التبعية لا إطالةُ أمدها بما يؤجل الانهيار المرتقب لا غير.
ولا تخلو مسألة استغلال الغاز الصخري من مفارقة محزنة، فها هي المياه الجوفية تُحول إلى أداة فناء فِلاحة صحراوية عمرها آلاف السنين بدل أن تكون إحدى أدوات ازدهارها، وها هي الجزائر، بغرض استخراج طاقة زائلة، تستعدّ لإهدار طاقاتها المائية، أي عصبَ أمنها الغذائي في منطقة يحوم فوقها شبح الجفاف.
هل يمكن أن يُحال دون ذلك؟
وعلى الرغم من ارتفاع تكلفة استغلال الغاز الصخري ومخاطره البيئية (استغلاله في فرنسا مثلاً ممنوع بقرار قضائي)، يبدو المعسكر الرافض له في الجزائر في منتهى الهشاشة، غير قادر البتة على التأثير على مجريات الأمور.
ويجمع هذا المعسكر طرفين مختلفين إن لم نقل متناقضين. الطرف الأول يشمل أنصار البيئة (وكثير منهم ذوو ميول يسارية)، وهو إذ يؤكد على التكلفة البيئية العالية لاستغلال الغاز الصخري، لا ينتقد بما فيه الكفاية المنظومة الاقتصادية المبنية على صرف الريوع البترولية بدل استثمارها بما يضمن أدنى درجة من الاستقلال الاقتصادي. أما الطرف الثاني، فيتشكل من بعض الاقتصاديين والساسة الليبراليين ممن لا يخشون تلوثَ المياه الجوفية واندثار الفلاحة الصحراوية العريقة بقدر ما يخشون أن تعوّض عوائد المحروقات غير التقليدية عوائد المحروقات التقليدية المتضائلة، وأن يطيل ذلك عمر الاقتصاد الريعي الذي يسعون إلى القضاء عليه.وإذا كان هذان الطرفان غير قادرين على تجنيد الرأي العام ضد استغلال الغاز الصخري، فلسببين رئيسيين. الأول هو حالة الجمود السياسي التي تعيشها البلاد منذ أكثر من 20 عاماً والتي حولت القوى السياسية والجمعيات الأهلية إلى قواقع فارغة مهمتها إصدار البيانات. أما الثاني، فسهولةُ إقناع قطاعات واسعة من الجزائريين بضرورة إيجاد بديل لريع المحروقات التقليدية الناضب بما يسمح للدولة بالحفاظ على مستوى إنفاقها على الهياكل القاعدية والمرافق العامة والمنح الاجتماعية، لكن أيضاً على القروض لرجال الأعمال الجشعين ولعشرات الآلاف من «المستثمرين الشباب» أياً كانت جدوى مشاريعهم.
ولا مبالغة إن قلنا إن «الجزائري المتوسط»، مع الأسف، لا يكترث لخطر اندثار واحات عتيقة صمدت آلاف السنين ولا حتى لخطر تبذير الموارد المائية الجوفية ـ رغم ضرورتها على المدى المتوسط لسد احتياجات الشمال ـ فكل ما يهمه، بعد أن أنهكته طوال سنين أزمات الندرة المتوالية والحرب الأهلية، هو بقاء وتيرة استهلاكه على ما هي عليها... و«من بعدي الطوفان».