يفترش الخريجون الأرض أمام المقرات الحكومية في بغداد والمحافظات الجنوبية، للمطالبة بتوظيفهم بالقطاع العام المتخم. وقد صار منظر وجود العاطلين عن العمل قرب المقرات الحكومية، أمراً مألوفاً، فتظاهرات العاطلين عن العمل تحولت إلى اعتصامات وإلى المغذي الرئيسي لثورة تشرين الأول /أكتوبر 2019، التي غيرت المشهد السياسي، وجعلت مصطفى الكاظمي يصل إلى رئاسة هذه الحكومة.
العراقيون معظمهم يعتبرون أنفسهم عاطلين عن العمل، حتى وإن كانوا يعملون في القطاع الخاص أو لحسابهم، إلا الذين يعملون في الحكومة، والسبب هو انعدام الأمن الوظيفي. فالحكومة ما زالت تهيمن على كل شيء، وترفض تنفيذ التشريعات الهامة للعاملين في القطاعين الخاص والموازي، مثل قوانين تعطيهم امتيازات مشابهة لأقرانهم في القطاع العام، وتحدد أجر الساعة وأوقات الدوام وتقرر رواتب تقاعدية وتنهي الفصل التعسفي وتفرض توقيع العقود بين الشركات والعمال...
يعتمد العراق نظام سعر الصرف الثابت للدولار، ولا يمتلك سوقاً لبيعه، وإنما نافذة، ويقوم البنك المركزي بتغذية طلبات المستوردين عبر المصارف التي تشارك في النافذة. وهكذا، فعملية السيطرة على سعر الصرف تكون سهلة جداً، بقيام البنك المركزي بتغطية الطلب. ولكن عندما تقل إيرادات الريع، يلجأ البنك المركزي إلى ضخ المزيد من الدولارات لتغطية الطلب، من احتياطيه من العملات الأجنبية.
الاقتصاد العراقي ريعي، يعتمد على النفط تاركاً القطاعات الإنتاجية الأخرى معطّلة. وتتجه الدولة إلى زيادة عدد عامليها، وتحديداً في الأجهزة الأمنية، لزيادة قبضتها على الأمن، وقمع أي فئة تواجه سياسات الأحزاب الحاكمة. وهذا ما حدث في ثورة تشرين الأول/أكتوبر التي ما زالت التحركات التي تنتمي إليها تُقمع حتى الآن. لم تهتم الحكومات بتحسين الخدمات العامة، لأنها مسيطرة على الأموال الآتية من الريع النفطي، فلا تكترث بمشاركة العراقيين جميعاً في الانتخابات مثلاً، وتكتفي بجماهير الأحزاب، ومعظمهم عاملون في القطاع العام، ما يعني أن الريع النفطي يوزع عليهم. وهكذا أصبح المواطن هو من يحتاج الأحزاب وليس العكس، من أجل الحصول على فرصة عمل في الحكومة، وصار العراق يضم أكثر من 4 ملايين شخص يعملون في الوظائف الحكومية... ولا تكفيهم اليوم الأموال التي تأتي من النفط، فلجأت لذلك الحكومة إلى اقتراض أكثر من 30 مليار دولار.
العراق: عجز "دولة الموظف"
02-07-2020
يواجه العراق مشاكل جمة في اقتصاده، لهيمنة الريع. الدولة الريعية تجعل المواطنين يصابون بالكسل واللجوء إلى الإنفاق الاستهلاكي، وتؤدي إلى انهيار القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، بسبب ارتفاع سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، فيصبح المنتج المحلي غير قادر على منافسة المنتج الأجنبي بسبب رخص البضائع المستوردة، وهذا يخدم مصالح حكام البلد. يقضي الريع على أي محاولة لخلق طبقات إنتاجية، وتفعيل دور المجتمع المدني لمواجهة سياسات الدولة وتصحيحها. وفي العراق لا ينتج الاقتصاد أكثر من 200 ألف وظيفة في السنة.
يعتبر معظم العراقيين أنفسهم عاطلين عن العمل، حتى وإن كانوا يعملون في القطاع الخاص أو لحسابهم، والسبب هو انعدام الأمن الوظيفي. فالحكومة ما زالت تهيمن على كل شيء، وترفض تنفيذ التشريعات الهامة للعاملين في القطاعين الخاص والموازي، كتحديد أجر الساعة، وأوقات الدوام، ورواتب التقاعد، وتنهي الفصل التعسفي، وتفرض توقيع العقود بين الشركات والعمال...
لا تَظهر نتائج خفض قيمة الدينار أمام الدولار سريعاً. كما لا بد للإجراء أن يترافق مع توفير شروط معينة ملازِمة له، منها السيطرة على المنافذ الحدودية، ومنع الإغراق السلعي، لأن بقاء المنافذ الحدودية خارج سيطرة الدولة، وعدم تطبيق قوانين الضريبة الجمركية، وحماية المنتِج والمستهِلك سيُبقي قرار خفض قيمة الدينار لا يغيّر شيئاً في تفعيل القطاعات الإنتاجية ودعم المنتَج المحلي.
كان من مصلحة الأحزاب الحاكمة بقاء سعر صرف الدولار أمام الدينار دون تغيير، فغالبية الاقتصاديين يتفقون على أن سعر صرف الدولار أمام الدينار، مبالغ به، ويضر الاقتصاد أكثر مما ينفعه، لأنه المصدُّ الرئيسي لحماية الاقتصاد. وكان من المفترض تغيير ذاك السعر منذ العام 2010. وهكذا يستورد العراق البضائع من دول مجاورة، خصوصاً بعد وضع العقوبات الاقتصادية على إيران، حيث أصبح الاقتصاد العراقي هو المتنفس الوحيد للاقتصاد الإيراني، في ظل انهيار العملة الإيرانية. وكذلك يستوردها من تركيا التي تراجعت عملتها بشكل كبير جداً خلال السنوات الماضية، ومن سوريا التي انهارت عملتها، بينما العملة العراقية بقيت على حالها دون تغيير منذ العام 2008، مما جعل جميع بضائع هذه الدول رخيصةً جداً.
يعتمد العراق نظام سعر صرف الدولار الثابت، ولا يمتلك سوقاً لبيع الدولار، وإنما نافذةٌ، يقوم البنك المركزي بتغذية طلبات المستوردين، عبر المصارف التي تشارك في النافذة. وهكذا فعملية السيطرة على سعر الصرف تكون سهلةً جداً، من خلال قيام البنك المركزي بتغطية الطلب. ولكن عندما تقل إيرادات الريع يلجأ البنك المركزي إلى ضخ مزيد من الدولارات لتغطية الطلب، وهذا يكون من احتياطيه من العملات الأجنبية. ويتميز هذا النظام بضبط التضخم، وتحقيق الاستقرار في الأسعار، وتشجيع دخول المستثمرين، وتقليل حالة عدم التأكد. ولكن عندما تكون أسعار الصرف مبالغاً بها، فأنها تؤدي إلى نفاد الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية تدريجياً.
كان من مصلحة الأحزاب الحاكمة بقاء سعر صرف الدولار أمام الدينار دون تغيير، أما غالبية الاقتصاديين فيتفقون على أن سعر صرف الدولار أمام الدينار مبالغ به، ويضر الاقتصاد أكثر مما ينفعه، لأنه المصدُّ الرئيسي لحماية الاقتصاد. وكان من المفترض تغيير سعر الصرف منذ العام 2010.
لا يمكن أن تظهر نتائج خفض قيمة الدينار أمام الدولار إلا بعد عدة سنوات. ولكن ذلك لا بد له أن يترافق مع توفير شروط معينة ملازمة له، منها السيطرة على المنافذ الحدودية، ومنع الإغراق السلعي، لأن بقاء المنافذ الحدودية خارج سيطرة الدولة، وعدم تطبيق قوانين الضريبة الجمركية وحماية المنتج وحماية المستهلك، سيبقي قرار خفض قيمة الدينار لا يغير شيئاً في تفعيل القطاعات الإنتاجية ودعم المنتج المحلي، حيث البضائع المستوردة ستدخل من المنافذ الحدودية غير الرسمية في جنوب العراق وإقليم كردستان، وبدون دفع أي ضريبة. وبغير ذلك سيسود الشك بأن هدف الحكومة عند تخفيض الدينار كان التقليل من عجز الموازنة المالية لعام 2021 بحدود 9 مليار دولار، وهو الذي يبلغ نحو 49 مليار دولار. وهذا ما حصل مع القرارات الحكومية الأخيرة التي منحت إعفاءً لـ344 بضاعة أردنية من الرسوم الجمركية. وهذا قرار يضر بالمنتجين المحليين. كما يطرح الأمر ملف الكهرباء الشائك والمعقد، والذي أنفقت الدولة عليه منذ العام 2003، وحتى العام الماضي أكثر من 81 مليار دولار، بدون النجاح في إنهاء الانقطاع الذي يصل في فصل الشتاء إلى أكثر من 16 ساعةً في اليوم، وبهذا، فلا يمكن للصناعة أن تُفعّل وتنتج بسبب ارتفاع التكاليف. ويصبح خفض قيمة الدينار مضراً بالطبقات الفقيرة والمتوسطة بسبب ارتفاع أسعار البضائع في السوق بنسبة أكثر من 20 في المئة.
***
العراق لمن؟
17-09-2020
هناك إذاً شرط جوهري، قد يكون الرهان عليه مغامِراً، أو ساذجاً. فالأمر المقرِّر في مسألة تعافي الاقتصاد العراقي يتعلق بتفشي الفساد في البلاد بشكل مريع، وبعلاقات الزبائنية والنهب التي سادت حتى الآن، والتي ترتكز إليها مجمل البنية السياسية المهيمنة، ولا يتعلق بالاقتصاد كمعادلات مجردة: فإذا فعّلت وزارة المالية والأجهزة التابعة للحكومة، دورها في حماية الاقتصاد، فخفض قيمة الدينار ستكون نتائجه جيدة، ويتمكن من امتصاص البطالة في المجتمع، في ظل تشريع قوانين تحمي العاملين في القطاع الخاص، وتجعل الشباب لا يفكرون بالعمل في القطاعات الحكومية، وإنما يهتمون بإنشاء مشاريع خاصة، بفضل القروض التي أطلقتها السياسة النقدية للبنك المركزي لتحفيز الاقتصاد على النمو، والتي قُدّرت بأكثر من 6 تريليون دينار لإنشاء مشاريع صناعية وزراعية وتجارية وسياحية وغيرها، مع نسبة فائدة منخفضة جداً.