حسن البنا "ساحر أفلت سحره من يده"

خلافاً لما قد يُستنتج من عنوانه، لا يكشف "حسن البنا الذي لا يعرفه أحد" لحلمي النمنم إلا القليل من الوثائق غير المعروفة عن حياة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. هو بالأحرى "قراءة جديدة" لوثائق قديمة بغرض "البحث عن الوجه الآخر له، لا وجه الأسطورة التي صاغها الأتباع، من جانب، والخصوم والكارهون، من جانب آخر" (ص 9). وتشمل هذه الوثائق مذكراته ومذكرات بعض رفاقه،
2013-10-01

ياسين تملالي

صحافي من الجزائر


شارك
(غلاف الكتاب)

خلافاً لما قد يُستنتج من عنوانه، لا يكشف "حسن البنا الذي لا يعرفه أحد" لحلمي النمنم إلا القليل من الوثائق غير المعروفة عن حياة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. هو بالأحرى "قراءة جديدة" لوثائق قديمة بغرض "البحث عن الوجه الآخر له، لا وجه الأسطورة التي صاغها الأتباع، من جانب، والخصوم والكارهون، من جانب آخر" (ص 9). وتشمل هذه الوثائق مذكراته ومذكرات بعض رفاقه، وأدبيات الجماعة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وعدداً من المقالات والدراسات عنها (للأسف، لم يذيل الناشر الكتاب بقائمة للمراجع ولا بفهرس بأسماء الأعلام).
هذه "القراءة الجديدة" جدّ ضرورية، يقول حلمي النمنم، "لأننا لم نجد تعاملاً علمياً مع حياة البنا إلى اليوم إلا في حالات نادرة" (ص 13)، ما يجد تفسيراً، في رأيه، في "ضغوط الإخوان المسلمين المعنوية" على كل من يحاول الكتابة عن مرشدهم من "دون انبهار" (ص 12-13) ولكون "المصدر الوحيد أمام الباحث هو ما كتبه عن نفسه" (ص 11). ويمكن القول إن هذه الدراسة نجحت في رسم صورة واقعية لداعية ذي ثقافة دينية محدودة، لم يكمل حفظ القرآن، لكنه كان منظماً بارعاً ورجلاً سياسياً لا فرق بينه وبين كثير من السياسيين، يتخذ مواقفه على ضوء المصلحة الآنية لا على ضوء المبادئ التي يتدثر بردائها. فبقدر ما كان تنظيم الإخوان المسلمين صارماً شبه عسكري، بقدر ما كان سلوكهم السياسي متقلباً تقلبَ مصالحهم. وتشهد أدبياتهم في سنوات 1930 و1940 على أن ولاءهم لم يثبت طيلة هذه الفترة لغير القصر الملكي، فكانوا يتقرّبون إليه بكتابات قلّ نظيرها لدى منافسيهم ويشاطرونه عداءه للأحزاب والتعددية السياسية بزعم أنها تفريق لشمل المسلمين.
ويتطرق كل فصل من الفصول (وهنا يكمن، ربما، طابعه السجالي) إلى مسألة من المسائل التي لا يزال يثيرها مسار حسن البنا، 64 سنة بعد اغتياله في 12 شباط/ فبراير 1949: التكفير في تعاليمه، الاغتيالات السياسية التي اقترفها التنظيم الخاص للإخوان المسلمين، دور الجماعة الحقيقي في حرب فلسطين، علاقاتها الواضحة حيناً الغامضة حيناً آخر بالفاعلين السياسيين المصريين (القصر الملكي، الخ) وبالقوى الأجنبية (المملكة السعودية، الولايات المتحدة الأميركية)، علاقة أيديولوجيتها (أو انعدام علاقتها) بإيديولوجية النهضة العربية...
ويجزم المؤلف بأن لا شيء في فكر حسن البنا يربطه بفكر النهضة العربية والإسلامية، وأنه كان أقرب إلى الوهابية منه إلى تلك الوطنية المناهضة للاستعمار والاستبداد التي تميز مُصلحي القرن التاسع عشر والعشرين المسلمين. وفي نظره، ما يباعد بينه وبين مفكر كجمال الدين الأفغاني ليس قبوله فكرة الحكم الملكي الوراثي فحسب، بل هو أيضاً لكون عدائه للاستعمار لم يبلغ من القوة مبلغاً يمنعه من التعاون مع الاستخبارات الأميركية بذريعة محاربة المد الشيوعي في مصر: "المشكلة عنده ليست في المحتل ولا في شيوع الاستبداد والمظالم العامة، والقضية عنده لا تبدأ بمواجهة المحتلين والمستعمرين، بل أن نواجه بعضنا بعضاً وأن أول خصومنا هم أولئك الذين تركوا مظاهر الإسلام" (ص 156). ويذكرنا هذا الوصف بما عابه أحد مثقفي الحركة الوطنية الجزائرية، مصطفى الأشرف، على "المفكر الإسلامي" مالك بن نبي من إنفاق للوقت في تحصيل الحاصل عن "القابلية للاستعمار" بدل مناهضة الاحتلال الفرنسي لبلاده.
ومن خلال مقارنة المصادر المتوفرة حول الموضوع، يتطرق الكتاب إلى مشاركة الإخوان المسلمين في حرب فلسطين (1948)، وهي مشاركة اتخذت شكل الأسطورة في تاريخهم الرسمي. وهو إذ يقر بشجاعة كثير منهم في مواجهة الاحتلال الصهيوني، يستبعد أن يكون عدد مقاتليهم تجاوز بضع مئات، لم يكن تسليحها وتنظيمها أحسن من تسليح وتنظيم الجيوش النظامية العربية التي كانت، ميدانياً، مسؤولة عنها. بالنظر إلى كل هذا، يقول حلمي النمنم، لا يمكن قبول تفسير حل الجماعة في كانون الاول/ ديسمبر 1948 بخوف السلطات المصرية من أن تزيد انتصاراتها الخارجية وزنها الداخلي: "أن تكون هناك بطولات خارقة لبعض متطوعيها شيء لا يمكن إنكاره، أما أن يقول عدد من كتاب الإخوان إنهم كانوا على وشك إبادة إسرائيل ولكن قرار الحل حال دون ذلك، فهو الكذب والتدليس أو السذاجة والتسطيح في تناول الأمر" (ص 81).
ونجد في الكتاب تأكيداً ملحاً على أن حسن البنا، بعد تأسيسه التنظيم الخاص، ظل حتى وفاته قائده المطاع والآمر الناهي فيه. والمقصد من هذا التأكيد أن مسؤوليته كاملة عن الاغتيالات التي نفذها ذراع الجماعة المسلح، وأكبرها أثراً سياسياً اغتيال رئيسي الوزراء أحمد ماهر (25 شباط/ فبراير 1945) ومحمود فهمي النقراشي (28 كانون الاول/ ديسمبر 1948). لماذا تبرأ إذن من قتلة هذا الأخير فقال عنهم قولته الشهيرة: "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"؟ لا يعدو هذا التصريح في نظر المؤلف أن يكون مناورة هدفها إبعاد التهمة عنه وتفادي انهيار ما أمضى عشرين سنة في بنائه.
وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل يجدر بالباحث أن يضرب عرض الحائط بفرضية استقلال التنظيم الخاص تدريجياً عن قادة الجماعة بمن فيهم مؤسسها؟ لقد شهد التاريخ حالات كثيرة لتنظيمات عسكرية أفلتت جزئياً أو كلياً، بحكم دورها المركزي في فترة معينة، من زمام قيادتها السياسية. ليست هذه الفرضية إذن عبثية، وهي إن أهملت فلأن "هاجس" حلمي النمنم الرئيسي كان إثبات تورط حسن البنا "جنائياً" إن صح التعبير، لا سياسياً وأخلاقياً فحسب، في كل العمليات التي نفذتها ميليشيا الإخوان. والواقع أن الكتاب يقدّم، في مواضع أخرى، بعض الأدلة على أن سلطة المرشد الأول لم تكن مطلقة، فمن رفاقه من اتهمه بالتلاعب في أموال التبرعات لفلسطين (ص 71 إلى 75)، ومنهم من اعتدى عليه جسدياً (عبد الرحمان السندي) عندما نفى أن يكون هو من أوحى إليه بتصفية المستشار أحمد الخازندار (ص 205)، فلماذا لا يكون منهم راديكاليون استقلوا بقرارهم عنه بعد أن آمنوا بأن لا حسم في الأوقات السياسية الحرجة إلا بالترهيب وقوة السلاح؟
ما قد يؤخذ على الكتاب أيضاً هو اقتضاب إشاراته إلى الانتماء الاجتماعي لقواعد وقيادات الإخوان المسلمين، وإلى السياق السوسيولوجي الذي اشتد فيه عودهم، وهو سياق تحديث اقتصادي ومؤسساتي وثقافي بدأه محمد علي وازداد سرعة خلال الحكم الإنكليزي، فزعزع بنى قديمة كثيرة، خصوصاً في الأرياف، وخوّف فئات وسيطة واسعة من تلاشي القيم الدينية وتعاظم المد العلماني. هذا الخوف قد يفسر لنا جزئياً تحول مجموعة وهابية صغيرة، في ظرف قصير نسبياً، إلى تيار مؤثر سعى، بمباركة قوى أجنبية أحياناً ("بريطانيا"، "أميركا"، "المملكة السعودية")، إلى محاربة الليبراليين الراديكاليين ("الوفد") وكسر شوكة اليسار وإرهاب الأقليات الدينية، مستعملا في ذلك كل الوسائل: الدعاية والتحالفات السياسية والعنف المسلح والعمل الاستخباراتي (زرع جواسيس داخل الأحزاب المناوئة).
وقد كانت خاتمة هذا الانزلاق من العمل الدعوي إلى العمل السياسي درامية، هي اغتيال مؤسس الجماعة. ويُروى أن حسن البنا، وهو يحاول إقناع الحكومة بعدم حل الجماعة، وعد بأن ينأى بها عن السياسة ويعود بها إلى العمل الديني الصرف (الملحق 14، ص 245-246). وعلى فرض أنه قال هذا الكلام الذي نسبه إليه وكيل وزارة الداخلية آنذاك، عبد الرحمن عمار، وأن وعده كان صادقاً، فإن الأوان كان قد فات، إذ أنه لم يعد، في 1948، سيّد مشروعه السياسي الوحيدَ. لهذا السبب لم تمنع توبته، إن صحّت، ميلاد "تنظيمات خاصة" كثيرة هو موضوعياً، دون منازع، مرجعُها الأسمى وأبوها الروحي.

"حسن البنا الذي لا يعرفه أحد"، حلمي النمنم، القاهرة، مكتبة مدبولي، 2013 (259 ص).

مقالات من تونس

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

الجزائر: لئلا يُحوَّل ترسيمُ اللغة الأمازيغية إلى جدل "هوياتي" عقيم

يقترح مشروع الدستور الجزائري المعدّل في مادته "3 مكرر" الاعترافَ بالأمازيغية لغةً "رسميةً" إلى جانب "اللغة الوطنية والرسمية"، العربية. ولا يسع كلَّ عارف بما يمثله عدم حل المشاكل اللغوية العالقة...