حتّى لا تدفع غزّة الثمن

سلسلةُ الهجمات الواسعة والمكثّفة على مراكز الجيش المصري يوم الجمعة الفائت كانت حادثا خطيرا بكلّ المقاييس. نجحت الجماعات المُسلّحة مرّة أخرى في تنفيذ هجوم خاطف وصاعق على مواقع عسكريّة في سيناء بعد أقلّ من أربعة شهور على هجوم كبير في تشرين الاول/أكتوبر الماضي، استطاعت خلاله قتل 31 جنديا وإصابة آخرين عبر أسلوب هجومي يمزج بين الحركة السريعة لسيّارات الدفع الرباعي والتفجيرات الانتحاريّة المُباغتة
2015-02-01

رامي خريس

باحث إقتصادي من فلسطين


شارك
| en

سلسلةُ الهجمات الواسعة والمكثّفة على مراكز الجيش المصري يوم الجمعة الفائت كانت حادثا خطيرا بكلّ المقاييس. نجحت الجماعات المُسلّحة مرّة أخرى في تنفيذ هجوم خاطف وصاعق على مواقع عسكريّة في سيناء بعد أقلّ من أربعة شهور على هجوم كبير في تشرين الاول/أكتوبر الماضي، استطاعت خلاله قتل 31 جنديا وإصابة آخرين عبر أسلوب هجومي يمزج بين الحركة السريعة لسيّارات الدفع الرباعي والتفجيرات الانتحاريّة المُباغتة واقتحام المواقع المعزولة بنيران الرشاشات الخفيفة والقذائف المضادة للدروع.
الهجمات الاخيرة تأتي في السياق المتواصل ذاته، وإن كانت قد تميّزت هذه المرّة بأنّها استهدفت مواقع في العريش، أكبر مدينة مأهولة في المنطقة. وهذا بحدّ ذاته إشارة بالغة الدلالة لتطوّر وتوسّع نشاط الجماعات الجهاديّة في سيناء إلى الحد الذي مكّنها من القيام بأوّل مُحاكاة عمليّة لعقيدة "الغارات على الحواضر" التي تتبنّاها الجماعات الجهاديّة المنتشرة عبر المنطقة. إذا كانت مجموعات صغيرة منظمة قد استطاعت بالأمس ضرب سلسلة من المواقع العسكريّة المهمّة داخل "العريش" في برهة من الزمن وفي ظلّ إجراءات أمنيّة استثنائيّة، فهل سيكون من الصعب علينا الافتراض أنّها ستكون قادرة في المستقبل القريب على السيطرة على المدينة وإعلان إمارتها هناك؟
الحادث خطير أيضا بالمعنى السياسي. فنظام السيسي بنى كامل شرعيّته فعليّا على "محاربة الإرهاب" تحت لافتة "التفويض الشعبي" في أعقاب "30 يونيو"، وحادث سيناء يأتي الآن ليضع كلّ هذه الشرعيّة على المحك، ومن ثمّ فإنّه يُهدّد، بدون مبالغة، بوضع النظام نفسه على المحك أيضا. وهذه نتيجة بديهيّة بكلّ الأحوال. فبما أنّ عودة الجيش للعب دور الوكيل شبه الحصري للنظام كانت أهمّ التجليات العمليّة للحظة 30 يونيو، فإنّ عجزه المتواصل عن تسويغ شرعيّته في ظلّ سجلّه المُتخم بالفشل في معالجة الملف الأمني على الحدود، وقمعه الشديد للمعارضة السلميّة في الداخل، سرعان ما سيضع النظام كلّه في حقل من الألغام. ولن يكون السعار الذي سينطلق في الأيّام المُقبلة ليبدأ اجترار المقولات المكرّرة نفسها عن "الأصابع الخفيّة" و "المؤامرة" ودور غزّة، التي بنى النظام حولها طوقا عازلا، أكثر من نشيد للمجانين العميان الذين سيقودون البلد وجيشه إلى الهاوية. وإذا كان مقدّرا لحادث سيناء أن يُطلق هزّات ارتداديّة في مصر، فإنّه يجب أن يدق ناقوس الخطر في غزّة أيضا. نحن الآن أمام سيناريو بالغ التعقيد تتجلّى أهمّ ملامحه في الفقدان التدريجي للجيش المصري لأيّ سيطرة فعليّة على سيناء.
وهذا يعني ببساطة أن الخريطة ليست عصيّة على التغيّر كما يبدو للوهلة الأولى، وأنّ غزّة ربما تصبح جارة لإمارة إسلاميّة متاخمة لحدودها في منطقة تمثّل ملعبا مكشوفا بالكامل للإسرائيليين الذين قلّما يتحدّثُ أحدٌ عن يدهم الطولى والنافذة في سيناء. ضمن هذا السيناريو، ستقعُ غزّة بين فكّي كمّاشة مُستحكمين، الأوّل يتجسّد في فقدانها لأيّ تواصل ذي معنى مع مصر، خاصّة أن القاهرة ستُعاملها حينها على أنّها مجرّد امتداد فلسطيني لهذه الولاية. والثانيّ قائم فعليا ويتمثّل بالحصار الإسرائيلي المستمر الذي يحوّلها إلى خرابة تعجّ بالفقر والبطالة والإحباط. الشيطان وحده يعلمُ ما يُمكن أن تكون نتيجة انفجار هذين الصاعقين لو وقع.
هذه الأيّام ليست سهلة، لكنّها في الوقت نفسه فرصة لاستخلاص العبر وللتفكير ببدائل تتجاوز الإطار التقليدي الذي تدور السياسة الفلسطينيّة داخله. كما أنه على القوى الفلسطينيّة المعنيّة بغزّة أن تكون واعية إلى طبيعة ما يدور من حولها. خصوصا أنّ "حماس" التي دعا إخوانها المصريّون قبل أيّام للجهاد في مصر، مُطالبة بأن تتحلّى بأقصى درجات الحكمة، وأن تُدرك أنّ غزة لا ينبغي لها أن تدفع ثمن الفشل المزدوج: فشل الدولة المصريّة وفشل المشروع الإسلامي الإخواني المنتهي الصلاحية.

 

مقالات من سيناء

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

للكاتب نفسه

اتّفاق "أوبك": فتّش عن السعوديّة

رامي خريس 2016-12-15

السعودية وقرار "أوبك" خفض إنتاج خام النفط.. القرار وافق على استثناء إيران، وهي كانت العقبة أمام إقراره، وكذلك دول من خارج أوبك. وهو أثار موجة ارتياح كبيرة في الأسواق العالمية....

غزّة: الوجوه المُختلفة للحصار

رامي خريس 2016-07-27

حين غادرتُ غزّة في العام 2011، وكان الحصار الإسرائيليّ قد أرخى بغمامة سوداء ثقيلة على الأحوال المعيشيّة والقدرة الشرائيّة للناس لبضع سنواتٍ آنذاك، كان العديد من المشاريع الصغيرة كمحال البقالة...