مصر السيسي: حينما اختفت «إسرائيل» من خطاب المؤامرة

تتزامن هذه الأيام ذكرى رحيل عبد الناصر، وتليها ذكرى انتصار تشرين أول / أكتوبر 1973. ويتأكد للمصريين والعرب يوماً بعد يوم أن قطيعة جذرية أحدثها السادات مع عهد سلفه. فليس دقيقاً أن حكم السيسي امتداد لحكم العسكر منذ 1952، والأدق هو أن السيسي ابنٌ شرعي لنظام السادات الذي أسسه بين زيارة القدس 1977 وتوقيع معاهدة السلام 1979. نظام عسكري بوليسي نيوليبرالي صديق لإسرائيل وتابع لأمريكا،
2014-10-15

إسماعيل الإسكندراني

باحث في علم الاجتماع السياسي ــ من مصر


شارك
محسن شعلان - مصر


تتزامن هذه الأيام ذكرى رحيل عبد الناصر، وتليها ذكرى انتصار تشرين أول / أكتوبر 1973. ويتأكد للمصريين والعرب يوماً بعد يوم أن قطيعة جذرية أحدثها السادات مع عهد سلفه. فليس دقيقاً أن حكم السيسي امتداد لحكم العسكر منذ 1952، والأدق هو أن السيسي ابنٌ شرعي لنظام السادات الذي أسسه بين زيارة القدس 1977 وتوقيع معاهدة السلام 1979. نظام عسكري بوليسي نيوليبرالي صديق لإسرائيل وتابع لأمريكا، يعتزم الرئيس الانطلاق منه إلى مساحات جديدة، لكنها تقع في الاتجاه نفسه من دون تغيير جذري عن ذلك المسار.

من يتآمر على مصر؟

اجتمع عبد الفتاح السيسي برؤساء تحرير الصحف المصرية في قصر الاتحادية الرئاسي، وأفصح عن أول اتهام محدد يصدر من رئيس الجمهورية الجديد ضد أطراف خارجية تتآمر على مصر. كانت تركيا حاضرة في خطابه الهجومي، كما كان لدولة قطر النصيب الأكبر في الاتهام، ذاك الذي تجاوز الخطوط العريضة ليناقش التفاصيل. اتهم الرئيس مشروعات إعلامية معينة بالاسم، اتضح أن أحدها لا يعدو كونه موقعاً إلكترونياً متخصصاً في أنماط الحياة والموضة والفعاليات الثقافية. وجلس الصحافيون الكبار يستقون معلوماتهم عن المنافسين الإقليميين في السوق الإعلامية من مدير المخابرات الحربية الأسبق ووزير الدفاع السابق، أول «مشير مدني» منتخب لمنصب رئيس الجمهورية.
بحث المتابعون في ما نشره رؤساء التحرير بعد لقائهم الأول مع الزعيم الجديد، وأرهقوا أنفسهم في البحث في ما أفرزته خطابات المؤامرة الكونية على مصر، فلم يجدوا اسم «إسرائيل» في أي خطاب رسمي أو محسوب على السلطة، على الرغم من حضور الولايات المتحدة الأمريكية في الخطاب نفسه كطرفٍ فيه الخصام وهو الخصم والحكم. وبالمقابل، فإن حرب «العصف المأكول» الأخيرة في فلسطين، كما أسمتها المقاومة، قد شهدت انحطاطاً غير مسبوق في الخطاب الإعلامي المصري الموالي للسلطة، حيث لم يكتف توفيق عكاشة مثلا بالتملص من دعم غزة، بل انبرى يدعو الاحتلال الصهيوني للقضاء التام على حركة حماس. وهو ما جعل برنامجه على فضائية «الفراعين» الاختيار المفضل للصهاينة لبثه على تردد قناة «الأقصى» الفضائية التابعة لحماس كلما نجحوا في اختراقه.

إسرائيل الصديقة والحليفة

هناك، في بادية سيناء، بين خَضَار أشجار الزيتون وصَفَار الرمال المتموّجة على تخوم قرى جنوب «رفح» و«الشيخ زويد» الحدودية، فطن المحليون من البدو مبكراً إلى المغزى من العمليات العسكرية الموسعة في منطقتهم. تعلن السلطة أنها حرب وطنية مقدسة ضد الإرهاب، لكن الأفعال الميدانية تكذّب ذلك. صحيح أن الإرهاب موجود، وصحيح أن الأهالي يصطلون بناره قبل القوات النظامية، لكن قوات الجيش تعاقب المدنيين عشوائياً بشكل جماعي عنيف وقاسٍ. وفي خضم الانتهاكات التي لا ترحم بشراً ولا شجراً وحجراً، يستعطف البسطاء قوات النسف والإحراق أن يتركوا لهم بيوت الشعر تؤويهم من برد الشتاء وحر الصيف. وحين ترق قلوب بعضهم فيجيبون استغاثاتهم بدون صلف، فإنهم يستميحونهم عذراً لأن مروحيات الأباتشي المحلقة فوق رؤوسهم عليها أن تلتقط صوراً حية لنيران متأججة، حيث إن تقريراً ينبغي أن يُكتب عن إحراق «عشش الإرهابيين ومنازلهم ومخازن سلاحهم».
كان واضحاً للمحليين، على ضوء خبرتهم الطويلة والمتوارثة مع الحروب، أن السياسة الأمنية العسكرية التي تتبعها السلطة الحالية في سيناء لن تؤدي إلا إلى تعزيز قوة الجماعات المسلحة والإرهابية، وهو ما أثبتته الشهور وستؤكده السنون. ولم يكن من المعتاد أن يسمع باحث ميداني تحليلاً استراتيجياً من سكان محليين بسطاء في أيلول / سبتمبر من العام الماضي، ثم يقرأ في الصحافة العبرية ما يطابقه حرفياً مطلع العام الجاري، أي بعد ثلاثة شهور كاملة. وبعد ثلاثة شهور أخرى، يعلن المتحدث باسم البنتاغون الأميركي موقف وزارة دفاع بلاده، مستخدماً العبارات الصهيونية ذاتها، تلك التي تطابق تحليل بسطاء البدو شمالي شرق سيناء.
متكئين على وسادات أرضية، جلسوا يتجوّلون بين القنوات التلفزيونية العربية والعبرية بجهاز «الريموت كنترول»، مستجمعين ما يتداوله الإعلام المصري بعد إسقاط محمد مرسي ومقارنين إياه بالقنوات العربية والإسرائيلية على حدٍ سواء. وفي مقعد عربي ظليل، ارتشف أحدهم جرعة من الشاي المخلوط بعشب المريمية، قائلاً إن السيسي يريد دعم «إسرائيل» الدولي له كيلا تعتبر الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي استيلاءه على السلطة انقلاباً عسكرياً فتضطر أميركا الى توقيف المعونة العسكرية بحكم القانون. أضاف أحد الجلوس مؤكداً أن القناة العاشرة الإسرائيلية أذاعت خبراً مقتضباً عن زيارة وفد عسكري إسرائيلي رفيع المستوى للقاهرة مع بدء العمليات الموسعة في السابع من أيلول / سبتمبر 2013، حيث قضى الوفد فترة قصيرة ثم غادر.
رجّح المحليون أن تكون العمليات العسكرية العنيفة بتنسيق مصري إسرائيلي بهدف إثبات جدية الجيش (بعد الإطاحة بحكم الإخوان) في تأمين الحدود الإسرائيلية من هجمات الجماعات المسلحة الأيديولوجية، إنفاذاً لمعاهدة السلام. كانت القوات الخاصة الإسرائيلية قد اخترقت الأراضي المصرية لتنفيذ عمليات تصفية لإبراهيم عويضة، أحد كوادر «أنصار بيت المقدس» (آب/أغسطس 2012)، وخطف وائل أبو ريدة، القيادي في حركة الجهاد في غزة أثناء زيارة طبية لمصر (أيار/مايو 2013). وبلغ الاختراق مداه بتصفية أربعة كوادر من «الأنصار» جنوب رفح المصرية قبيل استهدافهم الأراضي المحتلة بصواريخ (آب/أغسطس 2013). فبدا لأهل سيناء أن اتفاقاً تم عقده بين مصر وإسرائيل على قيام الأولى بأهداف الثانية في مقابل حفظ ماء وجهها داخلياً بعدم تكرار الاختراق، مع توفير الدعم السياسي والدبلوماسي من بروكسل وواشنطن، ما يضمن استمرار المعونة العسكرية الأميركية لمصر والحفاظ على المعاهدة.
في مطلع العام الجاري، نشرت صحيفة «هارتس» الإسرائيلية تقريراً عن دعم كبار ضباط الجيش الإسرائيلي للسيسي والضغوط الصهيونية التي تمارسها «إسرائيل» في واشنطن لدعم النظام الجديد/ القديم في مصر تأييداً للإطاحة بحكم الإخوان. استخدمت الصحيفة العبرية، تعبير «المصلحة الأمنية المشتركة في سيناء بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية»، وهي الصيغة ذاتها التي تحدث بها البنتاغون في نيسان/أبريل الماضي، مبشّراً النظام المصري بالإفراج عن دفعة من مروحيات الأباتشي التي تم وقف إرسالها بسبب إصرار الكونغرس على تجميد المعونات العسكرية لمصر عقب حوادث القتل الجماعي في صفوف المتظاهرين. ولم تنقضِ ستة شهور حتى انتهى التكهن والتحليل، وأعلن السيسي بكل وضوح للإعلاميين المصريين المرافقين له في زيارة نيويورك الشهر الفائت، على هامش حضوره للقمة التاسعة والستين للأمم المتحدة، أنه قال لإسرائيل «إن الجيش في سيناء ليس ضدها، وإنما لتثبيت الأوضاع الأمنية».

"ناصريون" بلا ناصرية

كشفت الصحافة العبرية قبل عدة شهور عن زيارة وفد عسكري مصري رفيع المستوى للقدس وتل أبيب، وهي زيارة لم تكن قصيرة، حيث قضى الوفد المصري ما يقرب من أسبوع بين الاجتماعات والجولات السياحية. ومهما كانت تلك الزيارة مطابقة أو مفارقة لما كان عليه نظام مبارك من حيث التطبيع الرسمي مع دولة الاحتلال، إلا ان الجديد الآن هو توسع التطبيع في مساحات شعبية، وإنْ على مستوى التقبل الفكري والشعوري من دون التورط في تبادل اقتصادي أو ثقافي. وقد بلغت المأساة منتهاها من الانحطاط بمناشدة إعلاميين مصريين لجيش الاحتلال بالقضاء التام على حماس في الحرب الأخيرة.
لم تعد مقولات إلقاء «إسرائيل» في البحر صالحة في الزمان والمكان، فضلاً عن الجدل حول صلاحيتها الذاتية أصلاً، لكن ذلك لا يسوّغ المواقف المخزية التي ينسف بها من يعتبرون أنفسهم ناصريين، وهم مؤيدون للسيسي تاريخهم العروبي الاشتراكي. داخلياً، يرقص «الناصريون الجدد» على حبال الرأسمالية النيوليبرالية. وإقليمياً، تاهوا بين دعم المقاومة الصريح غير المشروط وبين تصفية الحسابات مع حماس باعتبارها حليف عدوهم السياسي المحلي، فاختلّت أقدامهم وسقطوا في أوحال التناقض رافعين لافتات باهتة تحمل الشعارات العتيقة.
ربما لا يعرف هؤلاء أن عبد الناصر قد أقام في سيناء معسكرات لتدريب اللاجئين الفلسطينيين على الرماية والقتال قبل احتلال سيناء 1967. وبالتأكيد هم لا يعرفون أن «معسكر الأبطال» الذي كان الفلسطينيون يتلقون فيه تدريبهم قد تحوّل إلى «معسكر الكتيبة 101» الذي يذوق فيه الفلسطينيون المعتقلون عشوائياً صنوف العذاب مع إخوتهم المصريين من شمال سيناء. لكن غياب المعلومات والتفاصيل الدقيقة لا يفسر تورطهم في خطاب مناهض للعروبة وخطاب كراهية جهوي ضد سيناء وغزة، لمجرد تصفية الحسابات مع الغريم الأيديولوجي من الإسلاميين، السياسيين والجهاديين. أما الشوفينية المصرية المستدعاة في أي صراع حقيقي أو وهمي، فتصطدم في أزمة مثل أزمة سد النهضة الإثيوبي، بتوجهات عبد الناصر نحو الجنوب والشرق عموماً، ودول حوض النيل خصوصاً.

مقالات من سيناء

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه