مرة أخرى، يأتي "جانفي" (كانون الثاني/يناير حسب التقويم المعتمد في تونس) محملاً بعناقيد الغضب. في الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة التونسية وانطلاقة "الربيع العربي"، تعيش البلاد شتاء ساخناً آخر. وعلى الرغم من حدة الموجة الوبائية، وحالة الحجر الصحي، وحظر التجول، تشهد تونس منذ أيام حركة احتجاجية مختلفة الأشكال والحدة. تتعدد الأسباب العميقة لهذا الغضب، لكن الشرارة انطلقت في محافظة سليانة يوم 14 كانون الثاني/ يناير عندما أهان شرطي راعي أغنام شاب، مما أثار سخط الشباب هناك، فخرجوا للاحتجاج الذي تحول إلى مواجهة مع قوات البوليس. في الأيام التالية اتسعت دائرة التظاهرات لتشمل عدة مدن أبرزها العاصمة تونس والقصرين وبنزرت وسوسة.. والقائمة تطول..
ويتركز هذا الحراك، الليلي بالأساس و"الصامت" (بلا شعارات)، في الأحياء الشعبية حيث يخرج شباب المناطق الأكثر فقراً وتهميشاً الى الشوارع مع حلول الليل، ويحرقون العجلات، ويتصادمون مع القوات الأمنية وعرباتها ومدرعاتها المدججة، ويتلقون قنابل الغاز المسيّل للدموع. وعلى هامشها، تُسجّل أحياناً حالات - أو محاولات - اقتحام لمحلات تجارية وفروع بنكية. اعتقل أكثر من 1000 شاب، ووثقت صور وفيديوهات استعمال العنف المفرط من قبل البوليس.
خرجت كذلك مسيرات "نهارية" داعمة للتحركات الليلية ومطالِبة باستكمال المسار الثوري واسقاط الحكومة الحالية. وعلى الرغم من سلميتها، فإن بعضها جوبه بحصار بوليسي وغاز مسيّل للدموع.