وتغيرت الظروف المناخية على سطح الأرض من حيث درجات الحرارة والأمطار، ما أدى إلى افتقار بعض الكائنات الحية إلى الظروف المناسبة للحياة، إضافة إلى تعدي الإنسان على البيئة الطبيعية للحيوانات والنباتات عن طريق الصيد الجائر والتخلص من الغابات وقطع الاشجار، في ظل غياب تنفيذ القوانين التي تحمي الطبيعة وتحقق التوازن البيئي والحفاظ على التنوع الإحيائي البيولوجي.
والأهوار هي مجموعة من المسطحات المائية التي تغطي الأرض المنخفضة جنوب السهل الرسوبي لبلاد ما بين النهري في الجزء الأدنى من حوض دجلة والفرات، امتدت على مساحة أكثر من 20 ألف كلم، بين العراق وإيران، وعمرها يمتد إلى أكثر من 5 آلاف عام، ولها أهمية بيئية بالغة.
سبل النهوض بواقع الأهوار
وعن سبل النهوض بواقع الأهوار وإدامة بيئتها بشقيها الطبيعي والاجتماعي، يقول كبير خبراء الاستراتيجيات والسياسات المائية، وعضو هيئة التدريس في جامعة دهوك العراقية رمضان حمزة محمد، أن "هناك جملة من المشاكل والتحديات التي تواجه الأهوار العراقية، من أبرزها شح المياه والجفاف بسب تحكم دول الجوار المائي بتصاريف نهري دجلة والفرات وروافدهما، وغياب اتفاقيات تقاسم المياه مع العراق، فضلا عن تردي نوعية المياه في النهرين، نتيجة القاء الملوثات الصناعية ومياه الصرف الصحي غير المعالجة من المدن العراقية الواقعة على ضفاف النهرين، ومن الجانب الإيراني بسبب التحكم التام بتصاريف نهري كرخة والكارون، وامتداد اللسان الملحي من الخليج العربي وانعدام السياسات الفعالة من الحكومة المركزية والحكومات المحلية وغياب التنسيق بينهما لإدامة الأهوار والحفاظ عليها وتطويرها والنهوض بها".
ويوضح محمد في حديث لـ"العالم الجديد"، أن "كل هذه العوامل ستؤثر على التنوع البيئي والإيكولوجي، ومنها تغيير مسار ومحطات الطيور المهاجرة ما بين القارات مما سيسب في حزن الطيور كما البشر، فهي "أمم أمثالكم"، وتغير الموازنة بين أصناف الحيوانات في المياه العذبة بسبب دخول حيوانات أخرى من بيئة البحار من مياه الخليج العربي، مما يقضي على أنواع من الأسماك المشهورة في الأهوار، وبسبب تغير ظروف التغذية والملجأ والتكاثر حيث كانت مناطق الأهوار مصادر طبيعية للمياه، والسبب الأخر والمهم في تدمير بيئة الأهوار العراقية هو البدء باستخراج النفط من المناطق القريبة من هذه الأهوار، مما وضع الأهوار أمام تحديات كبرى لإدامة نظامها البيئي واستغلال مواردها للنمو والتطور".
ويشير إلى أنه "بالمحصلة سيكون هناك تأثير كبير على الاعتدال المناخي للمنطقة وتسرع عميلة تصحر المنطقة وزيادة العواصف الترابية بسبب تدهور بيئة الأهوار، مما يعمل على التراجع الاقتصادي في الأهوار بسبب شح المياه وتتوقف فعاليات الإنسان في الأعمال الزراعية مما يؤثر بشكل كبير على دورة الغذاء للحيوانات في بيئة الأهوار، وهذا ما يتطلب رسم سياسة شاملة في ظل هذه التحديات والمعوقات العديدة لتطوير المنطقة واستكمال البنية التحتية وضمان استدامتها بشكل سليم، إذا أريد تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي لسكان الأهوار نحو الأفضل".
التنوع الإحيائي والإستخدام الرشيد للموارد
ويقول رئيس قسم الدراسات في مركز إنعاش الأهوار سري عبد الحميد، إن "الحفاظ على التنوع البيئي في أهوار العراق يعتمد على الإدارة السليمة وفق مفهوم الحفاظ على التنوع الاحيائي والاستخدام الرشيد للموارد، وهذا يتطلب توفير منظومة إدارة مياه متكاملة ومنظومة مراقبة بيئية هيدرولوجية مستمرة بالاضافة إلى خطط الإدارة، في حال توفرت الأدوات المطلوبة حيث سيكون من السهل تطبيقها".
وأكد عبد الحميد في حديث لـ"العالم الجديد" أن "وزارة الموارد المائية وبعد عملية إعادة الإغمار سنة 2003 بدأت في إعداد دراسة شاملة لموضوع إنعاش الأهوار، ومن خلالها تم اختيار مواقع تنفيذ نواظم على مداخل ومخارج الأهوار للسيطرة على التصاريف ومناسيب مياه الأهوار، ونفذت جزء كبير من هذه المنظومة ولازال العمل جاريا لاستكمال النواظم الأخرى، وبخصوص المراقبة فالوزارة ومن خلال كوادرها سواء الميدانية او المراقبة عن بعد من خلال الصور الفضائية، تعمل على متابعة نوعية المياه ورصد حالات التلوث أن وجدت بالاضافة إلى متابعة نسب الإغمار بشكل دوري".
____________
من دفاتر السفير العربي
بلا مياه: العراق يموت
____________
وفيما يتعلق بخطط الإدارة يبين عبد الحميد أن "لدى الوزارة خطط إدارة لمواسم الجفاف والمعتدلة والفيضانية، وهذه الخطط يتم مراجعتها باستمرار، اما الخطط الرئيسية فتمت مراجعة الخطط الموضوعة لإدارة الأهوار سنة 2014 من خلال الدراسة الستراتيجية للمياه والأراضي، والآن يتم تحديثها بالتعاون بين مركزنا والمركز الوطني لإدارة الموارد المائية في الوزارة خصوصا مع ازدياد حالات الجفاف والفيضان في السنوات الأخيرة نتيجة تأثير التغيرات المناخية، حيث ساهمت هذه المراجعات في تقليل آثار الجفاف إلى أقصى درجة ممكنة خلال سنوات 2015 و2018، فضلا عن السيطرة على الفيضان خلال موسم عام 2019، خاصة وأن حالات التكرار لمواسم الفيضان والجفاف تعتبر طبيعية كون الأهوار تاريخيا كانت تتسع مساحتها وتقل بين موسم وآخر، ولكن المهم هو العمل على الحفاظ على ديمومة اغمار البرك العميقة والتي تشكل قلب الأهوار والتأكيد على استدامة التنوع الاحيائي فيها".
ويتابع أن "خطط الإدارة تركز على توفير الحد الأدنى من المياه لتأمين الجريان البيئي للمغذيات والتي تؤدي إلى الحفاظ على بيئة الأهوار ضمن حدود البرك العميقة وتأمين استمرار جريان المياه بين المداخل ومخارج الأهوار لتدوير المياه وعدم تدني نوعيتها وبالتالي استدامة التنوع الأحيائي فيها خلال مواسم الجفاف وفي مواسم الفيضان العمل مستمر في تدعيم السداد المحيطة بالأهوار وحمايتها لضمان السيطرة على الموجات الفيضانية، وهو ماحصل خلال عام 2019 حيث استطاعت الوزارة تمرير الموجة الفيضانية دون خسائر واستغلال المياه في إغمار أكبر مساحة ممكنة من الأهوار حيث وصلت نسب الإغمار إلى مستويات عالية، وفي الوقت الراهن الأهوار في أفضل حالاتها حيث تصل نسب الإغمار فيها إلى 76 بالمائة وهي نسبة جيدة جدا لهذه السنة التي تصنف كمعتدلة نسبيا".
أهمية ديمومة إغمار البرك العميقة
الى ذلك، تفيد خبيرة المياه مها رشيد، أن "الأهوار بطبيعتها ذات مساحات كبيرة تاريخيا وتتغير هذا المساحات بين زيادة ونقصان من موسم إلى آخر، ولذا يتطلب العمل على الحفاظ على ديمومة إغمار البرك العميقة والتي تشكل قلب الأهوار والتأكيد على إستدامة التنوع الأحيائي فيها".
وتنوه في حديثها لـ"العالم الجديد" الى أن "وزارة الموارد المائية بدأت قبل أكثر من عقد من الزمن في إعداد دراسة شاملة لإنعاش الأهوار وإعادة الإغمار، ومن خلال الدراسة تم إختيار مواقع لتنفيذ المنشآت الهيدروليكية (نواظم) الغرض منها للسيطرة على التصاريف ومناسيب مياه الأهوار نفذت في المداخل والمخارج، وبالفعل تم تنفيذ هذه المنظومة ومازال العمل على مستمر على تنفيذ ماتبقى منها".
ولغرض المحافظة على نسبة المياه في الأهوار ترى رشيد أن "ذلك يتطلب توفير منظومة متكاملة للإدارة, ومن خلالها اعداد خطط الإدارة، ومنظومة مراقبة بيئية هيدرولوجية مستمرة، فضلا عن الإدارة السليمة للحفاظ على التنوع الاحيائي والإستخدام الأمثل للموارد".
وتبين أن "خطط الإدارة تتمثل بوضع خطط إدارة لمواسم الجفاف والمعتدلة والفيضانية وهذه الخطط يتم مراجعتها باستمرار لغرض تنفيذها، والعمل على مراجعة الخطط الخاصة للدراسة الاستراتيجية للمياه والاراضي الموضوعة لادارة الأهوار والتي اعدت عام 2014، وجار العمل الآن على تحديث هذه الدراسة من خلال المركز الوطني لإدارة الموارد المائية ومركز إنعاش الأهوار في الوزارة، خاصة مع إزدياد حالات الجفاف والفيضان في السنوات الأخيرة نتيجة تأثير التغيرات المناخية، كما أن المراقبة مستمرة من خلال برنامج المراقبة في الموقع وكذلك المراقبة عن بعد من خلال الصور الفضائية التي تعمل على متابعة نسب الإغمار ونوعية المياه و رصد حالات التلوث".
يشار الى أن أهوار جنوب العراق وضعت في وقت سابق على لائحة التراث العالمي وهي كل من الأهوار الوسطى، وهور الحمار الغربي وهور الحمار الشرقي، وهور الحويزة، حيث وافقت منظمة اليونسكو على إعتبار الأهوار كمحمية طبيعية دولية، بالإضافة إلى المدن الأثرية القديمة الموجودة بالقرب منها مثل أور وأريدو والوركاء.