معركة ضَبْط البنوك تهدد بتمزيق القطاع المالي

تقرير من "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية" عن أزمة جديدة تهدد القطاع المالي في اليمن، ومحورها الوصول إلى بيانات البنوك التجارية والإسلامية وشركات الصرافة.
2020-12-24

شارك
رجل يصرف المال من شركة الحمدي للصرافة في شارع حدة بصنعاء، 14 أغسطس/آب 2020. الصورة لمركز صنعاء التقطها عاصم البوسي

شهدت الفترة الأخيرة تصعيدًا جديدًا في الصراع الدائر بين فرعي البنك المركزي اليمني المنقسم للسيطرة على حق الوصول إلى بيانات البنوك التجارية والإسلامية وشركات الصرافة في البلد، الأمر الذي لا يهدد فقط قابلية القطاع المالي على الاستمرار بشكل عام، بل قد ينتج عنه أيضًا تبعات اقتصادية وإنسانية وخيمة.

يأتي هذا الصراع في إطار الحرب الاقتصادية المستمرة منذ سنوات بين فرعي البنك، التابع للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا في عدن والخاضع لسيطرة جماعة الحوثيين المسلحة في صنعاء، حيث يحظى الأول بالاعتراف الدولي ويتحكم في علاقات اليمن بالشبكات المالية العالمية، بينما يسيطر الثاني على الجزء الأكبر من حركة الأسواق في البلاد ومركزها المالي.

شهد هذا العام إصدار الطرفين المتحاربين تعليمات متضاربة للبنوك اليمنية وشركات الصرافة تقضي بتقديم بياناتها المالية، والتهديد بإجراءات عقابية أكثر صرامة ضد من يخالف تنفيذ هذه التعليمات. تفاقم هذا التصعيد بشكل خاص منذ سبتمبر/أيلول فيما قوّضت البيئة العدائية المتنامية استمرار عمل الجهات العاملة في القطاع المالي.

المعركة المتصاعدة على البيانات المصرفية

يتعيّن على البنوك اليمنية بموجب القانون، تقديم كشوفات مالية بانتظام إلى البنك المركزي توضّح بالتفصيل أمور مثل أصولها وخصومها وأرصدتها من العملة المحلية والأجنبية، والتداولات بالعملة الأجنبية، والتحويلات المالية الداخلية والخارجية، والحسابات التي فُتحت أو أُغلقت، وعمليات تمويل الاستيراد، والقروض. تُمكِّن هذه البيانات البنك المركزي من التأكد من التزام القطاع المصرفي بالقوانين والتعاميم المحلية، وكذلك التزام القطاع باللوائح والقوانين الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء عام 2014، ما دفع الحكومة اليمنية إلى نقل مقر البنك إلى عاصمتها المؤقتة عدن عام 2016، أي أن البنك المركزي في عدن صار هو المخول قانونيًّا منذ ذلك الحين بجمع البيانات المصرفية وتنفيذ الوظائف الأساسية الأخرى للمؤسسة النقدية الوطنية.

في يناير/كانون الثاني 2020، منعت سلطات الحوثيين المؤسسات المالية العاملة في البلاد من الاستمرار في تقديم بياناتها النقدية إلى البنك في عدن. ويأتي نفوذ الحوثيين لفرض هذا الإجراء من حقيقة أن صنعاء ما زالت تمثّل المركز الاقتصادي لليمن، حيث يوجد فيها المقرات الرئيسية لـ17 بنكًا من أصل 18 بنكًا تعمل في البلاد حاليًّا، كما يوجد فيها أكبر شركات الصرافة في البلاد.

في اليمن، تُعد نظم المعلومات المصرفية مركزية للغاية في المقرات الرئيسية للبنوك، أي أن المقر الرئيسي للبنك هو الجهة الوحيدة التي لديها إمكانية الوصول إلى البيانات والمعلومات في جميع الفروع التابعة له، كما يتركز معظم النشاط التجاري والمالي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون (حيث يقيم غالبية سكان اليمن)، وأيضًا يتواجد فيها أكبر المتداولين في البلاد، وهم عملاء ومساهمون رئيسيون في البنوك التي يقع مقرها الرئيسي في صنعاء.

ولكن في الوقت نفسه، تقلّصت قدرة البنك المركزي في عدن على إتمام وظائفه في القطاع النقدي؛ إذ أنه فقد وصوله المنتظم إلى البيانات المصرفية التي كانت تمكّنه من الاستمرار في تتبع مصادر التمويل المختلفة المتاحة للبنوك، وإلى من يوجه ذلك التمويل وكيف يُستفاد منه.

أما وديعة الملياري دولار التي قدمتها الرياض للحكومة اليمنية كدعم مالي عام 2018 فاستنفدت بالكامل تقريبًا هذا العام، مما أعاق قدرة البنك المركزي في عدن على تمويل الواردات الأساسية، في حين تسبب حظر الحوثيين في يناير/كانون الثاني 2020 التعامل بأوراق الريال اليمني المطبوعة حديثًا والصادرة من عدن في تدفق تلك الأوراق النقدية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية. أدى هذان العاملان إلى تقويض قدرة البنك المركزي في عدن على احتواء انخفاض قيمة الريال في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. كما جاءت التحديات المتزايدة التي تواجه سلطة الحكومة والبنك المركزي في عدن، جنوب البلاد، من خصوم داخل التحالف المناهض للحوثيين – تحديدًا المجلس الانتقالي الجنوبي – لتزيد الطين بلة.

في مارس/آذار 2020، طلب صندوق النقد الدولي -كما يفعل بشكل دوري -بيانات عن القطاع المصرفي الرسمي في اليمن، وكان فرع البنك المركزي في عدن قد وفرها حتى نهاية عام 2019، ولكنه فشل في إجبار المؤسسات المالية على الاستمرار في تقديم بياناتها له عام 2020، وبالتالي؛ بدأ بفرض غرامات على البنوك وشركات الصرافة، وفقًا لجمعية البنوك اليمنية.

أجّل البنك المركزي في عدن في سبتمبر/أيلول اجتماعًا كان من المقرر عقده مع صندوق النقد الدولي، وبعدها، كثّف جهوده لفرض سيطرته ضمن نطاق اختصاصه وصلاحياته، وجدد دعوته للبنوك التجارية والإسلامية وبنوك التمويل الأصغر وشركات الصرافة مشاركة بياناتهم أو مواجهة العواقب.

وقال مسؤولون مصرفيون مطّلعون على تلك الإجراءات -غير مخوّل لهم بالتحدث علنًا – للوحدة الاقتصادية بمركز صنعاء، إنه عقب هذا التهديد، أحال البنك المركزي في عدن خلال أكتوبر/تشرين الأول مجالس الإدارة والمديرين التنفيذيين لثلاثة بنوك، وهي بنك اليمن الدولي وبنك اليمن والكويت والبنك اليمني للإنشاء والتعمير إلى النيابة العامة؛ لأنهم لم يقدموا بيانات المعاملات والعمليات المصرفية. ومنذ الأسبوع الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، ظهرت تقارير متضاربة حول ما إذا كان قد تم فرض حظر سفر على المديرين التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة لتلك البنوك أم لا.

في الوقت نفسه، سعت سلطات الحوثيين إلى تعزيز نفوذها على القطاع المالي وإضعاف صلاحية الحكومة اليمنية، ففي نهاية سبتمبر/أيلول أمر البنك المركزي بصنعاء بنك الكريمي الإسلامي للتمويل الأصغر بإغلاق مقره الرئيسي في صنعاء وجميع فروعه العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وأُعيد فتح فروع الكريمي في 1 أكتوبر/تشرين الأول بعد أن تعهّد البنك بالامتناع عن تقديم بياناته المالية للبنك المركزي اليمني في عدن ودفع غرامة قدرها مليار ريال يمني لسلطات الحوثيين.

وجدت البنوك ومؤسسات الصرافة نفسها محاصرة من كلا الجانبين، الحكومة اليمنية وسلطات الحوثيين، فأجرت جمعية البنوك اليمنية وجمعية الصرافين اليمنيين محادثات مع إدارة البنكين في صنعاء وعدن لخلق مساحة محايدة تمكّن الجهات العاملة في القطاع المالي من أداء عملها، ولكن هذه الجهود باءت بالفشل.

وفي حديثهم إلى مركز صنعاء، قال مسؤولون في جمعية البنوك إنهم ناشدوا الأمم المتحدة أيضًا التدخل لدى الطرفين المتنافسين ولكن دون جدوى. وحسب بيان صدر في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وضعت جمعية البنوك اليمنية سلسلة من الخطوات التصعيدية التي تنوي اتخاذها لمحاولة حث الأطراف المتحاربة على التوصل إلى تسوية، بدءًا بإضراب جزئي للبنوك في عدن لمدة ثلاث ساعات يوميًّا وعلى مدى ثلاثة أيام، على أن تعلن جميع البنوك الإضراب التام والمفتوح في جميع المحافظات حال فشل الإضراب الجزئي في تحقيق الأهداف المرجوّة.

في بيان لاحق، اقترحت جمعية البنوك في 7 نوفمبر/تشرين الثاني خطوات لتهدئة أزمة البنك المركزي وتجنب إضراب البنوك، وقالت إن البنوك وشركات الصرافة ستلتزم بتزويد البنك المركزي في عدن ببيانات تفصيلية عن العملاء والعمليات فقط في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحوثيين مقابل وقفه جميع الإجراءات العقابية بحقهم، بما في ذلك غرامات عدم الامتثال لتعليماته. وأضافت الجمعية إن البنوك ستبدأ إضرابها في اليوم التالي إذا لم يكن هناك حل وسط لإنهاء المواجهة، غير أنها تراجعت لاحقًا عن هذا التهديد.

وخلال الأسبوع الثاني من الشهر ذاته، أجبر جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين في صنعاء، بناء على أوامر من البنك المركزي، بنك التضامن في صنعاء على إغلاق مقره انتقامًا من مشاركة البنك بياناته مع البنك المركزي في عدن. وبعد أن اقتحم عناصر جهاز الأمن والمخابرات مقر البنك، أمر مسؤولو الجهاز موظفي البنك بإخلاء المبنى، وأغلقوا الخوادم (السيرفرات) والكاميرات الأمنية، ثم احتلوا المبنى لعدة أيام عُلّق خلالها عمليات البنك. ثم أمر البنك المركزي في صنعاء البنوك اليمنية بوقف عملياتها المصرفية في عدن مما دفع البنك المركزي في عدن إلى إرسال قوات الأمن الحكومية لاحتجاز ثمانية من مدراء فروع البنوك في عدن لمدة 24 ساعة.

النص الكامل على موقع "مركز صنعاء"

مقالات من العالم العربي

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...