لأخذ العلم: اضطراب ما بعد الصدمة عند الصغار في غزة

تظهر نسبة 9.8 في المئة من الأولاد في غزة جميع أعراض اضطراب الكرب التالي للرضح (اضطراب ما بعد الصدمة –Post traumatic stress disorder)، بينما تظهر نسبة 39.3 في المئة من الأولاد بعض الأعراض، ونسبة 25.9 في المئة عارضا واحدا من دون أن تسجل نسبة 25.1 في المئة أية عوارض نفسية. تذكر نسبة 94.6 في المئة ، حتى بعد مرور ستة أشهر على الحرب الأخيرة في غزة، سماعها أصوات المقاتلات النفاثة، ونسبة 91.7
2013-10-22

ملاك مكي

باحثة وكاتبة صحافية من لبنان


شارك
(سعيد خطيب ــ أ ف ب)

تظهر نسبة 9.8 في المئة من الأولاد في غزة جميع أعراض اضطراب الكرب التالي للرضح (اضطراب ما بعد الصدمة –Post traumatic stress disorder)، بينما تظهر نسبة 39.3 في المئة من الأولاد بعض الأعراض، ونسبة 25.9 في المئة عارضا واحدا من دون أن تسجل نسبة 25.1 في المئة أية عوارض نفسية. تذكر نسبة 94.6 في المئة ، حتى بعد مرور ستة أشهر على الحرب الأخيرة في غزة، سماعها أصوات المقاتلات النفاثة، ونسبة 91.7 في المئة سماعها صوت المدافع، ونسبة 92 في المئة مشاهدتها أجسادا مشوهة على شاشة التلفاز. حرمت نسبة 80 في المئة من المياه والكهرباء أثناء الحرب، وغادرت نسبة 50.7 في المئة بيوتها.
تعود تلك الأرقام إلى دراسة في شأن انتشار أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عند الأولاد الفلسطينيين بعد حرب غزة. أجرى الدراسة الباحثون عبد العزيز ثابت، أحمد أبو تواهينا، إياد السراج من غزة، وديفيد هينيلي وهنريك بليك من السويد، وبانوس فوستانيس من المملكة المتحدة، بعد مرور ستة أشهر على حرب غزة الأخيرة في كانون الأول 2008 والتي استمرت 23 يوما. شملت الدراسة 410 مشاركين (224 ذكرا و186 أنثى) تتراوح أعمارهم بين سن الثمانية وسن الثمانية عشر عاما من جميع أراضي قطاع غزة. تعيش نسبة 43.5 في المئة من المشاركين في الدراسة في المدن، 12.5 في المئة في القرى، و44 في المئة في المخيمات. لا يتجاوز دخل 60.9 في المئة من عائلات الصغار ثلاثمئة وخمسين دولارا في الشهر، ويتراوح دخل 30.4 في المئة من العائلات بين 351 و700 دولار، وتجني نسبة 8.7 في المئة فقط من العائلات أكثر من 701 دولار.
ارتكزت الدراسة على إجراء المقابلات مع الصغار، وتم جمع المعطيات بين شهري أيار وحزيران 2009. ونشرت في العام الحالي في المجلد الخامس من مجلة "health".

التعريف
ينتج اضطراب الكرب التالي للرضح أو اضطراب ما بعد الصدمة عن التعرّض لصدمة نفسيّة أو ماديّة. ومن الشائع أن يعاني منه الجنود أو ضحايا الاختطاف أو التعذيب أو الكوارث أو أسرى الحرب. وترتكز أعراضه على الشعور بالقلق، وعلى استرجاع ذهني للأحداث على شكل كوابيس ليلية، وعلى صعوبات في النوم وفرط في اليقظة، وتجنّب الحديث عن الأشياء أو الظروف المرتبطة بالصدمة، وصعوبة في التركيز.

نتائج
أظهرت نتائج الدراسة عدم وجود فروقات جندرية بين الذكور والإناث بالنسبة إلى الإضراب ما بعد الصدمة وأعراضه. تعاني نسبة 5.1 في المئة من المشاركين إضطراب ما بعد الصدمة وقصور في الإنتباه " attention deficit disorder"، ونسبة 4.4 في المئة اضطراب ما بعد الصدمة وإفراط في الحركة، ونسبة 4.6 في المئة اضطراب ما بعد الصدمة وإضطرابات في السلوك.
تعتبر تلك الأرقام، وفق القيمين على الدراسة، مرتفعة غير أنها أقل من تلك التي سجلها الصغار بعد مرور أسبوعين فقط على الحرب. وتتقارب النتائج مع دراسات سابقة التي أظهرت أن نسبة 40 إلى 71 في المئة من الأطفال والمراهقين الفلسطينيين يظهرون ردود فعل نفسية بسبب الأحداث الصدمية. وتبين دراسات أخرى أن نسبة 36 في المئة من التلاميذ في الضفة الغربية ونسبة 35 في المئة من تلاميذ قطاع غزة يظهرون جميع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بينما تعاني نسبة 12 في المئة من التلاميذ في الضفة الغربية و11 في المئة من تلاميذ قطاع غزة إضطراب ما بعد الصدمة بشكل جزئي.
تربط دراسات علمية عدة بين قصور الانتباه وفرط الحركة واضطراب ما بعد الصدمة. وتكشف الدراسات العالمية أن نسبة قصور الانتباه وفرط الحركة عند الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين الستة والاثني عشر عاما تتراوح بين الأربعة إلى 12 في المئة. في المقابل، يعتبر الأولاد الذين يعيشون في مناطق تشهد حروبا ونزاعات الفئة الأكثر عرضة لإضطراب ما بعد الصدمة ولمشاكل في السلوك، والتركيز ما يوجب تعزيز القوانين التي تحمي الأطفال خلال الحروب. ويوصي القيمون على الدراسة بضرورة تطوير برامج تثقيفية نفسية موجهة إلى الصغار والأهالي والأساتذة في المدارس.

... ودراسة أخرى
من جهة أخرى، تكشف نسبة 38.3 في المئة من الآباء أن أبناءهم غير مطيعين، ونسبة 32.6 في المئة أن أبناءهم يسجلون معدلا منخفضا في الدراسة، ونسبة 31.7 في المئة بأن أبنائهم يشعرون بالخوف، ونسبة 30.5 في المئة بأن أبنائهم يعانون مشاكل في التركيز. وتقول نسبة 8.3 في المئة من الآباء ان صغارهم يكذبون، ونسبة 7.1 في المئة ان صغارهم يؤذون أنفسهم، ونسبة 3.6 في المئة ان صغارهم يسرقون.
وتعود تلك الأرقام إلى دراسة في شأن مدى إدراك الآباء للاضطرابات النفسية للأبناء وفق العمر، المهنة، مستوى التعليم، وعدد الأبناء في قطاع غزة. وشملت الدراسة 1009 آباء وأبنائهم الذين تتراوح أعمارهم بين التسعة والخمسة عشر عاما. ويتراوح عمر الآباء بين 33 و75 عاما. وارتكزت أسئلة الدراسة على الخصائص الديموغرافية والاجتماعية للآباء وسلوكيات الأبناء.
أجرى الدراسة الباحثان أبدسا أنور من الجامعة الإسلامية في غزة وعبد العزيز موسى تابت من جامعة القدس، ونشرت في العام الحالي في مجلة "arabsynet journal". بلغت نسبة الآباء العاملين 32.4 في المئة، ونسبة العاطلين عن العمل 49.2 في المئة، وتقوم نسبة 18.4 في المئة بأعمال بسيطة. تحمل نسبة 30 في المئة من الآباء شهادة جامعية، ونسبة 37.3 في المئة شهادة ثانوية، ونسبة 21.4 في المئة شهادة تعليم أساسي، ونسبة 8.4 في المئة شهادة ابتدائية، و2.9 في المئة هم أميون.
ترتبط قدرة الآباء على إدراك مشاكل صغارهم النفسية، وفق الدراسة، بمستواهم التعليمي إذ كلما ارتفع تحصيلهم العلمي باتوا أكثر ادراكا لمشاكل أبنائهم النفسية. ويدرك آباء العائلات، التي لا يتجاوز عدد الصغار فيها الأربعة، الاضطرابات النفسية التي يظهرها الصغار أكثر من آباء العائلات الكبيرة.
تظهر النتائج علاقة وطيدة بين عمر الأب وعدد الأولاد في العائلة الواحدة والصحة النفسية للأولاد، إذ يدرك الآباء الأكبر في السن اضطرابات الأولاد النفسية بشكل أفضل. وترتبط الصحة النفسية للأولاد، وفق الدراسات العالمية، بتأثير الأب الذي يعتبر في بعض الحالات أشد وطأة من تأثير الأم على صحة الأبناء النفسية.

مقالات من غزة

لا شيء سوى الصمود!

2024-10-03

قبل الصواريخ الإيرانية وبعدها، استمر الاحتلال بارتكاب الفظاعات، ثمّ توعّد بالمزيد. إنها أيام المتغيرات السريعة والخطيرة والصعبة، لكن يبدو أنه في كل هذا، ليس سوى ثابتٍ وحيد: صمود شعوبنا المقهورة.

للكاتب نفسه