الإيذاء الجسدي والشعوري للتلاميذ في عدن

تعرّضت نسبة 55.2 في المئة من تلاميذ التعليم الأساسي في محافظة «عدن» إلى الإيذاء الشعوري لمرة واحدة على الأقلّ في فترة دراستهم، بنسبة أكثر عند الذكور (نسبة 72.6 في المئة) من عند الإناث (26.1 في المئة). وكان الأساتذة هم أكثر من مارس الإيذاء الشعوري بنسبة 45.6 في المئة.الايذاء الشعوريتعود تلك الأرقام إلى دراسة شملت 1066 تلميذا ( 667 ذكرا، و399 أنثى)، تتراوح
2013-08-07

ملاك مكي

باحثة وكاتبة صحافية من لبنان


شارك
(من الانترنت)

تعرّضت نسبة 55.2 في المئة من تلاميذ التعليم الأساسي في محافظة «عدن» إلى الإيذاء الشعوري لمرة واحدة على الأقلّ في فترة دراستهم، بنسبة أكثر عند الذكور (نسبة 72.6 في المئة) من عند الإناث (26.1 في المئة). وكان الأساتذة هم أكثر من مارس الإيذاء الشعوري بنسبة 45.6 في المئة.

الايذاء الشعوري

تعود تلك الأرقام إلى دراسة شملت 1066 تلميذا ( 667 ذكرا، و399 أنثى)، تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاما. تركزت الدراسة على ملء استمارة في شأن عشرة أفعال تؤذي نفسيّا ومنها: الإذلال، الصراخ، الاستدعاء بالاسم، الإحراج بسبب اليتم أو الفقر أو المشاكل الصحيّة، أو التهديد بإعطاء علامات منخفضة، الطرد من المدرسة، العزل عن باقي الزملاء أو العبث بأمتعة التلاميذ. أعدّ الدراسة الباحثان آمال صدّيق سالم باصديق وعبدالله سعيد حطاب من جامعة «عدن»، ونشرت في آب 2012 في الدوريّة Biomed Central Public health»».
يعرّف معدّا الدراسة الإيذاء الشعوري أو العاطفي بفعل غير مرغوب فيه يحرج التلاميذ ويزعجهم. ويسبّب هذا الإيذاء عند الصغار مشاكل جسديّة وعصبيّة واضطرابات سلوكيّة وتراجعا دراسيّا. ويؤكّد بعض علماء النفس بأن الإيذاء العاطفي هو من أكثر الأشكال تدميرا للتلاميذ وتطوّرهم. يكشف 588 تلميذا، وفق نتائج الدراسة، عن التعرّض لإيذاء من هذا النوع لمرة واحدة أو أكثر قبل بلوغ الثمانية عشر عاما، ما يشير إلى أن نسبة انتشاره تبلغ 55.2 في المئة في عدن، وهو معدّل مرتفع، بالمقارنة مع نسبة 59.9 في المئة في ايران، و33.1 في المئة في قبرص، و11.6 في المئة في تايوان. ويؤثّر الاختلاف الاجتماعي على التباين بين الأرقام، إذ تعتبر بعض الأفعال مقبولة ثقافيّا، وغير مؤذية، بينما يفتقر بعض الأساتذة إلى الوعي في شأن حقوق التلاميذ وكيفية ضبطهم.
ويتَحمّل الأساتذة المسؤوليّة الأكبر في ممارسة الإيذاء العاطفي بنسبة 45.6 في المئة، بينما لم يسجّل فريق الإدارة سوى نسبة 5 في المئة. وسجّل الصراخ أكثر الأفعال المؤذية نفسيا بنسبة 48.1 في المئة، يليه الاستدعاء بالاسم 36.1 في المئة، ثمّ التهديد بإعطاء علامات منخفضة بنسبة 31.9 في المئة، والإحراج بسبب اليتم بنسبة 1.7 في المئة.
يتعرّض الذكور لهذا الإيذاء بمعدّل عشر مرات أكثر من الإناث، ويعيد الباحثان الأمر إلى أن الذكور هم أكثر عرضة للتشاجر مع الأساتذة الذين يتعاطفون مع الإناث أكثر من الذكور.
ويزداد خطر التعرّض للإيذاء النفسي أو العاطفي، وفق أرقام الدراسة، مع التقدّم في العمر نسبة إلى أن المراهقين يرغبون في الاستقلالية ويظهرون حساسية اكبر لأفعال الأساتذة. وتظهر الدراسة بأن التلاميذ الذين يعيشون في عائلات كبيرة يتعرّضون أكثر لإيذاء عاطفيّ في المدرسة بالمقارنة مع التلاميذ الذين يعيشون في عائلات صغيرة، مع الافتراض بأن هؤلاء التلاميذ يقلّدون الممارسات العنيفة التي يشهدونها في بيوتهم في علاقتهم مع أساتذتهم في المدرسة، ما يجعلهم عرضة للإيذاء من قبل الأساتذة.
وتظهر الدراسة بأن المستوى التعليمي للآباء يشكّل عامل حماية للأولاد ضد الإيذاء العاطفي، إذ يجد الباحثان بأن انخفاض المستوى التعليمي يجعل الأهل غير قادرين على حلّ المشاكل بطريقة سليمة. فيتعرّض الأبناء لممارسات عنيفة في البيت ما يؤثّر سلبا على سلوكهم في المدرسة.

الايذاء الجسدي

تظهر دراسة أخرى أجراها الباحثان المذكوران بأن 55.7 في المئة من التلاميذ في مدارس التعليم الأساسي في عدن أبلغوا عن تعرّضهم لإيذاء جسدي لمرة واحدة على الأقلّ في فترة من حياتهم، بنسبة 73.2 في المئة عند الذكور و26.8 في المئة عند الإناث. شملت الدراسة العينة ذاتها وتركزّت على استمارة مختلفة في شأن تعرّض التلاميذ للصفع على الوجه، أو الضرب على الرأس، أو على الأكتاف، أو شدّ الأذن، أو اللكم، أو الركل، أو الوقوف بطريقة مؤلمة، أو الوقوف خارجا في الشمس، أو أخذ الأكل من الطلاب وغيرها. نشرت الدراسة في العدد الرابع من مجلة «Eastern Mediterranean Health Journal» في العام الفائت.
يؤدّي الإيذاء الجسدي، وفق الدراسات العلميّة، إلى تراجع مهارات الطلاب وأدائهم الأكاديمي، ويترك آثارا طويلة المدى على الصحة النفسيّة، والانخراط الاجتماعي، والسلوك الجنسي. وما زال العقاب الجسدي مسموحا في تسعين دولة، على أقلّ تقدير، منها سبع دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يكشف 594 تلميذاً من أصل 1066، وفق نتائج الدراسة، تعرضهم لإيذاء جسدي واحد أو أكثر في فترة دراستهم ما يشير إلى أن نسبة انتشار الإيذاء الجسدي في مدارس التعليم الأساسي في عدن تصل إلى 55.7 في المئة. بينما تظهر دراسات أخرى بأن نسبة الإيذاء الجسدي للتلاميذ في فلسطين هي 32.3 في المئة، وبأن نسبة 80 في المئة من التلاميذ الذكور و61 في المئة من التلاميذ الإناث تعرّضوا لعقاب جسدي من قبل أساتذتهم في مصر. كشفت نسبة 23 في المئة من الإناث في مدارس البحرين عن تعرّضهن لعقاب جسدي الذي سجّل انتشارا بنسبة 43 في المئة في مدارس ايران واقليم كردستان.
تعود نسبة 45.4 في المئة من الحالات في عدن إلى ممارسات من قبل الأساتذة بينما يتحمّل الطاقم الإداري نسبة 6 في المئة. تقارب تلك النتائج الأرقام التي سجلتها الهند (44.8 في المئة) وايران (43.3 في المئة) وتزيد عما يسجّله لبنان (24.7 في المئة).
من جهة أخرى، سجّل الوقوف بطريقة مؤلمة أكثر الوسائل المؤذية التي يعاقب بها الاساتذة التلاميذ بنسبة 40 في المئة، يليه شدّ الأذن بنسبة 34.4 في المئة، ثم الوقوف في الخارج تحت اشعة الشمس (33.9 في المئة) واللكم (4.7 في المئة) والصفع على الوجه (8.3 في المئة).
يتعرّض التلاميذ الذكور للإيذاء الجسدي أكثر من الإناث ( 73.2 في المئة مقابل 26.8 في المئة) بسبب العادات الاجتماعية التي تعتبر المسّ بجسد الفتاة أمرا غير مقبول، وباعتبار أن الذكور يظهرون سلوكا أعنف من الإناث. ويرتفع معدّل الإيذاء الجسدي عند التلاميذ الأكبر سنا مقارنة بالأصغر سناّ باعتبار أن الأكبر سنا هم أكثر جرأة للكشف عما تعرّضوا له من إيذاء جسدي.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن التلاميذ الذين يعيشون في عائلات كبيرة يتعرضون لإيذاء جسدي أكبر من الذين يعيشون في عائلات صغيرة بالإضافة إلى أن ارتفاع مستوى التعلّم عند الأهالي يشكّل عامل حماية للأبناء من التعرّض للإيذاء الجسدي بسبب التفسيرات عينها في الدراسة الأولى عن الإيذاء العاطفي.
توصي جميع تلك النتائج، وفق الباحثين، بالتعمّق في دراسات مقبلة في شأن فهم المشاكل التي يتعرّض لها التلاميذ في اليمن، وبلورة التدخلات الاجتماعية، والقانونية، والإدارية اللازمة لتعزيز السلامة في المدرسة، ولتبنّي السياسات الآمنة غير العنيفة جسديا وعاطفيّا.

 

مقالات من اليمن

تحوُّلات العاصمة في اليمن

يُعدّ الإعلان الرئاسي عن نقل العاصمة الى "عدن"، في معناه القانوني، إجراءً رمزيّاً، لأن نقل العاصمة يقتضي إجراء تعديلات في الدستور اليمني، الذي لا يزال ينص على أن مدينة "صنعاء"...

للكاتب نفسه