ورقة من غزّة

أتعرف؟ تغيّر كل شيء، حتى نحن تغيّرنا ولم تعد مشاكلنا على صلة وثيقة بحسابات القوة وسياسات الاخضاع. صارت مشاكلنا من النوع الذي يتطلّب إضاءة خافتة وطبيباً نفسياً وأريكة مريحة.هل لأننا بلغنا الثالثة والستين؟ ألم يكن هذا عمر الرسول محمّد حين مات؟ هل تتذكر كيف شرحوا لنا في دروس الدين كيف كان الصحابة في آخر أيّامه يصبّون على جبهته الماء البارد فيتبخر؟ يا لهول الصّورة. أليست شوارع مدينتنا،
2014-03-26

محمود عمر

كاتب من فلسطين


شارك

أتعرف؟ تغيّر كل شيء، حتى نحن تغيّرنا ولم تعد مشاكلنا على صلة وثيقة بحسابات القوة وسياسات الاخضاع. صارت مشاكلنا من النوع الذي يتطلّب إضاءة خافتة وطبيباً نفسياً وأريكة مريحة.
هل لأننا بلغنا الثالثة والستين؟ ألم يكن هذا عمر الرسول محمّد حين مات؟ هل تتذكر كيف شرحوا لنا في دروس الدين كيف كان الصحابة في آخر أيّامه يصبّون على جبهته الماء البارد فيتبخر؟ يا لهول الصّورة. أليست شوارع مدينتنا، تاريخياً (لا أحد يستعمل كلمة «تاريخياً» هذه الأيّام) أليست امتداداً لجبهة النبيّ المحموم؟ كم صبوا عليها صواريخ وتبخّرت؟ أتتذكَر؟
قبل أيّام، كان صديقنا المشترك حسن (حسن الذي كان يحبّ ممارسة العادة السريّة على صورة تسيبي ليفني، هل تتذكره؟) يقود بي السيارة على طريق العريش حيث ذهبنا لتناول السمك. سألني «أتحنُّ إلى صوت القصف؟ « فأقول له «للأسف». عزائي، ربّما، أن الأولاد ليسوا مثلي. هم مشغولون بأشياء عاديّة: إقرار قانون زواج المثليين، حفلة موسيقيّة لفرقة لا أستطيع لفظ اسمها، مهرجانات ومعارض وأشياء أخرى من هذا القبيل. ماذا بوسعي أن أقول؟ أراقبهم حين يأتون مع أصدقائهم إلى البار وأستمع إلى صخب نقاشاتهم وأدرك الفارق النوعيّ. في إحدى المرّات كادوا يكسرون الطاولة عندما اختلفوا حول تقييم أداء وزيرة الداخلية الجديدة. مجانين!
تغيّر كل شيء يا صديقي لكنّ صوت البحر لم يتغيّر. أكتب لك وصوته يأتي من نافذة البار حنوناً ومغزولاً كالسجّاد. أكتب لك سطراً وألقي على البحر نظرة. أسرح وأمسك بذاكرتي وأعصرها كما كانت تفعل جدّتي بممسحة البلاط محاولاً أن أعيد بناء المشاهد التي ولّت. أشرع مثلاً في استحضار ذلك الصباح الذي جئت فيه مع أولاد عمّي قبل خمسة عقود لنسبح في الخامسة فجراً. امتدّ البحر أمامنا كالمرآة. كان الماء صافياً وكذلك كنَّا. كان ثمّة آخرون على الشاطئ. مجموعة من كوادر حماس. هل تتذكر حماس؟
اسمع، أنا لا أريد أن أبدو درامياً، لكن المرء لا يعرف متى ينطفئ في داخله الضّوء ويقرر جسده أن الوقت قد حان كي يخلد إلى الرّاحة. كما أنني لن أعطيك وعوداً فارغة. نعم، تغيّر كل شيء وصرنا، أنا وأنت وكل من في عمرنا، أشبه بالنصب التذكاريّة المتنقلة في بلاد عادت لتمشي على خطِّ العيش العادي، وصارت تأخذ وقتها في تسريح شعرها وتذهب في نهاية الأسبوع إلى السّينما. لكنني أحلف لك بحبِّنا المشترك للكنافة النابلسيّة وصواريخ الأرض - جو أنّ البحر لم يتغيّر.
لا يزال هذا الأزرق الكبير كما كان. يتذكر الشهداء بالاسم والصّورة. يعرف كم بكينا، كم اغتربنا، وكم غنَّينا، وكم ضقنا بعلاقات حبِّ قضت عليها حسابات الإقليم والمرحلة. على ذكر الحب، كيف وضْع الحب معك يا نصّاب؟ تعال وحدّثني عن آخر مغامراتك. تعال نجلس على شاطئ بحرنا الذي لم يتغيّر.احجز أقرب طائرة وتعال. عازمك على أحلى بيرة!

تنشر بالتزامن مع مدونة سيرة لاجىء

للكاتب نفسه

داعش والأربعون مثقّفًا

محمود عمر 2014-12-07

ضجّ الفضاء الإلكتروني الفلسطيني في الأيّام الأخيرة بأحاديث تتعلّق بالدولة الإسلاميّة ووجودها في قطاع غزّة. جاء هذا بعد أن عثر طلاب في جامعة الأزهر بغزّة على بيان يحمل شعار الدولة...

لا نريد «رام الله» أخرى هنا

محمود عمر 2014-10-22

«ما حققناه، وأقول هذا تواضعًا، هو أننا خلقنا رجالاً جددا»: الجنرال كيث دايتون، مدير المركز الأمني الأميركي في الضفّة الغربيّة، في خطابه أمام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.قدّمت الحكومة الفلسطينيّة...