في مصر: اللاجئات السودانيات متروكات لمصيرهنَّ أمام وباء كورونا

شهادات العديد من الحالات المصابة بكورونا من بين اللاجئين تشير الى عدم استقبالهم في مستشفيات العزل، وتوقف مفوضية اللاجئين وهي المعنية بهم، عن الرد على مكالماتهم، خلال مساعيهم للحصول على سرير للرعاية في مستشفًى.
2020-12-09

حسام ربيع

صحافي من مصر


شارك
حي "أرض اللواء"، تصوير عبد الله محمد.

لم يأت في بال تيسير عبد الرؤوف، اللاجئة السودانية، أنها ستخرج مطرودةً من منطقة اسمها "أرض اللواء" وكأنها ارتكبت جُرماً كبيراً. استقرت في هذا الحي الشعبي، منذ أن وطأت قدماها أرض مصر لأول مرة في 2016. ليس للحي نسبة من حظ اسمه، الذي يوحي للوهلة الأولى بأنه فخمٌ، لكنه في الواقع أحد أفقر المناطق في محافظة الجيزة وأكثرها شعبية، وهي شروط كافية لتجعله محطة استقطاب رئيسية لتيسير، وغيرها من اللاجئين القادمين من دول فقيرة من إفريقيا والشرق الأوسط، حيث يمكنهم الذوبان (الانخراط والتأقلم) وسط أشخاص يتكافؤون معهم في وضعهم المزري.

في ساعة متأخرة من كل مساء - دون عطلٍ أسبوعية - كانت تيسير تعود منهكةً إلى شقتها الصغيرة التي لا تتعدى غرفتين وحماماً ومطبخاً، بعد عمل لأكثر من 10 ساعات، كمصففة شعر في محل في الحي. تؤمن بأن لعملها ضرورة قصوى، وهي دفع الإيجار البالغ 1500 جنيه شهرياً، وتوفير احتياجات أطفالها الأربعة (3 بنات وولد) الذين ترعاهم وحيدةً منذ قدومها، بالإضافة إلى تكاليف تعليمهم.

وصمة الإصابة بكورونا

في بداية تموز/ يونيو الماضي، انقلبت حياة تيسير عبد الرؤوف رأساً على عقب. أصيبت هذه الأم وابنها الأكبر، أسامة (18 عاماً)، بفيروس كورونا المستجد. حاولت الأم التواصل مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وهي مسجلة لديها كلاجئة، لمساعدتها في دخول إحدى المستشفيات.

طلبت منها المفوضية التواصل مع شريكتها مؤسسة "Save the Children" التي اقترحت عليها التوجه إلى المستشفيات الحكومية التي توفر عزلاً لحالات الإصابة بكورونا. رفضت مستشفيات العزل الواحدة تلو الأخرى، استقبالها، لأنهم لم يتلقوا تعليمات باستقبال لاجئين.

يوحي اسم حي "أرض اللواء" للوهلة الأولى بأنه مكان فخمٌ، لكنه أحد أفقر المناطق وأكثرها شعبية في محافظة الجيزة، وهو يستقطب اللاجئين القادمين من دول فقيرة في إفريقيا والشرق الأوسط، حيث يمكنهم الذوبان - الانخراط والتأقلم - وسط أشخاص يتكافؤون معهم في وضعهم المزري.

تتصل اللاجئة السودانية هاتفياً مجدداً بشريكة المفوضية، التي تنصحها بالتوجه إلى مستشفى "قصر العيني" بوسط القاهرة، موضحةً أنها تقدم فحص كورونا مقابل مبلغ مادي، وأنه عليها دفع الكثير من الأموال من أجل الحصول على سرير في المستشفى. تعاود اللاجئة الاتصال بالمفوضية، لكنها لا تتلقى أي رد على مكالماتها المتكررة.

مع تفاقم حالتها الصحية وابنها، نصحها عضو في مركز "الأجنحة القوية" الذي يديره 4 ناشطين سودانيين لمساعدة اللاجئين الأفارقة في مصر، بطبيب خاص يوفر برنامجاً علاجياً للحالات التي يتم عزلها في المنزل. تُخرج الأم الأموال التي ادخرتها لتوفير مصروفات العام الدراسي الجديد لأبنائها، وتدفعها لتكاليف العلاج.

لم تتوقع هذه اللاجئة أن الإصابة بكورونا لن تكون المعضلة الوحيدة التي ينبغي أن تركز عليها اهتمامها للخروج منها. سريعاً، ينتشر خبر إصابتها وأسرتها في الحي. تتلقى اتصالاً من صاحب السكن يمهلها يومين من أجل مغادرة شقتها، ودفع إيجار الشهر المتأخر.

تدخّل الطبيب المعالج محاولاً إقناع صاحب السكن بخطورة وضعها الصحي في الوقت الحالي، ليتراجع الأخير عن قراره مؤقتاً. وفي نهاية تموز/ يونيو، بدأت صحة تيسير وابنها بالتحسن. لكن سلسلة مشكلات جديدة بدأت تطارد أسرتها: فصاحبة محل تصفيف الشعر التي تعمل لديها رفضت عودتها للعمل، متذرعةً بأن زبائنها يرفضون التعامل مع مصابة بكورونا، وباتت نظرات أهالي الحي قلقةً تجاهها، فتجنبوا التعامل معها وكأنها "فيروسٌ متحرك". أما صاحب السكن، فضغط عليها لمغادرة سكنها. أمام هذا الوضع، قررت تيسير ترك الحي، والبحث عن مكان جديد لا يعرف إصابتها السابقة بكورونا.

مقالات ذات صلة

تيسير واحدةٌ من أفراد جالية سودانية ضخمة يبلغ تعدادها 3.8 ملايين مهاجر بحسب إحصاءات المنظمة الدولية للهجرة، جاؤوا إلى مصر هرباً من الفقر والظروف المتردية في بلادهم، أو من الحرب التي وقعت في إقليم دارفور. بعضهم يعد مصر محطةً انتقالية للتوجه إلى أوروبا. وعلى الرغم من العدد الهائل، لا يحظى سوى 49 ألفاً منهم بخدمات وإعانات مالية من المفوضية السامية للاجئين، بعد تسجيلهم لديها كلاجئين وطالبي لجوء.

على المستوى القانوني، يمكن للمهاجرين السودانيين الانتقالُ والإقامة والعمل أو الحصول على ممتلكات في مصر، بالإضافة إلى دخول المدارس وتلقي العلاج في المستشفيات العامة، وفقاً لاتفاقية "الحريات الأربعة" الموقعة بين القاهرة والخرطوم في عام 2004. لكن على أرض الواقع، فالوضع مغاير تماماً، حيث لا يحظى المهاجر بالجزء الأكبر من هذه الحقوق المنصوص عليها في المعاهدة، وهو ما اتضح مع أزمة كورونا، حيث رفضت المستشفيات الحكومية استقبال الكثير من المصابين بالفيروس منهم.

وفي حزيران/ يونيو الماضي، أقالت وزيرة الصحة مدير مستشفى المطرية التعليمي بالقاهرة، بعدما أثار فيديو جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر وفاة لاجئ سوداني مصابٍ بكورونا دون تقديم المستشفى العلاج له.

غياب المساعدات المالية لغالبية المهاجرين، وعدم كفاية الإعانات التي تقدمها المفوضية للعدد الضئيل المسجل لديها، يجبر اللاجئ على البحث عن عمل يوفر احتياجاته. ولا يسمح القانون المصري بإلحاق اللاجئين بقطاع العمل الرسمي، لذا لا يبقى أمامهم سوى القطاع غير الرسمي الذي لا يضمن الحد الأدنى من الحماية، ولاسيما بالنسبة للاجئات العاملات في المنازل، اللاتي يتعرضن للكثير من حوادث الاستغلال أو المعاملة السيئة.

انقلبت حياة تيسير عبد الرؤوف رأساً على عقب. أصيبت وابنها الأكبر بفيروس كورونا المستجد. حاولت الأم التواصل مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وهي مسجلة لديها كلاجئة، لمساعدتها في دخول إحدى المستشفيات. عبثاً!

لم تتوقع اللاجئة أن الإصابة بكورونا لن تكون المعضلة الوحيدة التي ينبغي أن تركز عليها اهتمامها للخروج منها. سريعاً، ينتشر خبر إصابتها وأسرتها في الحي. تتلقى اتصالاً من صاحب السكن يمهلها يومين من أجل مغادرة شقتها، ودفع إيجار الشهر المتأخر.

تعمل السيدات في مهن متواضعة غير مستقرة وغير مستدامة، مثل تنظيف المنازل أو بيع المنتجات السودانية في مصر، أو تصفيف الشعر أو الحناء. جاء وباء كورونا ليهدد هذا العمل الهامشي أيضاً. بين ليلة وضحاها، تفقد السيدات مصدر الدخل الضئيل الذي يعيلهنَّ، ليجدن أنفسهنَّ في الشارع مطرودات من المساكن لعدم قدرتهنَّ على دفع الإيجار لأشهر متتالية، أو لتعرضهنَّ للإصابة بفيروس كورونا، وهذه "وصمةٌ كبيرة"، وأمرٌ غير مقبول في نظر جيرانهم أو صاحب المسكن.

"المهاجرون من السودان والدول الإفريقية الأخرى، ولاسيما النساء، هم الشريحة الأكثر هشاشة في المجتمع، والتي تدفع ثمن وباء كورونا لأنها محرومة في الأساس من الخدمات الأساسية"، يوضح أمير خالد (39 عاماً)، مدير مركز "الأجنحة القوية"، في حي فيصل، بمحافظة الجيزة.

أسس خالد وزملاؤه هذا المركز في بداية 2015، لتقديم الدروس التعليمية لأطفال المهاجرين. ومع انتشار فيروس كورونا، اتسع نشاط المركز لمساعدة الأسر المتضررة من الوباء في حي فيصل، والأحياء المجاورة التي تضم كتلةً إفريقية مهاجرة كبيرة، أغلبها سودانية وإريتيرية، معتمداً على تبرعات الأسر الميسورة من اللاجئين. مع تفاقم الأزمة، أنشأ العاملون في المركز، "مجموعات استغاثة" على فيسبوك وتطبيق "واتس آب"، للحصول على المساعدة من لاجئين سودانيين يقيمون في الخارج، ولاسيما فرنسا والولايات المتحدة.

منذ بداية انتشار الوباء، أحصى المركز في حي فيصل والأحياء المجاورة، أكثر من 800 أسرة تضررت بشكل مباشر من الوباء، من بينهم 170 أسرة فقدت مسكنها، بينما الغالبية فقدت العمل. قدم المركز مساعدات غذائية لأكثر من 350 أسرة صارت بلا دخل، كما أحصى أكثر من 22 حالة إصابة بالفيروس بين اللاجئين واللاجئات في المنطقة. ساعد المركز أيضاً بعض الأسر التي طُردت من مسكنها على إيجاد غرف للإقامة المؤقتة، لدى أسر سودانية أخرى.

مع غياب دور المفوضية، تحول المركز إلى ملاذ لمئات الأسر المتضررة. "بعض الأسر التي فقدت سكنها، جاءت للإقامة في المركز مع أطفالها، في انتظار أن نجد لهم غرفة لدى أسر سودانية أخرى. في أيار/مايو، أصبح مقر المركز مزدحماً، حتى كنا نخشى انتشار كورونا بين المقيمين هنا".

نعيش على نصف كيلو من الأرز يومياً

رغم قسوة وضع عائلة تيسير عبد الرؤوف، إلا أنها تبدو أخف وطأة من حالة عزيزة عبد الرحيم (أم علاء)، وهي أم لخمسة أطفال. منذ مجيئها إلى مصر، تعمل أم علاء (43 عاماً) كعاملة في المنازل، مهنة اضطرت للعمل بها رغم إصابتها بانزلاق غضروفي وداء السكري. في آذار/ مارس الماضي، زارهم فيروس كورونا، لتكون له تبعات أخطر على حياة هذه العاملة وأسرتها من الأمراض التي تعاني منها.

سريعاً، تحولت أم علاء إلى "حاملة عدوى محتملة ينبغي تجنبها" في نظر الأسر التي تعمل لديهم، باعتبارها تخالط أسراً مختلفة، وتأتي من منطقة شعبية مزدحمة. "مع توقف العمل، اتصلت بالعديد من الأسر التي أعمل لديهم لطلب خدمتهم مقابل نصف الأجر، لكنهم رفضوا"، توضح السيدة الأربعينية التي تقيم في حي فيصل.

توقفْ العمل له تبعاته على أسرة تعيش يوماً بيوم منذ مجيئها إلى مصر عام 2013. تفشل أم علاء في دفع الإيجار لثلاثة أشهر متتالية (1400 جنيه شهرياً)، متحملةً تهديدات يومية من صاحب الشقة. أمام هذا الوضع، اضطرت اللاجئة إلى تنظيف مداخل وسلالم المبنى المكون من 12 طابقاً مرتين أسبوعياً، حتى يتسامح صاحب الشقة التي تقطن فيها مع تأخر دفعها للإيجار.

في بداية آب/ أغسطس الماضي، تجد أم علاء، نفسها وأسرتها في الشارع بعد سماع صاحب الشقة سعالها على مدخل المبنى. يجبرها صاحب الشقة على التخلي على ما تبقى لديها من أثاث مقابل الإيجار الذي لم تدفعه.

الكثيرين حاولوا الاستفادة من مأساة اللاجئات، مقترحين عليهنَّ تقديم خدمات جنسية مقابل مد يد المساعدة لهنَّ. بعض هؤلاء اللاجئات استجبن لهذه العروض، لعدم قدرتهنَّ على توفير الطعام لأسرهنَّ.

بعد طردها من المنزل، اضطرت للإقامة مؤقتاً لدى أسرة سودانية أخرى في الحي، لحين الحصول على سكن جديد. وتقول "اتصلت بمفوضية اللاجئين الذين طلبوا مني التواصل مع منظمة "بستيك PSTIC" شريك المفوضية، لمساعدتي في الحصول على سكن جديد. رد المسؤولون أنهم سيدرسون حالتي ويتصلون بي سريعاً، لكن لم أتلق مكالمة أخرى منهم. كل مرة أتصل بهم يطلبون مني تقديم البيانات نفسها، ويقولون سيدرسون حالتي".

جراء فشل جميع اتصالاتها بالمفوضية، طلبت أم علاء المساعدة من الأشخاص الذين عملت لديهم أو معارفها. "البعض حاول استغلال أزمتي وطلب مني خدمات جنسية، لكني رفضت"، تقول أم علاء.

هي ليست الحالةَ الوحيدة. يكشف أمير خالد مدير مركز "الأجنحة القوية" أن الكثيرين حاولوا الاستفادة من مأساة اللاجئات، مقترحين عليهنَّ تقديم خدمات جنسية مقابل مد يد المساعدة لهنَّ، بعض هؤلاء اللاجئات استجبن لهذه العروض، لعدم قدرتهنَّ على توفير الطعام لأسرهنَّ. "تلقينا شهادات لأربع سيدات اضطررن للتوجه إلى ممارسة الجنس مقابل المال، حتى يتمكنَّ من العيش، إحداهنَّ قبلت بعلاقة مقابل 50 جنيهاً (3.2 دولار)"، يضيف اللاجئ الذي يقيم في مصر منذ 20 عاماً.

في تقريرها المنشور في أيلول/ سبتمبر 2020، أوضحت مفوضية اللاجئين أنها تلقت بلاغات عن حوادث عنف جنسي ضد اللاجئات، دون أن تكشف عن رقم محدد لضحايا هذا العنف.

من الهروب من دارفور إلى التشرد في شوارع القاهرة

حالة أميرة أحمد (34 عاماً) وهي أمٌّ لثلاثة أطفال، لا تختلف كثيراً عن حالة أم علاء. جاءت إلى مصر في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، هرباً من الوضع المأساوي في إقليم دارفور بعد فقد زوجها في الصراع المسلح، وهي لم تضع في توقعاتها أنها ستأتي مصر لتجد نفسها في النهاية دون عمل، وتقيم في غرفة صغيرة لدى أسرة سودانية أخرى منذ أكثر من 4 أشهر.

"جئنا إلى مصر متوقعين أن الوضع سيكون أفضل، لكن وجدنا أنفسنا مشردين في النهاية"، تقول أميرة، التي كانت تعمل كخادمة في المنازل، قبل أن تستدرك: "أقيم حالياً في غرفة لدى أسرة سودانية متزوجة حديثاً، وللأسف، فهذه الأسرة هي الأخرى مهددة بالطرد لعجزها عن دفع الإيجار منذ آب/ أغسطس".

يبلغ عدد أفراد الجالية السودانية المهاجرة في مصر 3.8 ملايين شخصاً بحسب إحصاءات المنظمة الدولية للهجرة، جاؤوا إلى مصر هرباً من الفقر والظروف المتردية في بلادهم، أو من الحرب التي وقعت في إقليم دارفور. ولا يحظى سوى 49 ألفاً منهم بخدمات وإعانات مالية من المفوضية السامية للاجئين، بعد تسجيلهم لديها كلاجئين وطالبي لجوء.

قليلاً ما ترد المفوضية على اتصالات السيدة، ولكنها حين تفعل تكون إجابتها مقتضبة، فلا تسمع من مسؤولي المفوضية إلا جملة واحدة: "للأسف، ليست هناك ميزانية". تضيف أميرة: "لا أملك سوى الصبر والدعاء".

مفوضية اللاجئين "لا ترد"

مع ظهور كورونا، أسرعت مفوضية اللاجئين في مصر إلى تجميد جميع أنشطتها وألغت المقابلات، مكتفيةً بالتعامل مع المهاجرين عبر الهاتف والبريد الإلكتروني، مع إنشاء مجموعات "واتساب" تنشر فيها تعليمات الوقاية ضد الفيروس. مع تفاقم الأزمة، تكاثرت الاتصالات على الأرقام القليلة التي وفرتها المفوضية. لا ترد المفوضية على غالبية المكالمات. ليس للاجئين في مصر سوى المفوضية كطوق وحيد، أو هكذا يفترض، فيكررون الاتصال دون جدوى، لتصبح هذه الأرقام مشغولةً دائماً.

منذ نقل المفوضية مقرها إلى "مدينة 6 أكتوبر" المتاخمة للعاصمة عام 2006 عقب اعتصام للاجئين السودانيين أمام المقر القديم، أصبح التعامل مع موظفي المفوضية أمراً صعباً. فمقر المفوضية يشبه "قلعة" يصعب دخولها. يُجبَر اللاجئون على إجراء مكالمات، وشرح معاناتهم على الملأ أمام الآخرين من الهاتف المثبت في مدخل المقر. ثم أصبح الوضع أسوأ، فمكالماتهم لم تعد تتلقى ردوداً. تقول المفوضية في تقريرها إنها تلقت بين منتصف آذار/ مارس، وحتى آب/ أغسطس أكثر من 73 ألف اتصال، لكنها لا تكشف عن مدى استجابتها لطلبات المتصلين.

على موقعها الإلكتروني، تحتفي المفوضية بجاهزيتها لإطلاق عملية مساعدة، وتقديم مواد إغاثة خلال 72 ساعة في الأوضاع الطارئة، معتمدةً على نشر الفرق المتخصصة، وشبكة واسعة من المنظمات الشريكة التي تملكها. لكن أزمة كورونا كشفت عن عدم جهوزية المنظمة، أو محاولة التحرك على مدار الأزمة التي اندلعت منذ أكثر من 7 أشهر. ظلت المفوضية غائبةً في الوقت الهام خلال الأزمة، ولم تعد للعمل تدريجياً إلا مع تراجع الوباء في آب/أغسطس الماضي.

تؤكد أميرة مصطفى، مسؤولة التواصل الاجتماعي لدى منظمة "أطباء العالم Médecins du monde"، المختصة بتقديم الدعم النفسي للاجئين، أن تعامل مفوضية اللاجئين مع أزمة كورونا في مصر كان كارثياً، حيث ترك الجميعُ المهاجرين يواجهون الأزمة بمفردهم، ولم تفكر المفوضية بالتنسيق مع إحدى المستشفيات لاستقبال حالات مهاجرين مصابين بكورونا.

دفع غياب المفوضية قطاعاً كبيراً من اللاجئين للبحث عن أي منظمات أخرى يمكنها أن تمد يد العون لهم. "مئات اللاجئين، منهم على الأقل 20 مصاباً بكورونا، تواصلوا معنا لطلب المساعدة خلال جائحة كورونا، بعد فشل كل محاولتهم للوصول للمفوضية"، توضح المسؤولة في مؤسسة "أطباء العالم"، قبل أن تستدرك: "للأسف، لم نتمكن من تقديم مساعدات مادية أو طبية لهم، لأن ذلك ليس جزءاً من مهام منظمتنا".

توضح أميرة مصطفى: "نحن والمنظمات المحلية التي تخدم اللاجئين فشلنا أيضا في الوصول إلى المفوضية، أرسلت عشرات الرسائل الإلكترونية للمفوضية، أشرح أوضاع حالات تواصلت معنا وتحتاج للمساعدة، لكن لم أتلق رداً أيضاً". أمام الوضع الصعب للحالات التي تواصلت معها، لجأت أميرة وبعض زملائها في المنظمة لجمع تبرعات بشكل فردي، ومحاولة البحث عن طرق أخرى لتقديم يد العون.

هذا التجاهل الذي تُتهم به المفوضية كانت له تداعياتٌ قاتلة لبعض حالات المهاجرين الذين أصيبوا بكورونا. ففي تموز/ يوليو الماضي، أصيبت اللاجئة الصومالية، مريم (34 عاماً) – عاملة منزلية - بالفيروس بعدوى من الأسرة التي تعمل لديها. انتقلت العدوى إلى زوجها بعد أيام قليلة من إصابتها.

على مدار أيام، حاولت مريم التواصل مع مفوضية اللاجئين من أجل نقلها وزوجها إلى إحدى المستشفيات، لكن دون جدوى، ليفقد زوجها حياته خلال عملية البحث عن مستشفًى يستقبله. وكادت مريم أن تلحق به، لولا تدخل الأسرة التي كانت تعمل لديها، لتوفير طبيب خاص في نهاية المطاف.

يشرح أمير خالد أنه في شهر أيار/ مايو قدمت المفوضية 100 جنيه فقط، كمساعدات للاجئين لشراء معقمات وأدوات وقاية، ولم تتكرر هذه المساعدة في الأشهر التالية على الرغم من تفاقم الوباء. بل على العكس، فقد كشفت بعض اللاجئات أنهنَّ فوجئن بتوقف جزء من الإعانات الشهرية التي تصرفها لهنَّ المفوضية، دون أسباب، والتي تتراوح بين 400 إلى 1400 جنيه، مثل حالة أم علاء، إذ خفضت المفوضية النسبة التي تتكفلها في الأدوية من 50 في المئة إلى 35 في المئة منذ آذار/مارس الماضي. وتأخر تدخل المفوضية حتى شهر أيار/ مايو، عبر الإعلان عن تقديم بعض المساعدات الغذائية التي وفرتها منظمة الغذاء العالمية.

للمفوضية روايةٌ أخرى مختلفة، إذ أوضحت مسؤولتها الإعلامية رضوى شرف، أن المفوضية واصلت صرف المساعدات النقدية الشهرية متعددة الأغراض لحوالي 40450 شخص من الفئات الأكثر ضعفاً، بالإضافة إلى منحة مسلتزمات نظافة لـ40400 شخص، لم يكونوا مدرجين في برنامج المساعدات في أيار/ مايو الماضي.

مقالات ذات صلة

ورداً على سؤال بشأن عدم التنسيق مع مستشفًى حكومي لاستقبال حالات الإصابة من اللاجئين، بينت رضوى أن المفوضية كثفت استجابتها لاستفسارات اللاجئين، وطالبي اللجوء على منصات التواصل الاجتماعي. قائلة إن الحكومة المصرية منحت للاجئين، وطالبي اللجوء حق الوصول إلى الرعاية الصحية الأولية والثانوية والطوارئ العامة على قدم المساواة مع المواطنين المصريين منذ 2016.

ويأتي هذا الرد مخالفاً لشهادات العديد من الحالات المصابة من اللاجئين بعدم استقبالهم في مستشفيات عزل، وتوقف المفوضية عن الرد على مكالماتهم، خلال مساعيهم للحصول على سرير للرعاية في مستشفًى.

بحالة من الفزع، تراقب مريم وباقي اللاجئات التزايدَ في إصابات كورونا بمصر خلال الأيام الأخيرة، الذي ينبئ بموجة عدوى جديدة. تخشى اللاجئات أن تتفاقم معاناتهنَّ مرة أخرى، لتترك المزيد منهنَّ في الشارع بدون سكن أو عمل، دون أن يجدن مجدداً مفوضية اللاجئين بجانبهنَّ.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه