تفاقم أزمة السكن في موريتانيا

يسيطر موضوع ارتفاع أسعار السكن في نواكشوط على أحاديث الموريتانيين هذا العام. وتعاني العاصمة الموريتانية ازمة سكن متفاقمة حيث ثلث الموريتانيين يسكنون في نواكشوط لأسباب عديدة من أهمها غياب اللامركزية، في وقت تقف السلطات عاجزة عن وضع سياسات عمرانية. تضاعف سعر شراء المنازل في بلد يعيش أكثر من خمسين في المئة من أبنائه تحت خط الفقر. ويكثر الإقبال على الإيجار الشهري الذي قفز خلال الأعوام القليلة
2015-09-08

المختار ولد محمد

صحافي من موريتانيا


شارك
شنقيط، موريتانيا

يسيطر موضوع ارتفاع أسعار السكن في نواكشوط على أحاديث الموريتانيين هذا العام. وتعاني العاصمة الموريتانية ازمة سكن متفاقمة حيث ثلث الموريتانيين يسكنون في نواكشوط لأسباب عديدة من أهمها غياب اللامركزية، في وقت تقف السلطات عاجزة عن وضع سياسات عمرانية. تضاعف سعر شراء المنازل في بلد يعيش أكثر من خمسين في المئة من أبنائه تحت خط الفقر. ويكثر الإقبال على الإيجار الشهري الذي قفز خلال الأعوام القليلة الماضية من مئة دولار في حي "تفرغ زينة" الفخم إلى ألف دولار، ومن خمسين دولارا في حي "عين الطلح" الشعبي إلى اربعمئة دولار، وهي أسعار مرتفعة بالنسبة للموريتانيين، حيث لا يتجاوز راتب الطبيب أو المعلم أو الضابط الصغير الثلاثمئة دولار شهرياً.

النزوح وأسعار العقارات

يرجع بعض الاقتصاديين أسباب ارتفاع أسعار السكن إلى عوامل من أبرزها نزوح الموريتانيين من البادية الى العاصمة بفعل الجفاف.
وقد انشأ الرئيس الموريتاني الأسبق المختار ولد داداه مدينة نواكشوط في سنة 1957، وهي كانت مجموعة من الآبار يسكنها بعض ملاك الأغنام والجمال، وأخذت المدينة اسمها من الواقع حيث النوق والشاطئ معاً ثنائية نادرة، لأن الإبل عادة تعيش في الصحاري بعيدا عن الشواطئ. وتشير الإحصاءات إلى أن المدينة كانت مؤهلة لاستقبال ربع مليون نسمة عام 2010، أي بعد خمسين عاما من نشأتها. إلا أن الجفاف الذي ضرب موريتانيا في سبعينيات القرن الماضي دفع إلى هجرة البوادي، وكانت نواكشوط هي المدينة الوحيدة التي توجد فيها متطلبات الحياة من ماء وكهرباء ومدارس .
اكتظت العاصمة في ثمانينيات القرن الماضي مع تفاقم الجفاف والتصحر، لتتحول من مدينة لا يتجاوز طولها ثلاثة كيلومترات وعرضها كيلومترين إلى مدينة مترامية الأطراف يزيد طولها اليوم على الثلاثين كلم وعرضها على العشرين، وتضم ثلاث محافظات لكل منها حاكم وعمدة ومصالح خدمية.
انتعشت سوق العقارات بشكل كبير خلال فترة الخمسة عشر عاما الماضية، بالتزامن كذلك مع بدء استغلال معدن الذهب. وبات الحصول على شقة في العاصمة الموريتانية أشبه باستعادة الحقوق التي يناضل من اجلها الموريتانيون في شركات المعادن التي تستغل ذهبهم ولا تدفع لهم أكثر من ثلاثة الى أربعة في المئة من المداخيل.
يرى العاملون في سوق العقارات ان للارتفاع ما يبرره بسبب ضعف العرض مقارنة بالطلب. ويؤكد أحد ملاك الشركات العقارية أن الطلب على السكن في نواكشوط ارتفع بسبب إقبال الشركات المعدنية على البلاد في وقت لا تزال المدينة في حاجة ماسة إلى العمارات التي تمتص الطلب المتزايد وفي وقت أصبح الشباب الموريتاني يطمح لشقق سكنية غير تلك التي عاش فيها طفولته، أي "العشوائيات".
لكن بعض أصحاب العقارات يتساءلون عن السبب الحقيقي لهذا الارتفاع الذي يعتبرونه غير مبرر في وقت منحت فيه السلطات نحو ربع مليون قطعة أرض صالحة للبناء خلال الأعوام الخمسة الماضية ضمن حملتها للقضاء على الاحياء المهمشة في العاصمة نواكشوط.

ضعف البنى التحتية

لا يصل إنتاج البلد من الاسمنت سنويا الى مليون طن، ويبلغ ثمن طن الاسمنت 200 دولار، في حين يرتفع سعر حديد البناء. ولا تتجاوز عدد العمارات فيه العشرين ألفا، بينما تقل أعمار 52 في المئة من أبنائه عن العشرين سنة، وهو ما يعني تزايد الطلب خلال الأعوام القادمة.
ولم تقم اي من السلطات التي حكمت البلاد طيلة العقود الماضية بإنشاء بنى تحتية تليق، وهو ما جعل الرئيس الحالي يحمّل أسلافه المسؤولية عندما غمرت المياه الأحياء في العاصمة نواكشوط خلال الخريف الماضي بسبب غياب شبكات الصرف الصحي.
ووفق دراسة رسمية، يعيش 64 في المئة من الموريتانيين في الخيام والأعرشة والأكواخ، في حين يعيش الباقي في بيوت إسمنتية لائقة. ولا تتوفر وفق الدراسة لدى 51 في المئة من الأسر الموريتانية مراحيض.
وأمام هذه الوضعية، طالب عدد من النقابات العمالية السلطات بإيجاد حل لمشكلة السكن، وطالب الأساتذة والمعلمون في مختلف المحافظات بإيجاد حل بعد قرار السلطات وقف برنامج الإيجار الذي كانت تطبقه، وهو قرار تقول السلطات انه سيساعد على توزيع مخصصات السكن بعدالة على عمال الدولة، وتقول الحكومة انها بدأت بصرف بدل سكن بشكل عادل لجميع الموظفين.
ويلوح المدرسون في موريتانيا بالإضراب وترى النقابات التعليمية أن السكن من أولى الأولويات وان الأسعار لم تعد تطاق. وترى النقابات العمالية ان الحل اليوم يكمن في منح المعلمين والأساتذة قطعا أرضية كحل وسط. وفي خضم هذه المشاكل شرعت السلطات في تشييد بعض المساكن في مدن من بينها مدينتي نواذيبو وازويرات العماليتين، وهو مشروع بلغ تمويله أكثر من سبعة مليارات اوقية موريتانية (أي ما يعادل نحو أربعين مليون دولار)، ينتظر أن يكتمل العام المقبل. لكن النقابات العمالية ترى انه لا يكفي، لان المستفيدين منه لا يشكلون أكثر من 30 في المئة من الموظفين. 


وسوم: العدد 159

للكاتب نفسه