تفاجأ الموريتانيون بتراجع حجم الأخطبوط في شواطئهم، مما جعل الخبراء يدقون ناقوس الخطر. وهو خطر جرى توقعه في الأعوام الماضية، مع ازدياد عمليات التنقيب على شواطئ البلاد. "ها قد حصل" يقول حمدي ولد سعيد، الأخصائي الذي أجرى بصحبة خبراء موريتانيين آخرين دراسات بحرية عدة كان آخرها خلال الربع الأول من العام الجاري. لذا، سارع الموريتانيون الى تمديد فترة الراحة البيولوجية التي يحرَّم فيها صيد مختلف الأسماك، ضمن إستراتيجية أقرتها الحكومة الموريتانية منذ سنوات بسبب التهديد اللاحق بالثروة السمكية، بناء على دراسة أعدها خبراء من المعهد الموريتاني للمحيطات والصيد في نواذيبو شمال البلاد، ونشرت مؤخراً. وقد أوضح المعهد في بيان له أن نتائج الحملات العلمية الأخيرة المُنظّمة من طرفه، على متن سفينة الأبحاث "العوام" التابعة له، مكنت من ملاحظة نسبة معتبرة من الأفراد غير الناضجة من الأخطبوط خصوصا في المنطقة الشمالية والوسطى، ووصلت النسبة الى 48 في المئة. كما لاحظت الدراسة مردودية ضعيفة تتحسن كلما زادت الأعماق على ثمانين مترا، وهي المناطق التي لا يمكن عادة أن يصلها الصيادون
التقليديون.
الراحة البيولوجية
تمتد شواطئ البلاد على سبعمئة وخمسين كلم من الاطلسي، ولعل من ابرز أهداف الراحة البيولوجية حماية إناث الأخطبوط في حالة الإخصاب، وكذلك الأفراد غير الناضجة التي تزن أقل من خمسمئة غرام. وكان تناقص الأخطبوط قد دفع السلطات عام 2012 الى إجازة قانون أصبح بموجبه صيده مقتصرا على الأسطول الوطني. ويرى مختصون أن تراجع وزن الأخطبوط، كغيره من الأسماك، قد يكون متأثراً بعمليات التنقيب عن النفط والغاز، واستخراجه في شواطئ موريتانيا. وتبدو اللوحة قاتمة وفق مصادر متعددة، فموريتانيا التي تراجع الى النصف إنتاجها من النفط المستخرج من شواطئ نواكشوط (من 75 ألف برميل يوميا) تعاني أضرارا بيئية ما زالت فاعلة. ويذهب البعض الى أن الباخرة النرويجية "بيرج هيلين" المستخدمة كمنصة للاستخراج والتخزين على شواطئ نواكشوط، هي ذات قاعدة بسيطة وحوض واحد، الأمر الذي يحمل مخاطر جمة على البيئة. وهنا أيضا لا تملك موريتانيا وسائل لرقابة ما يقذف في البحر.فالنفط يستخرج من عمق البئر في شكل مزيج من الماء والغاز والنفط والأتربة وبعض المواد العضوية المتحللة. بعد ذلك تتم معالجة الخليط على سطح المنصة العائمة باستخدام أجهزة ضاغطة لفصل النفط الخام عن الماء والغاز، ليتم تخزينه في محطة التخزين العائمة قبل تجميع الماء والغاز والأتربة المتبقية من عملية فصل النفط تلك وهي تحتوي على كميات من النفط الخام لم تُفصل وعلى غازات سامة ومواد عضوية ملوثة. وبحسب خطة حماية البيئة المتفق عليها بين ممثل الشركات الأجنبية (بتروناس حاليا) والحكومة الموريتانية، فان الأولى ملزمة إما بإعادة معالجة المياه والغازات حتى التأكد من عدم احتوائها على النفط والمواد الملوثة، قبل التخلص منها في منطقة محددة ومتفق عليها داخل المياه الوطنية، أو أن تقوم "بتروناس" بتجميع تلك النفايات في حاويات والتخلص منها خارج المياه الموريتانية.الخطير أن "بتروناس"، وقبلها "وودسايد"، لا تحترم تلك الضوابط البيئية وتعمد الى إعادة إرجاع نفايات المياه والغازات الملوثة مباشرة الى قاع البحر. وحسب تقرير للشركة الموريتانية للمحروقات فقد قامت "وودسايد" خلال عام 2006، بإعادة أربعة ملايين برميل من الماء الملوث المتبقي عن عمليات الفصل مباشرة إلى مياه البحر دون معالجته. أي انه تم سكب ستة وثمانين برميلا من النفط مباشرة في مياهنا، مع أن اتفاقية "ماربول" الدولية لحماية البيئة البحرية تحظر تجاوز معدل ثلاثة براميل في كل مليون برميل من النفايات السائلة. وهكذا، فما تم قذفه في مياه البلاد يبلغ سبعة أضعاف المعدل الأقصى المسموح به دوليا، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على الثروة السمكية والأحياء البحرية. وبالإضافة إلى المياه الملوثة، يتم حرق ثلاثين مليون متر مكعب من الغاز الملوث المتبقي عن عمليات فصل النفط، مع احتوائها على غازات ثاني أكسيد الكربون والنتروجين والأكاسيد العضوية السامة والتي تسبب الانحباس الحراري والاضطرابات المناخية الخطيرة.ووفق دراسة حديثة، فإن منطقة النشاط النفطي تحت أعماق المحيط في موريتانيا تتميز بكثافة أنشطة الصيد بها، ما يجعلها "منطقة مخاطر معتبرة على صعيد التداخل الجلي بين الكميات المصدرة من الأسماك والبنى التحتية النفطية". وزيادة على ذلك، "يصعب تقييم انعكاسات التلوث الذي تحدثه صناعات النفط على منطقة الصيد بدقة، كما انه من المستحيل فعلا القيام بتقييم اقتصادي دقيق للتلوث المزمن الذي تتعرض له مخزونات الأسماك".إلا أن المخاطر البيئية على الشواطئ الموريتانية لم تبدأ فقط مع مرحلة استخراج النفط. فقبل الاستغلال، كان الخطر يتمثل في الدراسات الزلزالية، مع أن شركة "وودسايد" تجنبت في تقاريرها الإشارة الى انعكاسات الدراسات الزلزالية على البيئة البحرية. وتذهب الباحثة اكلوف الى أبعد من ذلك فتؤكد أنه في موريتانيا "تمت الدراسات الزلزالية في وقت لم تكن لدى الشركات النفطية معلومات كافية حول البيئة البحرية الموريتانية، ولم تكن تعرف إن كانت تطلق قذائف بنادقها الهوائية نحو طيور مهاجرة أو نحو أسماك في وضعية تكاثر". ويدين باحثون حالة شركة "دانا بتروليوم" البريطانية التي تقوم بالتنقيب في مقاطع بحرية في الساحل الموريتاني، والتي أجرت وبشكل متكرر عمليات مسح زلزالي ثلاثي الأبعاد أثناء فترة هجرة الأسماك نحو الجنوب للتكاثر.
هل نفاد الأخطبوط بداية النهاية؟
يتساءل الموريتانيون عما إذا كان تراجع وزن الأخطبوط هو بداية النهاية، ويذهب البعض إلى أن التأثيرات الأكثر وضوحا ينتظر أن تظهر في المستقبل القريب، فتفريغ مياه السفن يحدث تغييرا جذريا في البنية التكوينية لمناطق شاسعة. ففي البحر الأسود مثلا، أدى ذلك الي تقلص المصادر الغذائية للأسماك ذات القيمة التجارية، ومن ثم قضي على مخزون هذه المنطقة من الأسماك.يخشى الموريتانيون اليوم على ثروتهم السمكية، إذ سيرحل الأجانب تاركين مقبرة من النفايات في شواطئهم، بعد أن يستنزفوا كل شيء... فيكون السمك والنفط في خبر كان.