يستعد الطلاب الموريتانيون في جامعة نواكشوط للدراسة في مركبات جامعية جديدة شيدت على ضفاف الأطلسي، على بعد خمسة كيلومترات من وسط المدينة، بدلا من المباني القديمة التي لم تعد قادرة على استيعاب أعدادهم (20 ألف طالب)، وتوفير الملحقات الضرورية للتعليم الجامعي. تتألف الجامعة من كلية للطب، وأخرى للعلوم والتقنيات، وكلية للآداب والعلوم الإنسانية، في حين سينتظر طلاب آخرون تشييد مبان كلياتهم التي من بينها كليات المعادن والعلوم القانونية والاقتصادية وغيرها.
يتنافس التعليم الجامعي الرسمي المجاني مع أربع جامعات خاصة (واحدة لبنانية وثلاث موريتانية). غير أن ارتفاع الأقساط في هذه الجامعات، والذي يتجاوز ثلاثة آلاف دولار سنويا، حد من الإقبال عليها. ورغم بعض المنجزات (كتلك المدينة الجامعية الجديدة)، وتحفيز الأساتذة عبر تخصيص سبعمائة قطعة ارض في أحياء مميزة من نواكشوط (لبناء مساكنهم عليها)، إلا ان المهتمين بالقطاع لا يعلقون الكثير من الآمال على العملية التعليمية بسبب الافتقاد للخطط في هذا المجال علاوة على تناقض مفرداتها، وبسبب عدم وضع حلول لمشاكل ما زال التعليم الموريتاني يتخبط فيها، وأبرزها مشكلة الأقلية الزنجية (المدعومة فرنسيا) والتي ترفض ما تعتبره تهميشا عربيا لها من خلال فرض لغة الضاد على غير الناطقين بها.
مدارس موريتانيا من الخيمة الى الجامعة
يرجع التعليم في موريتانيا الى مدارس بدوية ما زال بعضها قائما في مناطق مختلفة، حيث يقتصر التعليم على تدريس اللغة العربية وعلوم الشريعة الإسلامية ويطلق عليه محليا "التعليم المحظري". وقد بدأت المدارس النظامية الموريتانية في الانتشار مع أولى اجتماعات مجلس الوزراء في عام 1957. ويتجاوز اليوم عدد التلامذة المرحلة ما قبل الجامعية النصف مليون.
أخذت المدارس التي دخلت تلك الأيام في منافسة مع المدارس البدوية، تدرس جميع العلوم باللغة الفرنسية باستثناء اللغة والدين الإسلامي. ولأن الرئيس الأسبق، المختار ولد داداه، كان مهتما بمواجهة التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء، واستغل علاقاته مع القادة الأفارقة في دعم القضية الفلسطينية، فقد وطد ذلك علاقات موريتانيا ببعض البلدان العربية، فافتتح الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر المركز الثقافي المصري في نواكشوط، وحذا حذوه حكام العراق وسوريا بعد ذلك بسنوات، لتصل الى البلاد بعثات من الدول الثلاث كان لها دور بارز في مساعدة الدولة الوليدة على ترجمة المناهج الفرنسية التي ظل الموريتانيون يرفضون تدريسها لأبنائهم كشكل من المقاومة الثقافية.
ومع افتتاح المركز المصري الذي سيحتفل في شباط/ فبراير القادم بعيده الخمسين، تهافت عليه الموريتانيون من حملة شهادات المدارس البدوية الذين يتقنون علوم القرآن والحديث واللغة العربية. وسارع المركز الى إقامة دورات وتنظيم الثانوية العامة باللغة العربية كسابقة في البلاد، ومن ثم إيفاد بعض الطلبة إلى مصر ولبنان لمتابعة دراستهم.
الطلاب الموريتانيون وهزيمة 1967
شكلت هزيمة 1967 مناسبة لأول تحرك للطلاب الموريتانيين الذين طالبوا بمعاقبة واشنطن مما دفع الرئيس ولد داداه إلى طرد السفير الأميركي من نواكشوط ردا على العدوان على مصر، لتتواصل بعد ذلك نشاطات الطلاب الموريتانيين الذين ظل ارتباطهم بقضايا منطقتهم حاضرا بقوة رغم البعد الجغرافي، ورغم المعارضة الشديدة للدول الخليجية لانضمام موريتانيا الى الجامعة العربية بحجة أن المغرب ظل حتى 1973 يطالب بها كجزء من ترابه.
كانت موريتانيا تبعث بطلابها إلى البلاد العربية وخصوصا المغرب ومصر والعراق وسوريا، غير أن غالبية الطلاب كانت تدرس في المغرب لاعتبارات عديدة منها العلاقات التاريخية والقرب الجغرافي وكثرة المنح التي تقدمها الرباط من خلال "اللجنة المغربية الموريتانية للتعاون" التي كانت تمنح الطلاب الموريتانيين منحة مغربية إضافة للمنحة التي يستلمها الطالب الموريتاني من سفارة بلاده. لكن تداعيات أزمة الصحراء الغربية في نهاية السبعينات، وما سببته من توتر للعلاقة مع الرباط، ستدفع الموريتانيين إلى وقف إرسال الطلاب إلى المغرب واستحداث أول جامعة في البلاد هي جامعة نواكشوط التي افتتحت بكليتين هما الحقوق والاقتصاد، وتعززت بعد ذلك بكليات في مختلف التخصصات، وتتبعها جامعة للعلوم الإسلامية وكليات للتكنولوجيا والمعادن وعلوم البحار.
بداية التراجع
مع وصول الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع لسدة الحكم (1984) سارع الى انشاء مجموعات أمنية مكلفة بالتغلغل في أوساط الطلبة، وتعزز ميله الى القمع بعد استقباله أول سفير إسرائيلي في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما دفع إلى أقوى مظاهرات طلابية تشهدها موريتانيا منذ قيام الدولة وإنشاء "المنظمة الطلابية لمقاومة التغلغل الإسرائيلي"، التي ناهضت التطبيع حتى الإعلان عن إيقافه العام 2008، مع وصول الرئيس الحالي للسلطة. ومع بداية حكم ولد الطايع، وخلال ثلاث سنوات، تضاعف عدد المدارس الخاصة، فبلغ مئة بعد أن كان عددها لا يتجاوز الخمسة، ثم قفز اليوم ليصبح عدد المدارس الخاصة حوالي 3400 مدرسة.
وشجع المستثمرون في التعليم الكوادر التي كانت تمارس التدريس في المدارس العمومية برواتب لا تتجاوز 200 دولار شهريا على العمل في المدارس الخاصة التي باتت تمنح الأساتذة ضعف هذا المبلغ او أكثر. وانتعش التعليم الخاص حتى جذب الأجانب، فافتتح الأتراك فرعا من سلسلة "برج العلم" التركية والتي تشهد إقبالا غير مسبوق بالرغم من الكلفة الباهظة والتي تناهز ألف دولار سنويا.
الثانوية العامة أزمة الموريتانيين
يقال في موريتانيا ان الحصول على شهادة الثانوية العامة هو بمثابة "جواز سفر" إلى الجامعة التي لا يفدها إلا ما يقرب من 10 في المئة من المتقدمين للامتحان: هذا العام نالها أقل من أربعة آلاف طالب من أصل أربعين ألف مشارك. ولعل حجم المباني الجامعية وملحقاتها وقلة المؤهلين لتولي التدريس الجامعي يفسران الاتجاه لحصر أعداد الطلاب الوافدين اليها بهذه الحدود الدنيا.