أثار وصول إبراهيم منير إلى منصب نائب المرشد جدلاً كبيراً في الأسابيع الأخيرة. منير هو الأمين العام للتنظيم الدولي للجماعة، والمتحدث باسم الإخوان المسلمين بأوروبا، ويعيش في لندن. وهو أحد مؤسسي "منتدى الوحدة الإسلامية" هناك. ولد في العام 1937 بمصر، حكم عليه بالأشغال الشاقة لـ 10 سنوات في قضية إحياء تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965، ولم يكن عمره وقتها يتجاوز 28 سنة. كذلك تم اتهامه في عام 2009، في القضية رقم 404 حصر أمن دولة عليا (المعروفة إعلامياً بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين)، وصدر بحقه حكم بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات، ثم صدر قرار بالعفو من الرئيس محمد مرسي، في آب/ أغسطس 2012. يمتلك معرفة قوية بأحوال دول الخليج، وله فيها علاقات، حيث كانت الكويت أول محطاته خارج مصر في أواخر السبعينات.
صعد منير الى منصبه بعد القبض على محمود عزت، نائب المرشد والبالغ من العمر 76 عاماً، وهو أستاذ بكلية الطب في جامعة الزقازيق، وكان الشخصية المركزية الأخيرة المتبقية في مصر مما يعرف بـ"القيادة التاريخية". كان محمود عزت هو حلقة الوصل التي يعتمد عليها محمود حسين، القائد الفعلي لمعسكر القيادات التاريخية المقيم في تركيا. فطبقاً للائحة الداخلية، يبرر محمود حسين شرعية قراراته بالاستناد إلى عزت.
مباشرة بعد موجة تظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013، وانقلاب 3 تموز/ يوليو الذي تلاها، وعزل الرئيس محمد مرسي وقتها، بدأت قيادة الجماعة المركزية، ذات الطابع الهرمي، تتعرض لانهيارات متلاحقة بسبب الضربات الأمنية العنيفة، التي وصلت أحياناً إلى الصف الرابع منها. وبحلول منتصف 2014، تولى محمد كمال قيادة الجماعة، وتم تشكيل مكتب إرشاد جديد. كمال كان أحد أعضاء مكتب الإرشاد قبل الإطاحة بحكم مرسي، ولكنه لم يكن شخصية مشهورة إعلامياً، أو حتى بشكل واسع داخل أوساط الجماعة نفسها. وقد عمل أستاذ طب بجامعة أسيوط. وشغل كمال منصب رئيس "لجنة إدارة الأزمة أو "اللجنة الإدارية العليا" لجماعة الإخوان، التي أدارت أعمال وشؤون الجماعة منذ شباط / فبراير 2014.
اتخذت الجماعة في ذلك الوقت نهج العنف لإسقاط النظام الحاكم، واستهداف داعميه في الداخل، ومصالح الدول المساندة له - وتحديداً الإمارات العربية المتحدة.
انتهاج العنف: أولى محطات التصدع الكبير
أدى العمل العنيف إلى وقوع تصدعات كبيرة داخل الجماعة، سرعان ما تحولت إلى جبهتين: المكتب العام (كممثل للقطاع الجديد ورافض للقيادات التاريخية ويحمّلها فشل قيادة مرحلة الثورة والانقلاب)، والجبهة الثانية متمثلة في القيادات التاريخية المعروفة بجبهة محمود عزت ومحمود حسين. ومحمود حسين البالغ من العمر 73 عاماً أحد أبرز القيادات في مكتب الإرشاد، وكان يعمل أستاذاً بكلية الهندسة. نجح في الهروب إلى تركيا بعد 3 تموز/ يونيو 2013. وتولى إدارة مكتب إخوان الخارج، والذي كان أحد الهياكل التنظيمية التي أوجدها محمد كمال نفسه.
جاء انقلاب القيادات التاريخية على مجموعة محمد كمال نقداً لانتهاج العنف والحيد عن طريق الجماعة في التغيير، الإصلاحي والسلمي. وهنا نجد العديد من التفسيرات المتضاربة. فالبعض يذهب إلى أن نهج العنف أثار حفيظة المكون المحافظ والتقليدي في الجماعة، وأنه نهج يبتعد عن منهجها بشكل عام، وأضراره وتكلفته كانت باهظة الثمن. ولهذا الرأي وجاهة من الناحية الاجتماعية، والفكرية، والتنظيمية. فخلا "التنظيم الخاص" تاريخياً و"مجموعات الردع" (كانت مكونة من بعض الشباب الرياضي وبالأخص المتمرس في الألعاب القتالية، لحماية تظاهرات الجماعة وصناديق الانتخابات)، لم تكن الجماعة تقوم بهيكلة أو تنظيم للعنف. ولا يوجد أي وقائع تاريخية بعد انتهاء "التنظيم الخاص" تشير إلى انتهاج العنف من قبل الإخوان المسلمين. والمقصود هنا ليس العنف بمعناه الضيق ضد بعض الخصوم من القوى السياسية الأخرى، فهذا قد يكون عليه أمثلة كثيرة، أو العنف اللفظي والديني والفكري في مساحات مختلفة، ولكن العنف الجسدي والمادي ضد السلطة والخصوم بهدف تصفيتهم أو تحقيق أهداف سياسية واجتماعية واقتصادية. وبالفعل واجه انتهاج العنف قدراً كبيراً من الاعتراض داخل الجماعة، كما واجه قدراً كبيراً من الاعتراض وعدم الارتياح داخل مجموعة المكتب العام نفسها.
وهكذا تم إلقاء اللوم بالكلية على محمد كمال ومجموعته. شنت القيادات التاريخية (محمود عزت ومحمود حسين) انقلاباً داخلياً على مجموعة كمال تحت مزاعم عدم صحة هذه اللجنة إدارياً، وأنها غير متسقة مع قواعد ولوائح الجماعة التنظيمية. انقسمت الجماعة إلى شطرين، لكل منهما مكتب الإرشاد الخاص به، وكذلك توزعت المحافظات بينهما وأحياناً بشكل بيني، أي بانقسام المحافظة إلى شطرين. ولكن القيادات التاريخية احتفظت بأهم أوراق اللعبة: التمويل. ولكنه وحده لم يردع المجموعة الجديدة عن نهجها العنيف، فلجأت القيادات التاريخية لملف إعاشة المعتقلين. وبالفعل قطعت التمويل والإمداد عن جميع المنخرطين والمتعاطفين مع المجموعة الجديدة عبر ملف المعتقلين وأسرهم. وهو ما قد أتى ثماره في مرحلة لاحقة. ولكن هل يوجد أسباب أخرى دفعت جناح القيادات التاريخية للانقلاب على مجموعة محمد كمال ثم المكتب العام؟
اتضح أن إزاحة القيادات القديمة للاخوان وتفكيك نفوذها ربما يكون أصعب من تغيير السلطة نفسها في مصر. فحجم القوة والنفوذ والفلوس التي تديرها الجماعة هائل.
بحسب مصادر مختلفة داخل الجماعة، أغلبها من الشباب داخل مواقع قيادية متقدمة، لم يكن محمد كمال هو من انتهج العنف. فالعنف بدأ قبل 30 حزيران/ يونيو 2013 بعدة أشهر، وتحديداً اتضح مع حرق مقرات جماعة الإخوان في فترة احتدام الصراع السياسي والاجتماعي ضد الجماعة في 2013. لجأت الجماعة لما يعرف بفتوى "دفع الصائل" (أي رد المهاجمين). وبدأت في تدعيم كوادرها الكبرى بعناصر مدربة لحمايتها، ثم تدعيم المقرات. وتنوع التسليح حسب المراحل المختلفة، من "المقاريط" والسحابات" (أشكال محلية من الخرطوش) "والشماريخ" والسلاح الأبيض، وصولاً للكلاشينكوف. وأصبحت المجموعات أكثر تعقيداً مع احتدام الصراع. ولم يكن محمد كمال جزءاً من هذا التطور إطلاقاً. وحتى بعد صعود محمد كمال وتنظيمه للعنف، فقد كان ذلك بمباركة الجناح القديم. ترى إحدى القيادات الشبابية، (وهناك عدة دلائل على قولها) أن انتهاج العنف من قبل مجموعة محمد كمال كان أول الملفات التي استدعت تدخل إبراهيم منير من لندن في 2015 ، وهي سابقة أولى من نوعها أن يتدخل أحد أعضاء مكتب التنظيم الدولي في الشأن المصري للجماعة بهذا الشكل المباشر. وكان ذلك بسبب تهديد العديد من الدول الأوروبية، وبضغط دبلوماسي من الإمارات، بإدراج الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية. كذلك روى شخص آخر له دور كبير حتى الآن في الجماعة، أن ذلك التدخل جاء بعد تهديد المخابرات البريطانية لإبراهيم منير بإدراج الجماعة في قوائم الإرهاب.
رواية ما جرى بمصر في الأيام الحاسمة
21-04-2016
هنالك سبب آخر، يمكن رصده وهو يتضح يوماً بعد يوم، ويمكن ملاحظته في تركيا تحديداً، وهو أن صراع الجناح القديم يتمحور بشكل مباشر حول الحفاظ على السلطة الداخلية وإعادة ترميمها. وأن أي انشقاق أو تنوع داخل الجماعة من شأنه زعزعة هرمية السلطة وما تحمله من نفوذ وقوة. وهو أمر لا يمكن الاستهانة به. وقد قال أحد القياديين الإخوانيين الشباب إنه اتضح أن إزاحة القيادات القديمة وتفكيك نفوذها ربما يكون أصعب من تغيير السلطة نفسها في مصر، فحجم القوة والنفوذ والفلوس التي تديرها الجماعة هائل. ومثلما استغلت القيادات القديمة ملف إعاشة المعتقلين في مصر لإخضاع الجناح الجديد، استغلت أيضاً ملف إعاشة الهاربين إلى تركيا لتطويعهم على أكثر من مستوى: المستوى التنظيمي والقيمي. فالوضع بالنسبة لقطاع كبير من الشبان والشابات في تركيا شديد الصعوبة على المستوى المعيشي والمالي، ووضع الإقامة القانوني لقطاع كبير منهم لا يسمح لهم بالعمل طبقاً للقانون التركي ولوائح تنظيم الإقامة. وقد نجح جناح محمود حسين في بسط نفوذه التنظيمي وإخضاعهم عبر ملف الإعاشة والإعانة لهم.
مباشرة بعد موجة تظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013، وانقلاب 3 تموز/ يوليو الذي تلاها، وعزل الرئيس محمد مرسي وقتها، بدأت قيادة الجماعة المركزية، ذات الطابع الهرمي، تتعرض لانهيارات متلاحقة بسبب الضربات الأمنية العنيفة، التي وصلت أحياناً إلى الصف الرابع منها.
اتخذت الجماعة في ذلك الوقت نهج العنف لإسقاط النظام الحاكم، واستهداف داعميه في الداخل، ومصالح الدول المساندة له - وتحديداً الإمارات العربية المتحدة. وأدى العنف الى وقوع تصدعات كبيرة داخل الجماعة،
الوضع في تركيا يشهد حتى الآن انقساماً واسعاً. فهناك الجناح القديم بقيادة محمود حسين، والمكتب العام الذي يمثل الجناح الغاضب على القيادات القديمة. ولكل منهما مكتبه الإعلامي والأسر التنظيمية داخل الجماعة. وأصبح للمكتب العام مكتب إرشاد. ومن الفروقات الملاحظة بين مكتبي الإرشاد هناك، هو دخول المرأة والشباب. فلأول مرة في تاريخ الجماعة يكون هناك حضور نسائي في مكتب الإرشاد. كذلك نسبة تمثيل الشباب التي أصبحت تصل إلى 50 في المئة.
مثّل اعتقال محمود عزت فرصة كبيرة لإبراهيم منير للتدخل. ولتدخله بعدان رئيسيان: إعادة هيكلة الجماعة، وإزاحة نسبية لمحمود حسين، الذي أصبح مصدراً رئيسياً لكثير من المشاكل والتصدعات. وبالتالي يمكن القول أيضاً أن محاولة إبراهيم منير هي للم الشمل ورأب الصدع في ظل تحولات إقليمية قد لا تكون في صالح الإخوان بشكل كبير. وهذه التحولات تحديداً هي الملف الليبي وشرق المتوسط، والتي قد تدفع تركيا لقدر من التصالح مع النظام المصري. قرّر منير إلغاء مُسمّى "الأمانة العامّة" (كان يترأسها محمود حسين)" وقام بتشكيل لجنة معاونة لنائب المرشد العام، تضمّ في عضويتها محمود حسين (الأمين العام السابق) عضو مكتب الإرشاد، ومجموعة من قيادات الجماعة، لم يتم الإعلان عنهم إلى الآن. وتحلّ اللجنة الجديدة المقيمة خارج مصر محلّ مكتب الإرشاد وأمانته العامة، التي يُعدّ إلغاؤها سابقة في تاريخ الجماعة.
تحولات كبرى: بين التنظيمي والاجتماعي والأيديولوجي
شهدت السنوات السبع الأخيرة العديد من الصدامات والتصدعات الداخلية في جماعة الإخوان المسلمين. ولكن طيلة هذه السنين لم تشهد الجماعة أي صدام أو اختلاف أيديولوجي جاد. بالطبع كثير من أبناء الجماعة يشهدون أو شهدوا تحولات أيديولوجية كبيرة، وفي اتجاهات عدة ومختلفة، فبعضهم ترك الجماعة وانضم إلى داعش، والبعض الآخر غادر تماماً الحيز الإسلامي والديني، وآخرون تركوا الجماعة واحتفظوا بميولهم المحافظة اجتماعياً وسياسياً، ولكنهم إما فقدوا إيمانهم بالتنظيم أو بالإسلام السياسي ككل. وهذه التحولات والانقسامات حدثت في كل الأماكن التي تواجد بها إخوان مصر: في السجون، وفي تركيا، وداخل مصر.
مصر السيسي: "إللي يحب الريس يؤيده"
25-04-2019
أما خلافات الجماعة نفسها، وعلى الرغم من انقساماتها العنيفة، فقد ظلت في إطار الجدل حول التكتيك، مثل مسألة العنف، أو حول خلافات تنظيمية حادة مرجعها الرئيسي الحنق والغضب من القيادات التاريخية نتيجة فشلها في إدارة مرحلة الثورة والانقلاب. لم تشهد الجماعة أي مراجعات جادة. ربما انحسر أمر المراجعات بثلاثة أمور: 1- فشل الفكرة الديمقراطية وعدم تناغمها مع التوجه الإسلامي الجاد، وهم في هذا الأمر كانوا تحت وطأة الهزيمة، وانعكاس بعض أفكار السلفية الجهادية عليهم. 2- أنه كان ينبغي عليهم أن يكونوا أكثر حزماً وعنفاً مع المخالفين والمناوئين لهم. 3- أن فكرة التنظيم صالحة لحد بعيد، ولكنهم لم يمتلكوا ولا يمتلكون القيادة الصالحة لإدارة الدولة - وهذا الرأي بحسب البعض منتشر داخل المكتب العام. ومؤخراً بدأت بعض الأفكار القديمة ذات الطابع الإصلاحي تعود في الظهور داخل المكتب العام نفسه، وتحديداً فصل الدعوي عن السياسي.
شهدت السنوات السبع الأخيرة العديد من الصدامات والتصدعات الداخلية في جماعة الإخوان المسلمين. ولكنها لم تشهد أي صدام أو اختلاف أيديولوجي جاد. عاش كثير من أبناء الجماعة تحولات أيديولوجية كبيرة، وفي اتجاهات عدة ومختلفة، فبعضهم تركها وانضم إلى داعش، وآخرون غادروا تماماً الحيز الإسلامي والديني...
هناك أيضاً تغيّر في السلوكيات الاجتماعية، وتفلّت من القيود التقليدية يحدث في الدوائر المحيطة والقريبة للإخوان... تغيرات كبيرة لرؤية العالم والجسد والحرية الشخصية والجنس والمرأة. وهي كلها المكونات التي يرتكز عليها ليس الاخوان فقط، ولكن الإسلام السياسي ككل.
ويرجع أحد الكوادر المهمة بالإسكندرية، والذي انفصل عن الجماعة منذ سنتين أو أكثر، أن إحدى التفسيرات لعدم خروج أي خلافات سياسية وأيديولوجية للعلن، وانحسار الصراع على مسائل تنظيمية، يعود إلى غلبة وهيمنة فكرة التنظيم نفسه على أي قيمة أخرى خارجه. فالتنظيم تحول من أداة لتحقيق فكرة ما، إلى هدف كلي في ذاته ولذاته. وهو ما يجعل الصراع عليه هو الصراع الأكبر والأهم. وهذا يتسق مع رأي كادر آخر مازال فاعلاً في التنظيم، يصف ما يحدث من انقسام داخل الإخوان بأنه ليس انشقاقاً ولكنه صراع جبهتين على التنظيم نفسه. كذلك يشير الجميع إلى مشكلة جذرية في طبيعة وآلية الديمقراطية داخل هيكل الإخوان. فهناك – نظرياً - انتخابات، ولكن الحقيقة هي تحكّم مجموعة ضيقة من الأوليغارشيا في مفاصل التنظيم وحركته، وكذلك هيمنة المال وتحكمه بالتنظيم. وهو ما يُغيّب أي دور للحرية والقدرة على التعبير والتغيير الداخلي. وذلك بالإضافة إلى الطابع المحافظ والسلطوي القائم داخل التنظيم.
على مستوًى آخر، فهناك أيضاً تغيّر في السلوكيات الاجتماعية، وتفلّت من القيود التقليدية يحدث في الدوائر المحيطة والقريبة للإخوان... تغيرات كبيرة لرؤية العالم والجسد والحرية الشخصية والجنس والمرأة. وهي كلها المكونات التي يرتكز عليها ليس الاخوان فقط، ولكن الإسلام السياسي ككل. ويشير أكثر من كادر داخل التنظيم إلى أن هذه التحولات الفكرية والأيديولوجية، وفي نمط الحياة، لا تحدث داخل الأفراد المنظمين أنفسهم. وهو أمر يعيدنا لسؤال "من هو الإخواني؟". فالإخوان درجات. هناك المحب، وهناك من هو تحت المراقبة والملاحظة الأخيرة قبل الترقي، وهناك من يلقب بأخ بالقلم الرصاص (أي لم تتأكد وتترسخ عضويته بعد)... ولذلك، فما يحدث طبقاً لهؤلاء لا يمكن اعتباره خلافاً أو انقساماً داخل العاملين في التنظيم. وحتى بعض أبناء القيادات، وبالأخص النساء منهم، الذين شهدوا تحولاً كبيراً في نمط الحياة يُعتبر داخل الإخوان "انفلاتاً" و"انحلالاً" كبيراً، فهم ليسوا كوادر. هم فقط أبناء قيادات. ولكن ما تغفله هذه الرؤية هو أن قوة ونجاح التنظيم لم تكن في سيطرته وهيمنته الفكرية والسياسية والاجتماعية على الأفراد العاملين من هذه الزاوية الضيقة. ولكنها كانت تتجسد في قدرة التنظيم على فرض أفكاره وأنماط الحياة التي يعتقد فيها على دوائر مختلفة من المقربين منه في محيطه الاجتماعي. وقد بدأ التنظيم في فقدان هذه القدرة بالتدريج بعد الثورة في 2011، على مستوى الاجتماع المصري بشكل واسع. ثم ارتدت داخل محيطه الأضيق وفضاءاته الاجتماعية الأقرب.
إجمالاً تأتي معالجة إبراهيم منير في ضوء انقسامات التنظيم ومحاولته للحفاظ على نفسه. وقد ينجح نسبياً بتحييد محمود حسين، ولكن يبدو أنه لن يستطيع إزاحته بالكلية. وربما ينجح برأب الصدع نسبياً بين الفريقين إذا تمكن من استيعاب قدر كبير من الشباب الساخط على القيادة القديمة. كذلك قد يستفيد من عدم الانقسام حول سؤال المصالحة مع النظام الحالي. فكلا الفريقين يرفضها إلى حد بعيد.
***
في فنون ذبح المصريين على التوالي
18-02-2015
ما يحدث داخل الإخوان هو ارتداد لأزمة الديمقراطية والصراع الاجتماعي من الخارج إلى الداخل. فالانقلاب العسكري في 2013 كان له تأثير رقاص الساعة على انقسامات الجماعة الداخلية، حيث هو، من ناحية، أوصل عمق الخلافات التنظيمية والهيكلية إلى حد انفجارها وظهورها على السطح. ولكنه أيضاً عمّق قدر التعاطف والتضامن الداخلي، ونجح في إسكات الخلافات الأيديولوجية الحادة التي كان من الممكن أن تنفجر لو أعاد التنظيم تأمل أفعاله وممارساته وأفكاره. الانقلاب أيضاً لعب دور إشاعة الغيبوبة التاريخية للتنظيم، فحجب عن سردية الإخوان لانقساماتهم التاريخ والاجتماع، لتتناغم الغيبوبة مع المظلومية، وتنفصل عن التاريخ والاجتماع. فما حدث بنظر قطاع كبير منهم هو "ظلم وقهر" للفكرة الإسلامية و"تآمر عالمي" بشكل منفصل عن أي سياق. مرة أخرى تعود الأيديولوجيا الإسلامية لتصبح مجردة عن التاريخ ومنه.