كُتب على باب الجحيم نقشٌ كبير: "أيّها الداخلون هنا، اطرحوا عنكم كلّ أمل". هذا بحسب "دانتي" في كوميدياه الإلهية. أشدّ الرعب أن يُطرَح أي أملٍ من النفوس طرحاً، فلا يبقى للناس ما يعيشون من أجله، فكيف إذا كان هؤلاء الناس يقاتلون كل يوم من أجل خلق ظروف تشبه الطبيعية، ولو قليلاً، ومن أجل إحياء رمقٍ من أمل في ظروف اقتصادية وسياسية وأمنية شديدة التشظّي.
سألتْ إحدى المراسلات رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، "إلى أين نحن ذاهبون ما لم تتشكل الحكومة؟"، فردّ الرئيس بلا أدنى تردد، "طبعاً إلى جهنّم". وفي سعيه لمحاولة إقناع الأطراف بضرورة قبول مبادرته للتشكيل، فتحَ – عرَضياً – باب جهنّم في طريقه. وعلى الرغم من أن اللبنانيين صاروا يعرفون جهنم جيداً، يتوقّعونها عند كل مفترق، يعاينونها في أسعار السلع والخدمات، ويختبرون أكثر تجلياتها فجاجةً في انفجار مرفأ بيروت... إلّا أنهم يسمعونها منطوقة للمرة الأولى من قِبل رأس الدولة الذي يعد بالمزيد من هذه "الجهنّم" حال فشله، (وهم يعلمون أصلاً أن عليهم أن يتوقّعوا الفشل دائماً من هؤلاء المسؤولين الكارثيين).
كان الردّ بالسخرية المريرة، إذ نحن "مساكين بنضحك من البلوة"، على رأي الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام... فهذا رئيسنا يقول أننا ذاهبون "إلى جهنّم" الآن، بعدما أمضى شهوراً يقول أن الليرة لن تنهار، وأنّ العهد سيسلّم البلاد أفضل مما استلمها، وأنّ الحديث الواقعي عن خطر قادم ليس سوى تهويل كاذب. لكنّ وقت المحاججات والمنطق ينفد بسرعة، والناس باتوا يعلمون أنّ عليهم بإنقاذ أنفسهم بأنفسهم وأنّ عليهم بالسخرية والضحك، فما دون ذلك حرق للأعصاب وحزن عميق له وقته الوفير.
... "سألتك حبيبي لوين رايحين؟" فيردّ الرئيس "طبعاً عَجهنّم!". تغنّي رونزا "مشوار رايحين مشوار"، فيرد الرئيس "عَجهنّم"! كما أنّ مواطنين جعلوا من تذكرة الطائرة رحلة "وان واي" من بيروت إلى جهنّم، وآخرون صاروا يتعاملون مع الموضوع كأمر واقع، فيسألون رفاقهم عن مفترق الطرق الذي عليهم سلوكه للوصول إلى جهنم، أو إذا ما كانت النقليات مومّنة... فإذا كان لا بدّ من الذهاب للجحيم، لنذهب معاً ونتونّس على الطريق على الأقل. أمّا السائقون بنا إلى هناك، فمتى نسرق منهم البوسطة؟