تبدلات الزي السياسي في اليمن (1)

بين بنطلون نائب رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي"، هاني بن بريك، وهو أبرز رموز السلفية الوهابية في اليمن، والثوب الأبيض السادة (الدشداشة السعودية) لرئيس البرلمان اليمني والأمين العام المساعد لحزب "المؤتمر الشعبي العام"، سلطان البركاني، خرج مجدداً الزي السياسي ورداء الدولة اليمنية من دولاب النسيان المغلق، وأعاد الجدل المحتدم أيام علي عبد الله صالح.
2020-09-17

عيسى راشد

كاتب من اليمن


شارك
رئيس مجلس النواب سلطان البركاني (يسار الصورة) مع نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، هاني بن بريك.

أعادت صورة حديثة جمعت رئيس البرلمان اليمني سلطان ونائب رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" هاني بن بريك، الزي السياسي في اليمن أو ما يعرف برداء الدولة، إلى واجهات المشهد الرسمي، وما كان شهده العام 2004 من جدل حاد بين السلطة والمعارضة، حول زي الرئيس علي صالح في قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى. وظهر البركاني الأمين العام المساعد لحزب "المؤتمر الشعبي العام" بثوب أبيض سادة (الدشداشة السعودية) الذي يختلف عن الثوب اليمني بكونه أوسع لكنه أقصر، وبجيبين جانبيين مخفيين.

وتزيأ بن بريك بنطلوناً أسود فاتحاً، يظهر عليه محص الكواء، وقميصاً أخضر مقلماً بخطوط سوداء، على غير ما جرى عليه ولعه بإرتداء الزي الإماراتي التقليدي، واستعراضه له بافتتان وساق ملتفة، في أغلب تمثيلاته الخارجية والداخلية للمجلس الانتقالي الممول إماراتياً، كما ما زالت بروفايلات حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بمشلح "البشت" الذي خلعه الإماراتيون عن زيهم التقليدي منذ زمن.

وبين بنطلون بن بريك، وهو أبرز رموز السلفية الوهابية في اليمن، وثوب البركاني، خرج الزي السياسي ورداء الدولة اليمنية من دولاب النسيان المغلق، منذ ما بعد العام 2004 إلى الجدل السياسي، وإن جرى هذه المرة بشكل أقل صخباً على المستوى العام.

أما على المستوى الشخصي، فقد جرى جدل خرج عن سياقه بين زميلين صحافيين، أحدهما في حزب التجمع اليمني للإصلاح ( إسلام سياسي ) والآخر في الحزب الاشتراكي اليمني (يساري): فضمن قراءته للمشهد السياسي اليمني وتبدلاته من خلال سيميولوجيا (علم العلامات) البنطلون البريكي (نسبة إلى بن بريك ) والثوب البركاني ، أستومأ الصحافي الإصلاحي تحالفاً بين المؤتمر والانتقالي ضد حزبه، ذاهباً في تحليلاته السيميائية لما وراء الثوب والبنطلون، إلى تحالف تطبيعي بين الانتقالي والمؤتمر من جهة، والكيان الصهيوني برعاية إماراتية، خاصة مع تصريح بن بريك عن استعداد الانتقالي للتطبيع وحنينه الشخصي لزيارة إسرائيل. ناقضه الرأي الصحافي الاشتراكي الذي يرى في الزي السياسي لهاني بن بريك أو رداء الدولة لرئيس البرلمان البركاني تبدلاً مناخياً طقسياً في صيف الرياض الحار، حيث جرى لقاء الثوب والبنطلون، وأن الزي ليس وحدة دالة على أغوار السياسة وكواليس مشهدها المرئي. وهو عارض بشدة فكرة الاسترماز السيميائي ببنطلون بن بريك إلى ما هو حسب اصطلاحه السلفية السوداء ذات البنطلون - لكنه أطول - أو "السلفية الحاخامية الجديدة" ماركة UAE .

ثوب السلطة / بنطلون المعارضة

منتصف العام 2004 ظهر الرئيس علي عبد الله صالح في قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى بجوار الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وعدد من الزعماء، مرتديا الزي الشعبي اليمني (ثوب وكوت وجنبية) وشالاً معصوباً على الرأس.

لم يكن قد مضى أكثر من شهرين على منع سلطاته تداول مخرجات ندوة ثقافية موسعة في صنعاء أدارتها نخب يسارية، حول دلالات ورموز الزي السياسي ورداء الدولة على المستوى المحلي والمراحل السياسية المتقلبة ما بين 1948 - 2004.

ذهب صحافي من حزب الاصلاح (الاخوان المسلمين) في تحليلاته السيميائية لما وراء الثوب والبنطلون، إلى تحالف تطبيعي بين الانتقالي والمؤتمر من جهة، والكيان الصهيوني برعاية إماراتية، خاصة مع تصريح بن بريك عن استعداد الانتقالي للتطبيع وحنينه الشخصي لزيارة إسرائيل.

وهناك في منتجع آيسلاند من ولاية جورجيا الأمريكية حصلت النخب اليسارية على الصاعَيْن الضائعين للرد على قرار منع السلطات تداول ندوة الزي ومخرجاتها إعلامياً.

كان قد مضى حولٌ على تأسيس تكتل "اللقاء المشترك" المعارض (شباط/ فبراير 2003) ضاماً إلى التجمع اليمني للإصلاح خمسة أحزاب بينها الحزب الاشتراكي اليمني، وكوكتيلاً من أحزاب يسارية وقومية وقبلية، يعيش اليوم ذروة التنافر السياسي .

وبفضل من زي الرئيس التقليدي خلعت أحزاب المعارضة أزياء الندوة الممنوعة عن النشر على "مانيكانات" الشارع العام، ونشرت ثوب علي عبد الله صالح على حبل غسيل من صنعاء إلى واشنطن، بعد أن محصته تصبيناً وكواء على مشاجب الهواء الطلق و"فيترينات" البازار العالمي المفتوح للزي السياسي اليمني.

منتصف العام 2004 ظهر الرئيس علي عبد الله صالح في قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى بجوار الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وعدد من الزعماء، مرتدياً الزي الشعبي اليمني (ثوب وكوت وجنبية) وشالاً معصوباً على الرأس.

اعتبرت أحزاب المعارضة زي الرئيس انفصالياً، فهو رداء الشطر الشمالي قبل الوحدة الاندماجية العام 1990 ولا يرتديه أبناء الجنوب، وأنه انتهاك صارخ للدستور والنظام والقانون بعد تشريع البرلمان قرار إرتداء البذلة الافرنجية في اللقاءات الرسمية والتمثيل السياسي والدبلوماسي لليمن والوظائف العامة.

أمَا وأن المخالفة حدثت في قعر ديار الأفرنج ومعقل البنطلون و"الكرافات"، فقد هرعت المعارضة الى تقطيع آراب زي الرئيس، بمقص أصغر من مقص الرقيب لكنه أقطع، وكان هذا أحد أهم التبدلات السياسية بين السلطة والمعارضة.

"احلوّت الحرب". فتشت المعارضة دولاب رداء الدولة والزي السياسي ووجدت تصريحاً لصالح عقب حادثة مدمرة "كول" الأمريكية في المياه اليمنية العام 2000، حين رد على التهديدات الأمريكية بقدرته على استنفار مليون مقاتل "لا يلبسون البنطلونات". وقالت المعارضة آنذاك إن حديثه جاء في سياق السخرية من أبناء الجنوب الذين يرتدون البنطلون.

إعلام السلطة، بشقيه، الرسمي التابع للدولة والحزبي التابع للمؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم، والممول بترف، راح بغبائه الفطري يبسط ثوب الرئيس كلما عطفته الريح، مانحاً المعارضة تفصيلة جديدة من طيات الثوب أو خيطاً منسياً فات عن أعين المعارضة ومقصها المشحوذ.

اعتبرت أحزاب المعارضة وقتها زي الرئيس انفصالياً، فهو رداء الشطر الشمالي قبل الوحدة الاندماجية العام 1990 ولا يرتديه أبناء الجنوب، وأنه انتهاك صارخ للدستور والنظام والقانون بعد تشريع البرلمان قرار إرتداء البذلة الافرنجية في اللقاءات الرسمية والتمثيل السياسي والدبلوماسي لليمن والوظائف العامة.

ما إن عاد صالح من قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى، بدأت أولى حروب صعدة الست، بين الجيش الحكومي والمتمردين الحوثيين، وفسر الحوثيون إرتداء صالح الزي الشعبي في قمة اقتصادية، بأنه كان لمغزى سياسي إعلامي، بهدف لفت أنظار العالم وكسب تأييد أمريكا في "حربه على الحوثيين

وما زلت أتذكر مقالاً مسهباً لكاتب عربي، على صدر صحيفة يمنية رسمية، يكاتبها مقالاً كل شهر، ويتقاضى من دار الرئاسة راتباً شهرياً وقدره عشرة آلاف دولار أمريكي، في حين كنت أكتب للصحيفة ذاتها مقالاً كل ثلاثة أيام، ولا أعرف شيئا اسمه بدل إنتاج فكري أو مكافأة كتابة. ولقد أطنب الرجل في وصف صندل الرئيس صالح، المفتوح ذو أصبع ، وجلده الإيطالي الأسود، واتساقه الأنيق مع زيه الشعبي في منتجع آيسلاند، وكيف أن إرتداء الصندل المفتوح المصبّع مع الثوب يدل على عبقرية الأناقة لدى الرئيس اليمني، لأن الجزمة المغلقة - حسب تحليله الأزيائي - تتناسب مع البنطلون وتشوه المظهر حال إرتدائها مع الثوب.

وما إن عاد صالح من قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى، بدأت أولى حروب صعدة الست، بين الجيش الحكومي والمتمردين الحوثيين، وفسر الحوثيون إرتداء صالح الزي الشعبي في قمة اقتصادية، بأنه كان لمغزى سياسي إعلامي، بهدف لفت أنظار العالم وكسب تأييد أمريكا في "حربه على الحوثيين".

ثوب 2004/ بنطلون 2020

"من القبعة إلى القلنسوة، ينتقل المدلول إلى آخر" وفقاً للفيلسوف الفرنسي رولان بارت الذي يرى أن المعنى يكمن في ما نلبسه.

مقالات ذات صلة

وبمقارنة بسيطة بين جدلية الزي السياسي (ثوب صالح / بنطلون المعارضة 2004) وجدلية ثوب البركاني /بنطلون بن بريك 2020، يظهر لنا حجم التبدلات السياسية العاصفة التي سادت اليمن خلال هذه الفترة. غير أن هذه التبدلات تفرض على سياقها السيميائي ضرورة استحضار بنطلون مهم من دولاب الزي السياسي خارج هذا السياق الزمني وقبله. ففي 28 كانون الاول/ ديسمبر 2002 أطلق إرهابي رصاصتين على صدر الأمين العام للحزب الاشتراكي جار الله عمر، في جريمة اغتيال جرت علناً أمام عدسات البث المباشر لفعاليات المؤتمر العام الثالث ل"حزب الإصلاح". وكان المفكر اليساري المتضرج بدمه يرتدي بذلة رسمية (بنطلون) وكان لا بد - بين الرصاصتين - أن يكون القاتل بثوب الدشداشة.

مقالات من اليمن

تحوُّلات العاصمة في اليمن

يُعدّ الإعلان الرئاسي عن نقل العاصمة الى "عدن"، في معناه القانوني، إجراءً رمزيّاً، لأن نقل العاصمة يقتضي إجراء تعديلات في الدستور اليمني، الذي لا يزال ينص على أن مدينة "صنعاء"...

للكاتب نفسه

اليمن: فجأة يختفون..

عيسى راشد 2019-01-24

ما زلنا مضرب المثل في كرم الضيافة. وقد أكل الضيوف البلد وتجشأوا دماء أبنائها. اليمن من يدِ طاغٍ إلى قدم أطغى.

اليمن البعيد

عيسى راشد 2017-07-06

كونك يمنياً في زمن المليشيات السائبة والنقاط الأمنية التي تتربص بك على امتداد الطريق، فأنت متهم جاهز.. أنا النازح الفقير إلى موطئ قدم في وطن وجيز