ندرة المياه قاتلة، وكثرتها أيضا، أحيانا. هذا أمر خبره السودانيون جيدا. وبعد أن كانت احتمالية تقلص حصة السودان من مياه النيل (في علاقة بسد النهضة الأثيوبي) احدى أكبر هواجس البلد في الأشهر بل السنوات الأخيرة، صارت المياه هي نفسها مصدر رعب لملايين السودانيين بعد بلوغها منسوباً قياسياً. يستمر موسم الأمطار ومعه زحف مياه النيلين، الأبيض والأزرق، على التجمعات السكنية والمنشئات الاقتصادية والحقول، حاصداً الأرواح (أكثر من مئة شخص) ومدمراً المباني ومشرداً عشرات آلاف البشر. تأخرت وسائل الإعلام وحتى المنظمات العالمية في التفاعل مع ما يحصل في السودان، على الرغم من ارتفاع حصيلة الخسائر البشرية والمادية، مما يؤكد للمرة الألف أن مستوى التعاطف والتضامن الإنسانيين قد يرتفع أو يتدنى حسب اعتبارات تخص اصحابها وليس الموضوع نفسه.
بعد أسابيع طويلة من بداية السيول والفيضانات، بدأت الصور والفيديوهات، التي تظهر حجم الكارثة في السودان، في امتلاك حيز على شبكات التواصل الاجتماعي وبالتالي في جلب اهتمام وتفاعل الناس.
صور وفيديوهات لسودانيين يقاومون المياه كيفما استطاعوا، أو يغادرون منازلهم واحيائهم في اتجاه مناطق أقل تضرراً. وكل واحد منهم يحاول انقاذ ما يمكن إنقاذه سواء تعلق الأمر بالبشر أو بالماشية وبعض المتاع وقطع الأثاث. وهناك حتى من تطوع لإنقاذ الكلاب من الغرق.
وان كان حاضر الناس هو الأولوية المطلقة، فإن هناك أيضا مخاوف من أثر الفيضانات على "الماضي": الآثار التاريخية. نتحدث هنا أساساً عن أهرامات مروي عاصمة مملكة كوش النوبية وموطن الكنداكات. وهناك جهود محلية ودولية لإنقاذ منطقة "البجراوية" حيث يتركز جزء كبير من هذه الأثار المهددة بالغرق أو بالتلف.
شعب السودان، كعادته، يقاوم ويواجه الأزمة تلو الأخرى. فهل يتركه العالم وحيداً؟