أصاب التصدع العلاقة بين شركاء وحلفاء الأمس، حمَلة المشروع الإسلامي، حماة الشريعة ، من تصدوا معا لكتابة دستور الدولة الإسلامية، وخاضوا معا معركة استلاب الدولة المصرية وتحويل مسارها باتجاه مشروع غائم يتسربل بالشريعة. وحدث ذلك رغم التدبير المحكم لرجل الإخوان القوي الذى ابتدع "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح" كإطار يضبط به إيقاع السلفيين.
ولكن هل كان السلفيون والإخوان شركاء أو حلفاء؟ حقيقة الأمر أنهم خصوم الداء، بينهم جبل من التناقضات، وقد جمعتهم ظروف مرحلة انتقالية، فرضت هذه العلاقة التي بدت تحالفا، والذي صنعته حاجات تكتيكية للطرفين. فالإخوان كانوا بحاجة إلى حركة سياسية لها ظهير شعبي يسهل تعبئته خلف مقولات الشريعة وحماية الهوية، للوصول الى الحكم ونزع شرعية المعارضة المدنية. وهو السلاح الذي استخدمته الجماعة في مواجهة مبارك وحزبه، وعادت لتستخدمه من جديد في مواجهة المعارضة المدنية.
أما السلفيون، فكانوا بحاجة لأن يراقبوا المشهد، ويكتفوا (ربما فقط في البداية) بالبقاء في ظل حركة أقرب لمشروعهم، حذرا من الاحتراق بنار المرحلة الانتقالية، وظناً أن الإخوان ربما كانوا أكثر خبرة بالسياسة. هذا السلوك من السلفيين عبر عن حصافة لا تنفصل عن سلوكهم قبل الثورة، وهي تجسدت في سعيهم للتمدد في الفضاء الدعوي والاجتماعي، مع الحفاظ على الكمون السياسي، والحذر من الدخول في معركة من أي نوع مع النظام السابق، وانتظار تبدد طاقات الفريقين، النظام والإخوان، فتحين اللحظة المناسبة للدخول للمسرح السياسي، مكرهين كما تحدثوا هم عن أنفسهم، وانسجاما مع خوف غامض لديهم من أن يحال بينهم وبين الدعوة، في ظل نظام سياسي قد يتجاوزهم.
كان السلفيون كما الإخوان، يتحينون اللحظة المناسبة لإقصاء الآخر، أو رفع رصيدهم لدى الشارع. وربما كان السلفيون هم الأذكى، لضعف الحمولة التاريخية لديهم مقارنة بالإخوان التي ظلت جماعة مأزومة، سواء في علاقتها بالسلطة، أو بتناقضاتها الداخلية، وصولا للعلاقة مع المجتمع التي بلغت حدا من السوء وتدهور الشعبية، لم تواجهه طوال تاريخها. وأما السبب فهو متصل بعيب بنيوي لدى الجماعة. فهي لا تستطيع حسم مسارها أو خياراتها ومعرفة ما إذا كانت ستسلك المسار السياسي للنهاية في سبيل بلوغ اهدافها، بينما يتداخل الدعوي والسياسي. وفد نتج من ذلك عدم حسم الشكل القانوني بين جماعة وحزب، وما إذا كانت ستبقى تعاني أثار هذا التداخل المركب.
كما يظهر التناقض بين نظرة كل منهما للشريعة كسلاح في المعركة الدائرة الآن، وهو سلاح تتداعى مشروعيته الأخلاقية مع كل خطأ سياسي، فيتبدى فيه التناقض بين ما هو سياسي مشروع لتحقيق مصالح الناس، لكنه مخالف للشريعة. والمثال الجاري هو قرض صندوق النقد الدولي الذي تحول بقدرة قادر، من ربا صريح إلى قرض حسن بمصروفات إدارية بسيطة.
يعبر الإخوان بسهولة القنطرة بين الحلال والحرام وصولا للمصلحة، بينما يتردد السلفيون في الذهاب بعيدا مع الإخوان في سياساتهم حيث لم يؤسس أي منهما، نظرية متماسكة للحكم، تضع الإجابات الفقهية المناسبة لكل أسئلة الدولة في ظل واقع فقهي تكلس منذ قرون واجتهاد سد بابه طويلا، ما أوقع الطرفين في أزمات أبرز ملامحها الانفصال الذي يتسع يوما بعد يوم بين النظرية الغائبة أو الفكرة الطوباوية التي تم تسويقها للناس عبر عقود، وما طرحته من شعارات وواقع تجاوز هذه الفكرة ولم يواكبها، أو حتى يفهمها، كذلك أيضا تلك الفجوة، بين صورة ذهنية حاول الإسلاميون ترسيخها، في الوعي الجمعي عنهم، باعتبار السياسة لديهم تتقيد بأحكام الدين وأخلاقه، وصورة أخرى، جسدها الواقع سلوك هذا الفريق من الإسلاميين، الذين عرفهم الناس دعاة أخلاق ناشطين في الفضاء الاجتماعي، أقرب إلى واقع الناس ومشكلاتهم، حتى لو استبطنوا الاستثمار السياسي لذلك، إلا ان سرعة الانتقال في مواقفهم، من مطالبة الحاكم بالعدالة والحرية، وانتقاد كل سياسات النظام السابق، إلى الاصطفاف لجانب السلطان والدفاع عن مظالمه أو عثراته، بدا تناقضا غير محتمل، لم يعد يطيق السلفيون الدفاع عن أداء سياسي مهترئ، يعرض الدولة للزوال، أو قرارات بلا غطاء شرعي متماسك وغضب شعبي تتصاعد وتيرته بما يفتح الباب لثورة قوامها فائض بشري آخر لم يشارك بعد في انتفاضات أو ثورات وهو إن ثار فلن يقف في طريقه شيء فضلا عن الأهم لدى السلفيين، وهو إسراع وتيرة ما يسمى بأخونة الدولة، بالسعي لاحتلال أكثر من 14000 منصب تعبر عن مفاصل الدولة العميقة كما أطلق عليها الإخوان، ولعل وصف الدولة العميقة أكثر تعبيرا عن حقيقته دولة الإخوان، من مفهوم غائم حاولوا هم أن يصدروه، باعتباره دليلا على مؤامرة ممتدة عليهم وعلى مشروعهم المتوهم، لعل ما عجل بالفراق أن السلفيين غالطوا أنفسهم وتصوروا في لحظة ما، أنهم باصطفافهم مع الإخوان في معاركهم ضد المعارضة المدنية، قد أصبحوا شركاء حقا للإخوان في الحكم متجاهلين أن الإخوان لا يكفون أبدا عن الحديث حول المشاركة، بينما هم يعملون بدأب في مغالبة سافرة.