شعار أحدى قنوات التلفزة السلفية في مصر هو: «شاشة تأخذك إلى الجنة». وها الطرق الى الجنة تتفرع الى تيارات سلفية عدة، تتلاقى وتتقاطع وتتوالد الواحدة من الاخرى، أو تتعايش، أو تتنافس في أحيان أخرى، ولكنها كلها تعبر عن وجود جو عام يصح القول فيه انه راسخ.
تيارات دعوية وإحسانية
ـ القسم الأول من التيار السلفي العام وهو الأكبر، مؤطر تنظيمياً وينشط في الجانب الاجتماعي والدعوي في مؤسسات معلنة، تراقب السلطات أعمالها من خلال «قانون الجمعيات الأهلية»، ومن أشهرها وأكبرها «الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة»، والتي أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي في العام 1912، والتى تنشط في مجال كفالة الطفل اليتيم، ورعاية الأسر الفقيرة، وتوفير خدمات العلاج للناس، من خلال عدد كبير من المستوصفات التابعة لمساجد الجمعية. كما تدير عدداً من معاهد إعداد الدعاة الذين يتولون الخطابة في المساجد التابعة لها، وبعض المساجد الاخرى التابعة لوزارة الأوقاف. ولهذه الجمعية أكثر من خمسة آلاف فرع وهي منتشرة في أنحاء البلاد، وتحظى منذ نشأتها بدعم سعودي كامل، ولا تنخرط في أي نشاط سياسي، سوى أن مشروعاتها وأعمالها تصب في النهاية في تأمين تأييد قطاعات واسعة من الجمهور الذي يحظى بخدماتها لمرشحي التيار السلفي. تأتي بعدها «جمعية أنصار السنة المحمدية» التي أسست في العام 1926، وقبل ظهور «جماعة الإخوان المسلمون» بعامين، وتنشط في الفضاء الاجتماعي نفسه، وتحظى أيضا بدعم خليجي، وتصدر «التوحيد»، وهي مجلة ذائعة الصيت في الأوساط السلفية.
ـ القسم الثاني: تيار سلفي غير مؤطر تنظيميا، يعتمد على مجموعة من الدعاة السلفيين، يتواصلون بالناس إما من خلال دروس في بعض المساجد الشهيرة، أو عبر الفضائيات السلفية التي سمح نظام مبارك بإنشائها، في سياق صراعه مع جماعة الإخوان المسلمين، ومحاولته سحب التأييد الشعبي منها لحساب تيارات دينية بدت وقتها غير مسيّسة. من أبرز هؤلاء الدعاة تأثيراً في الساحة السياسية والسلفية الآن، الشيخ محمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، وأبو إسحاق الحويني، وغيرهم من باقي أعضاء ما يسمى «مجلس شورى العلماء»، الذي يضم عشرة أعضاء، على رأسهم هؤلاء الثلاثة، يلعبون أدورا سياسية مهمة في تأمين تأييد جمهورهم للتيار السياسي السلفي.
السياسيون
ـ القسم الثالث، وهو الاهم في هذا المشهد، تعبر عنه المجموعات السلفية المنظمة في إطار يجمع بين النشاط الدعوي والاجتماعي، إضافة إلى النشاط السياسي، والرغبة في الوصول إلى الحكم. وتتوزعه مجموعات كبيرة نسبيا، مثل الدعوة السلفية في الإسكندرية التي أسست حزب النور، ثاني أكبر الأحزاب المصرية بحسب نتائج آخر انتخابات برلمانية أجريت وحاز فيها الحزب المذكور 25 في المئة من المقاعد، شارك الحزب في الحشد والتعبئة لإقرار الدستور المصري العام الماضي. وترجع نشأة الدعوة السلفية في الإسكندرية إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما رفضت مجموعة من الشباب المتدين الانخراط في جماعة الإخوان المسلمين وقتها، وأسسوا «الجماعة الدينية» التي تغير اسمها فيما بعد لـ«الجماعة الإسلامية» ،ثم «الدعوة السلفية» وسُمّي رئيسها بـ«قيم الدعوة السلفية»، وانحصر دورها في البداية في تنظيم حلقات العلم الشرعي ببعض مساجد الإسكندرية، وتوسيع الأنصار، حتى كشفت عن وجود تنظيمي قوي بعد ثورة يناير، وحسمت أمرها بتأسيس أول حزب سلفي، وأضحت لاعبا أساسيا في حلبة السياسة في مصر، وخرجت عن إطار وصاية الإخوان بتقديمها لمبادرة حوار مع المعارضة، من دون تنسيق مع الجماعة. أغلبيتهم بالإسكندرية أحد أهم معاقل التيار السلفي، وفي بعض المحافظات الأكثر فقرا مثل مرسى مطروح والوادي الجديد والفيوم وبني سويف. ـ رابعاً، «الجماعة الإسلامية»، وهي إحدى المجموعات التي انخرطت في العنف في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، قبل «المراجعات» التي قامت بها في العام 1995. وهي عادت للساحة السياسية المصرية بعد الثورة، ودخلت البرلمان بالاعتماد على تواجدها القوي في محافظات الصعيد الثلاث الأفقر، المنيا وأسيوط وسوهاج. أسست الجماعة «حزب البناء والتنمية»، الذي حاز أحد عشر مقعدا في البرلمان السابق، وعين بعض أعضائه في مجلس الشورى الذي يقوم بدور التشريع في غياب مجلس النواب، رغم أنه لم ينتخبه سوى 7 في المئة من مجموع الناخبين، فيما بدأ استفتاء على إلغائه وليس على إعطائه صلاحيات أوسع. وللحزب علاقات جيدة مع الحزب الحاكم حاليا، «الحرية والعدالة»، وقد اصطف معه في كل المعارك التي خاضها، وآخرها إبداء الاستعداد لحماية مقرات الإخوان من هجوم المتظاهرين عليها. ويتشارك هذا التيار مع الإخوان في الشعور بـ«الاستعلاء» على القطاع الأكبر من السلفيين، الأكثر فقراً والأقل تعليماً، لذا نستطيع أن نصف «الجماعة السلفية» بأنها أقرب فكريا ونفسيا لجماعة الإخوان. والفارق المنهجي بينها وبين سائر التيارات السلفية اختص بمسألة الخروج على الحاكم، وهو هنا كان خروجاً مسلحاً، بينما كان الخيار الفقهي لدى عموم السلفيين هو عدم جواز الخروج على الحاكم، «وإن سلب مالك وضرب ظهرك».
ـ انشق «حزب الوطن» السلفي عن حزب النور، ويرئسه عماد عبد الغفور، الذي يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية لشؤون التواصل المجتمعي. وهو تحالف مع «حزب الراية» الذي أسسه حازم أبو إسماعيل، المرشح الرئاسي السابق الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع الرجل القوي داخل جماعة الإخوان، خيرت الشاطر، ويقال إنه هو من دفعه لحصار مدينة الإنتاج الإعلامي. ولأبو إسماعيل شعبية لدى بعض شباب التيار السلفي، فحضوره هادئ، فضلا عن تقديم نفسه كقائد ثوري بخطاب إسلامي، لا سيما أنه حاول أن يبدو متصديا لنفوذ الجيش.
ـ وأما الفصيل المختلف، فذاك المسمى «السلفية الجهادية»، التي ترتبط بـ«القاعدة»، وقد تكونت لها جيوب في سيناء، وهي تتشكل من المجموعات التي انشقت عن الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد المصريتين، ولم تقبل بفكرة المراجعات التي أجرتها الجماعتان الأقدم في اتباع العنف المسلح. وينتمي معظم أعضاء المجموعات للبدو من أبناء سيناء، ممن تورط النظام السابق في حملات اعتقال وانتهاكات واسعة بحقهم، في ظل اتهامات كان يوجهها اليهم بالتورط في حوادث الإرهاب في دهب وشرم الشيخ. وقد استقر نوع من السلوك الثأري المتبادل بينهم وبين أجهزة الأمن المصرية، التي كانت صاحبة الحق الحصري في التعامل مع هذا الملف.
تأتي بعد ذلك حركات أقل وزنا مثل «الجبهة السلفية» التي أسست «حزب الشعب» باعتباره حزبا متمايزا عن باقي التيار السلفي، ويضم عددا من السلفيين الذين شاركوا في الثورة، على اساس اجتهاد مخالف لمجموع التيار السلفي. وهو يسعى الى تشكيل جبهة لخوض انتخابات مجلس النواب تحت راية الحزب الذى تغير اسمه إلى «حزب التغيير والتنمية». والحزب مقرب من أبي إسماعيل، وينسق معه ضمن «تحالف الأمة المصرية».
السلفيون الشباب
هناك مجموعات تعبر عنها بعض الحركات السلفية غير المؤطرة، ممن يمكن ان نطلق عليها «قوى سلفية شبابية»، مثل «سلفيو كوستا»، نسبة الى المقهى الشهير، وهم مجموعة من الشباب الذين حاولوا كسر الصورة النمطية للسلفيين، فجعلوا مكان التقائهم هو المقهى المذكور والمعروف برواده من الميسورين. ولعل هؤلاء ينتمون بمعظمهم اجتماعيا لهذه الشريحة، وهم يحاولون البرهان على توافقهم مع العصر، وانهم يمكن ان يكونوا «مودرن». يقتصر نشاط هذه المجموعة على تنظيم حملات تنموية واجتماعية تصلهم بالبسطاء، من خلال العمل التطوعي، وهو شكل من أشكال العمل الذي يحاول أن يبدو مقطوع الصلة بالسياسة. ولم تقدم المجموعة أي اجتهاد نظري أو سياسي مختلف، سوى حرصها على المشاركة في أية فعاليات ثورية، ورفع شعارات ثورة يناير. وضمن هذا التيار، مجموعات سلفية أخرى ظهرت مع ثورة يناير، منها «ائتلاف دعم المسلمين الجدد»، و«ائتلاف شباب مصر الإسلامي» و«تيار الإسلام الجديد»، ولها حضور إعلامي أكبر من وزنها في الشارع. وهى حركات لم تقدم حتى الآن أي اجتهادات معرفية لافتة.
يلي هؤلاء ما يسمى بـ«السلفية الحركية»، وهم مجموعة من سلفيي القاهرة ممن اشتركوا مبكرا في ثورة يناير، وكان نظام مبارك قد لفق لهم قضية «تنظيم الوعد» وبرأهم القضاء قبل الثورة. أبرز رموزهم د. محمد عبدالمقصود، والشيخ فوزي السعيد والشيخ نشأت إبراهيم، وهم من الموالين لجماعة الإخوان، والداعمين لها في الانتخابات أو في غيرها من المواقف السياسية.
وأخيراً...
هناك جماعات مثل «التبليغ والدعوة»، التي أسسها بالهند الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي في مطلع القرن الماضي، وتهتم بالدعوة إلى التوحيد وإقامة الصلاة والذكر والخروج في سبيل الله، حيث تقوم طريقتهم على انتداب مجموعة منهم لدعوة الناس للصلاة بالمسجد، وحضور الدروس. وهم لا يتكلمون في السياسة وينتقدون كل من يخوض فيها، ولا يضمهم تنظيم صارم، وينتشرون في الهند وباكستان وبنغلاديش بشكل أساسي، كما يوجد منهم جماعة في مصر. ومن الجماعات الأقل وزنا، «السلفية المدخلية» المنسوبة إلى محمد بن أمان الجامي الحبشي، أو ربيع المدخلي اليمني، وهي مجموعة سلفية توالي الأنظمة، وتحرم الخروج عليها. وأبرز رموز هذا التيار، محمود لطفي عامر (أصدر فتوى بقتل البرادعي) وأسامة القوصي، ومحمد سعيد رسلان... وفي مصر، كان لهذا التيار صلات معروفة بأجهزة الأمن.