تصاعدت وتيرة الاحتجاجات في مدينة البصرة، جنوب العراق، على أثر اغتيال الناشط البصْري تحسين أسامة على يد مسلحين مجهولين في 14 آب/ أغسطس الجاري. فخرج المتظاهرون يطالبون بالكشف عن الجناة والقصاص منهم. لكن لم تمر سوى أيام قليلة فقط حتى نجا أربعة نشطاء آخرين من محاولات اغتيال فاشلة في البصرة، عندما هاجم مسلحون سيارة كانت تقل الناشطَين المدنيين فهد الزبيدي وعباس صبحي، والناشطة المدنية لوديا ريمون فأصيب اثنان منهم بجروح، بينما تمكنت الناشطة المدنية رقية الدوسري من النفاذ ممن حاولوا اغتيالها بعد أن تصدت لهم بمسدسها الخاص. ثم، لم يكد الأسبوع أن ينتهي حتى جاء خبر اغتيال الناشطة المدنية ريهام يعقوب، بعد هجوم مسلح على سيارتها التي كانت تقلها مع ثلاث نساء أخريات. ازدادت موجة الغضب التي لم تهدأ، ليس فقط لكون ريهام يعقوب امرأة في مجتمع ما زال يرغب بأن يرى نفسه حامياً للنساء، بل لأنها كانت إحدى رموز الحراك الشعبي في البصرة منذ عام 2018 الذي انطلق ضد الفساد، وسوء الخدمات وسيادة المليشيات المسلحة في المدينة.
كانت ريهام يعقوب تحظى بتقدير الكثير من نساء البصرة من كل الأعمار. فهي حاصلة على شهادة الدكتوراه في التغذية من جامعة البصرة، وأنشأت عام 2016 مركزاً صحياً للنساء، يمارسن فيه الرياضة، ويتعلمن القواعد الغذائية الصحية. فكانت تنظّم ماراثون المشي للنساء، في شوارع مدينة تسيطر عليها الأحزاب الدينية المسلحة. لذلك استطاعت أن تكون أول من نظّمت، وقادت عدة مظاهرات نسوية حاشدة ضمن الحراك الشعبي في العام 2018. أثار دورها في الحراك غضب الأحزاب الدينية الموالية لإيران، فشنت عليها حملة تشويه واسعة، اتهمتها بالعمالة للسفارة الأمريكية، بعد نشر صورة لها ضمن إحدى الفعاليات الثقافية، التي عادة ما تنظمها السفارات والقنصليات الأجنبية للشباب في العراق. كما ونشرت وكالة مهر الإيرانية اسمها ضمن قائمة تضم عدداً من نشطاء البصرة، متهمة إياهم بالتآمر مع السفارة الأمريكية، لإثارة الشغب والتأثير على الوجود الإيراني في البصرة. تلقت يعقوب على إثرها الكثير من التهديدات بالاغتيال.
العراقيات الجميلات!
21-02-2020
النساء والنسوية في حركة الاحتجاج بالعراق - ملاحظات أولية
31-10-2019
ليس اغتيال ريهام يعقوب هو الأول من نوعه ضد الناشطات في العراق بشكل عام، وفي البصرة بشكل خاص. فما أن انطلقت ثورة تشرين الأول/أكتوبر 2019، حتى كانت الناشطة سارة طالب أولى ضحايا الاغتيال في البصرة، كما طال بعدها عدة ناشطات ومتظاهرات في مدن عدة في العراق. أما في عام 2018 فقد شُنت حملة اغتيالات ضد نساء معروفات، كان الغرض منها إثارة الرعب والتشويش على حراك البصرة الذي حصل على تعاطف شعبي كبيرٍ آنذاك.
الأمر هذه المرة لا يشوبه التشويش، فهو موقف واضح وصريح ضد نساء الثورة. فقد كان حضورهن قوياً ومؤثراً في المظاهرات والاعتصامات، على الرغم من كل أنواع العنف التي مُورست ضدهن من خطف وقتل وتهديد وتشويه. وهو أمر فاجأ الأحزاب الدينية التي، منذ توليها الحكم في العراق، سعت إلى تهميش دور المرأة وفصلها عن الشارع، ومحاولة تحديد صورتها بالثنائية المعهودة، الشرف والعار سواء للأسرة أو القبيلة أو الذَكر المرتبط بها. لذلك كان تواجد المرأة في الساحات بتلك القوة، انعكاساً للتحدي والتمرد الشعبي على كل القيم الرجعية، التي عملت تلك الأحزاب مجتهدة على غرسها في المجتمع لسنين طويلة، مستخدمة السلاح والدين والخوف.
آنا اللي جيت و محترق.. إنتَ منو؟
ما همني حر ولا برد.. إنتَ منو؟
آنا اللي رفض كل الدول.. إنت َ منو؟
آنا الحسيني من صدك… إنتَ منو؟
آنا الولائي للوطن.. إنتَ منو؟
آنا البَطل وابن البَطل.. إنتَ منو؟
آنا اللي ما منتمي لحزب.. إنتَ منو؟
البكاءات العالية.. عن أحزان المرأة العراقية
15-05-2020
كان هذا الهتافَ الذي كتبته ريهام يعقوب، ورددته في مظاهرة نسائية قادتها في البصرة عام 2018، وهي تضرب الأرض بقدميها لتثير الحماس بينالمتظاهرين، ليرددوا وراءها "إنت منو؟" (من أنتَ؟)، فكأنها تتحدى مَن اغتالها لاحقاً، بعراقيتها وانتمائها الكامل لوطنها، مقابل خيانة من تخاطبه وعمالته وعدم انتمائه. صار هتاف "إنت منو؟" واحداً من أكثر الهتافات ترديداً في ثورة تشرين الأول/أكتوبر. وأصبحت ريهام، في حياتها وبعد رحيلها، رمزاً لثورة النساء، أو كما يطلق عليهن في الساحات "بناتُكَ يا وطن".