التعليم الجامعي في الصومال

واحد وستون جامعة أصبحت منتشرة في البلاد، بددت أي شعور بالاحتياج للمزيد منها منذ انهيار المؤسسات التعليمية، بعد سقوط الدولة بداية التسعينيات. يقول أحد الأكاديميين ان الأوضاع أصبحت لا تطاق، إذ يكاد المرء «يتعثّر» بالجامعات لكثرتها في البلاد، وأصبح لا يفصل بين بعضها سوى أمتار قليلة.تكاثر الجامعات برَكة؟هكذا أصبح الحال في الصومال، حتى تكاد حالة
2013-03-13

محمود عبدي

كاتب من الصومال


شارك

واحد وستون جامعة أصبحت منتشرة في البلاد، بددت أي شعور بالاحتياج للمزيد منها منذ انهيار المؤسسات التعليمية، بعد سقوط الدولة بداية التسعينيات. يقول أحد الأكاديميين ان الأوضاع أصبحت لا تطاق، إذ يكاد المرء «يتعثّر» بالجامعات لكثرتها في البلاد، وأصبح لا يفصل بين بعضها سوى أمتار قليلة.

تكاثر الجامعات برَكة؟

هكذا أصبح الحال في الصومال، حتى تكاد حالة الـ«لادولة» تعتبر برَكة نزلت من السماء على التعليم الخاص في جميع أنحاء البلاد، إذ غدا افتتاح جامعة أو أي مؤسسة تعليمية أيًا كانت المرحلة التي تغطيها، رهنًا بإرادة أبناء المنطقة، وما يبديه الأكاديميون، من أبنائها وأثريائها، من رغبة في تأسيس ودعم مؤسسة من ذلك العيار، لتأمين فرص التعليم لتلاميذ وطلّاب من أطفال السكان وشبيبتهم. فبعد أن كان التعليم حكرا على الدولة، بما لا يتجاوز أصابع اليدين، من مراكز التعليم الجامعي والمعاهد التقنية والمتوسطة والدنيا، أصبح مطلبا ملحا إيجاد بديل سريع يملأ الفراغ الذي خلقه غياب الرعاية الحكومية، وتدارك الدمار الذي لحق بالمرافق التعليمية، والخدمات الملحقة بها، فتم افتتاح جامعة مقديشو في خريف 1997 وتلاها افتتاح جامعة «عمود» بعد ذلك بعام، وراحت مذاك الجامعات تتزايد.

التعليم الخاص في ظل انهيار الدولة

شكّل التعليم الخاص في الصومال البديل الوحيد لاستيعاب جانب مهمّ من مخرجات التعليم الثانوي، في ظلِّ تراجع فرص التعليم خارج البلاد بتعطّل آليات التبادل الجامعي الحكومي مع دول العالم التي كانت في السابق تمنح مقاعد جامعية لطلبة الصومال، بناء على اتفاقات ثنائية مع الدولة، كما أن التعليم الخاص أمّن فرصة لمتابعة التحصيل الجامعي برسوم دراسية ميّسرة، تتناسب كذلك مع الحالة الاقتصادية لكتلة كبيرة من الصوماليين، متيحة للطلبة أن يستمروا في التحصيل بالقرب من أماكن سكن عائلاتهم، ما خفف الأعباء المالية عن ذويهم إلى حدّ كبير، واتاح كذلك فرص عمل في مجال التعليم الأكاديمي الجامعي والمدرسي، معزّزًا الشعور بالجدوى من استكمال الدراسة في مدارس البلاد، التي تكاثرت بدورها بجهود ذاتية لتغطية ما يمكن تغطيته من احتياجات مجتمع يعتبر الأطفال المكوّن الأكبر عددا فيه.

وجاهة وتجارة

ورغم الإيجابيات التي حملها هذا التوجه الجديد ـ نسبيا ـ نحو التعليم الخاص، إلّا ان ما بدا من تسابق بين المجتمعات المختلفة والأفراد لافتتاح المزيد والمزيد من الجامعات، من دون أن تتوفر البنى التحتية اللازمة، كنوعٍ من الـ«وجاهة» القبلية للتفاخر حينًا، أو الاستثمار المالي المحض من جهة أخرى، قاد إلى تدني في مستوى المتخرجين، الذين لم تمكنّهم ظروفهم المادية من إيجاد بديل عن هذه المؤسسات المجهولة المصداقية، التي تؤمن شكليّات التعليم الجامعي، من حضور لقاعات الدرس والكتب والامتحانات، ومن ثم الحصول على درجة جامعية.

على الرغم من الجهود الهائلة التي قدّمها الروّاد في ذلك المجال، من مساعٍ لتأمين أكاديميين أكفاء لتقديم المواد العلمية للطلبة، والبناء والتوسّع المستمرين في المقرّات والمنشآت الملائمة لتلقي التعليم، ومحاولة الاستفادة من تقنيات الاتصال المتاحة «للدراسة عن بعد» ضمن الحرم الجامعي نفسه، من خلال محاضرات يقدّمها أكاديميون موجودون في مؤسسات تعليمية في العالم كبريطانيا والولايات المتحدة، فإن غياب المكتبات أو ضعف محتواها من المراجع، وعدم توفر الإمكانيات لبناء مختبرات حقيقية لتقديم المواد العلمية وإجراء التجارب، قاد إلى التركيز بالدرجة الأولى على الجانب النظري من ناحية، والى عدم التوازن في الفرص التعليمية المقدمة لصالح التخصصات النظرية كالعلوم الإنسانية وإدارة الأعمال وما يماثلها، مؤديا الى ضعف مستوى التحصيل العملي لدى متخرجي الكليات العلمية وقلّة أعدادهم بشكل كبير.

المنجز والمتبقي

وقد يكون مطمئناً وصول الرئيس حسن شيخ محمود إلى السلطة، وهو أكاديمي، ومؤسس لجامعة («سيمد» SIMAD) الخاصة، التي خرّجت مئات من الرجال والنساء الذين يتولون مراكز مهمّة في مفاصل الدولة الفيدرالية اليوم. فالحاجة هي الى صدق ما يبدو من الاهتمام الحكومي برفع سويِّة التعليم الجامعي في البلاد جملة، وكذلك لجهة موضع معايير للاعتراف بمؤسسات التعليم الخاص، أو الشروع بتأسيس جامعات حكومية، لا لُبس في استيفائها اشتراطات العمل الأكاديمي ومستلزماته.

هناك نداءات انطلقت باكراً لضبط عملية افتتاح الجامعات في البلاد، وتحديد الإجراءات اللازمة للإعلان عنها واعتمادها، ووضع شروط تضمن توفّر الحد الأدنى من متطلّبات العمل الأكاديمي، للحصول على الاعتراف بها من جهة مؤسسات الدولة الفيدرالية المختصّة بتسجيل تلك الجامعات، والتأكّد من صلاحية وثائق التخرّج الصادرة عن أقسام العمادة والامتحانات فيها. وقد استجاب لذلك المسعى منذ عام 2011 عشر مؤسسات جامعية في محيط العاصمة الصومالية مقديشو، في اجتماع عقدته وزارة التعليم والثقافة والتعليم العالي وهي: جامعة مقديشو، جامعة بنادر، جامعة الصومال، جامعة بلاسما، جامعة حمر، معهد «سيمَد» (سابقًا، وهو جامعة حاليا)، جامعة المحيط الهندي، جامعة جزيرة، كلية البيطرة، جامعة جرين هوب. وورد في تقرير صحافي صدر بعد ذلك بعام، أنّ وزارة التربية والتعليم العالي لحكومة «أرض الصومال»، المعلنة من طرف واحد، أصدرت بيانًا بأسماء الجامعات المسجلّة لديها، فكانت سبع عشرة جامعة.

ما زالت رغم ذلك المهمة غير منجزة: وضع واعتماد مقاييس موحدة وصارمة، وتطبيقها، ليبقى مجال التعليم العالي بعيداً عن التنافس القبلي والجهوي، والتجارة معاً، كرئة يتنفس من خلالها المجتمع الصومالي رانياً الى تجاوز انقساماته ونزاعاته.

كاتب من الصومال somalifuture.wordpress.com

            
 

مقالات من الصومال

للكاتب نفسه