العــنــف الأهـلـــي ضــــد الصـومـاليـيـــن فـــي كـيــنــيـا

لا زالت عالقة في الأذهان، لا تغيب للحظة، موجة أعمال العنف التي اجتاحت الجمهورية الكينية، كنتيجة للفساد السياسي الذي اعتمد إقصاء عددٍ من القوميات الكبرى من السلطة في ذلك البلد الفسيفسائي، لصالح الجماعة القومية «كيكويو/بانتو»، ورد الفعل الانتقامي الذي قادته جماعتا «لوو» و«كالينجن» وهما الثالثة والرابعة من بين القوميات الكينية على الترتيب، والتي ينتمي إلى إحداهما
2012-11-28

محمود عبدي

كاتب من الصومال


شارك

لا زالت عالقة في الأذهان، لا تغيب للحظة، موجة أعمال العنف التي اجتاحت الجمهورية الكينية، كنتيجة للفساد السياسي الذي اعتمد إقصاء عددٍ من القوميات الكبرى من السلطة في ذلك البلد الفسيفسائي، لصالح الجماعة القومية «كيكويو/بانتو»، ورد الفعل الانتقامي الذي قادته جماعتا «لوو» و«كالينجن» وهما الثالثة والرابعة من بين القوميات الكينية على الترتيب، والتي ينتمي إلى إحداهما الرئيس الأميركي «باراك حسين أوباما». لم تمض خمس سنواتٍ، حتى انفجر عنف عرقي جديد، لأسباب مختلفة تماماً عن السابق. هذه المرّة وقع العنف بين قوميتي «كيكويو/بانتو» والقومية الصومالية، المنتمية للمجموعة «الكوشية»، الضلع الثالث في مثلث التركيبة البشرية الكينية.
فقد قاد السلوك الحكومي الكيني الفظ في كلٍّ من منطقة «إسيلي» في العاصمة «نيروبي»، وفي الشمال الشرقي، حيث وقعت أحداث «غاريسا» الأخيرة (من احراق كنيسة ثم مقتل رجال شرطة، وبينهما ضحايا مدنيون)، إلى حالة تبرّمٍ وغليان لم يسبق لهما مثيل لدى القوميات المختلفة في البلد، خاصة المجموعة الكوشية ممثلة بالصوماليين والأورمو. تلك إذا من نتائج التورّط الكيني في الصراع الدائر في الصومال بين الحكومة الانتقالية و«حركة الشباب المجاهدين»، وما تخلل الاحداث من جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان، وتعريض البلاد لعمليات انتقامية من حركة الشباب ضد مواطنين كينيين، وهو أمر لم يستثن أي أحد من أي قومية كانت. وكذلك ما تراكم من اعتداءات وتجاوزات ضد النازحين الصوماليين في مخيّم «داداب» الكيني.
يزداد التبرم من استمرار محاولة متنفذين في السلطات الكينية ممارسة الابتزاز للأنشطة الاقتصادية التي يمتلكها كينيون من القومية الصومالية ـ خصوصاً ـ وغيرها، كونهم القومية الأبرز اقتصادياً في البلاد، بعد نجاحهم ـ أي الصوماليين ـ في تحجيم السيطرة الهندية على نطاق الأعمال المتوسطة والصغيرة. وتتعامل أجهزة الأمن الكينية مع الصوماليين «عامة» كمشتبه بهم بالانتماء للحركات الجهادية، ولكن ذلك يتبع فعلياً الأمزجة أي الاعتباط، وشهية تحصيل الإتاوات. ويضاف لهذه وتلك، رغبة الحكومة الكينية في التوسّع ببيع الأراضي المملوكة للدولة لشركات أجنبية على حساب القوميات المهمّشة، بل وما يتردد من تعديها على المياه الإقليمية والتراب الوطني الصومالي.
ولم يكن خروج الكينيين من أبناء قومية الأورمو «الكوشية» في المظاهرات المنددّة بالسلوك المجحف لأجهزة الأمن تجاه أشقائهم الكينيين من القومية الصومالية، سوى دلالة على حجم ما هو قادم من التمترس العرقي الذي سيقسّم البلاد إلى مناطق عرقية / سياسية ثلاث، نتيجة لسوء تعامل السلطات الحكومية الكينية مع النطاقات الثقافية والعرقية المتباينة التي تمور بها البلاد في كل أركانها.
إن ما حدث ويحدث من عنف وتعامل صلف من قبل دوائر الحكم الكينية تجاه القوميات القاطنة في شمال وشمال شرق كينيا، يحيي ما تمكّن أبناء تلك المناطق من تجاوزه بصعوبة إثر المذابح التي ارتكبت مراراً تجاه الصوماليين والقوميات الكوشية الأخرى، على مدى أربعة عقود مرّت. وهذه كانت نتيجتها إبادة قومية «رنديله» الشقيقة لكلّ من الصوماليين والأورما والبورانا، وتهجير من نجا من ابنائها.
ناهيك عن التجاهل المريب لخطورة الأثر الاقتصادي المدمّر على البلاد الذي سيحمله سحب الصوماليين لاستثماراتهم، والاتجاه بها بعيدا عن حيث يتعرّضون للإساءة، أي إلى الجمهورية الصومالية وتنزانيا المجاورتين، اللتين يتوقع أن يلقوا فيهما التقدير والأمان.
فهل يمكن توقّع تغيّر في أنماط السلوك الحكومي الكيني قبل فوات الاوان، وتعمق الانقسامات والجفاء؟ لا سيما أن الأوضاع في الجمهورية الصومالية تتجه إلى التحسّن، مما سيخلق بيئة اقتصادية جاذبة لرأس المال الصومالي/الكيني، تدفعه للعودة إلى موطنه الأصلي، أو حتى الى نقل مراكز العمل من نيروبي، مع الحفاظ على مواقع الاعمال المتحققة كمجرّد أسواقٍ مدرّة للأرباح بينما تدار الأنشطة عن بعد، من مقديشو.

كاتب من الصومال
somalifuture.wordpress.com

    
   
 

مقالات من الصومال

للكاتب نفسه