النفط فـي الصومال: حلم لامـع فـــي واقـــع صعــــب

لم يخطر يوماً للبدو الصوماليين، وهم يملأون أوعيتهم من ذلك الزيت القاتم الذي يخرج من باطن أرضهم، ليعالجوا به إبلهم من الجَرَب، أو وهم يمرّون بأراض أشعلتها الصواعق، أن تلك المادة اللزجة والنفّاذة الرائحة، ستحرّك العالم من حولهم، بل ستحدد مصائر الشعوب، ومسار الأحداث الكبرى على سطح البسيطة. في مطلع السنة الجارية، تم الإعلان عن تكثيف أعمال الحفر والتنقيب في ولاية «أرض البونت» و
2012-12-19

محمود عبدي

كاتب من الصومال


شارك

لم يخطر يوماً للبدو الصوماليين، وهم يملأون أوعيتهم من ذلك الزيت القاتم الذي يخرج من باطن أرضهم، ليعالجوا به إبلهم من الجَرَب، أو وهم يمرّون بأراض أشعلتها الصواعق، أن تلك المادة اللزجة والنفّاذة الرائحة، ستحرّك العالم من حولهم، بل ستحدد مصائر الشعوب، ومسار الأحداث الكبرى على سطح البسيطة.
في مطلع السنة الجارية، تم الإعلان عن تكثيف أعمال الحفر والتنقيب في ولاية «أرض البونت» و «أرض الصومال»، وأن الاحتياطي النفطي المقدّر هناك يقارب ثلاثة أضعاف ما هو مثبت في بلد نفطي هائل كنيجيريا، أو هو يساوي احتياطي الكويت. وأن احتياطي الغاز في البلاد يساوي ترليونات الأقدام المكعّبة، بما يرشّحها لأن تكون البلد السابع عالميا من حيث الاحتياطي المثبت.

حرب استعمارية قديمة

وقد يكون شعور الصوماليين المتوارث والراسخ بعدم الثقة بالرجل الأوروبي، واستماتتهم في الحدّ من تحرّكه على أرضهم تحت طائلة التهديد المباشر لحياته فور أن يغادر المدن الساحلية، هو ما جعلهم لا يعيرون أي اهتمام لما ساقه المغامرون الغربيون من وجود دلائل دامغة على ثروات معدنية في الأرض الصومالية. فقبل الحرب العالمية الأولى، وتحديداً سنة 1912، أعلنت سلطة المحمية البريطانية في الصومال عن اكتشاف تسربّات طبيعية زيتية، «نزّ» من تركيب صخري، ليس بعيداً عن «بربرة» عاصمة المحمية آنذاك. إلّا أن اندلاع الحرب العالمية الأولى، أجّل أيّ نية بريطانية للبدء بخطوات الاستكشاف، خاصة أن الصوماليين في المناطق المستقلة كانوا طرفاً مباشراً في الحرب، كحلفاء للدولة العثمانية والألمان والنمساويين، يقودهم في ذلك السيد محمد عبد الله حسن. وبعد انتهاء الحرب، بدأت أعمال الحفر وانتشال العينات للتحليل، فصدر تقرير حول حقل بربرة سنة 1918. وفي سنة 1920، انتهت الحرب الصومالية ضد التحالف الغربي (بريطانيا وإيطاليا والحبشة بدعم فرنسي)، بهزيمة الثورة الصومالية وموت قائدها.
ومع تأكد الدلائل على وجود خامي النفظ والغاز في مناطق متعددة شمال البلاد وجنوبها وشرقها وغربها، بدأت أعمال البحث والاستكشاف، وتسارعت وتيرة التنافس الإيطالي - البريطاني على تحقيق السبق في ذلك المجال. فرفع الباحث الجيولوجي الإيطالي جويسبي ستيفاني تقريره للحكومة الإيطالية سنة 1925، وأخرج المجلس الوطني للبحوث في إيطاليا تقريراً مرفقًا بخريطة جيولوجية للمستعمرة الإيطالية في الصومال بعد ذلك بثماني سنوات، و أصدر مكتب قرطاسية جلالته ـ الملك جورج الخامس ـ سنة 1935، كتابا للباحث الجيولوجي البريطاني ماكفادين بعنوان «جيولوجيا ومستحاثات الصومال البريطاني». واحتدم التنافس الإيطالي البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، بل امتد إلى ما بعدها. وبحلول الخمسينيات، حاول الإنكليز استثمار الهزيمة التي منيت بها إيطاليا، وفي الوقت نفسه مقاومة المساعي الأميركية الحثيثة للحلول محلّ بريطانيا في مناطق نفوذها التقليدية، فبذلوا جهودا كبيرة في التنقيب والاستكشاف النفطي، وتم تأسيس «شركة صوماليلاند للتنقيب عن النفط المحدودة البريطانية» وقامت شركة «سينكلير» بحفر بئرين تجريبيين جنوب البلاد.
ومع بدء العقد السادس من القرن العشرين، استقل إقليمان صوماليان (البريطاني والإيطالي)، من أصل الأقاليم الخمسة للبلاد، واتحدا في الاول من تموز/يوليو 1960. وبدأت مرحلة جديدة أكثر نشاطًا في مجال الاستكشاف النفطي، وقامت شركة «سينكلير» بأعمال حفر لبضع عشرة بئرا استكشافية، ودخلت شركة «غلف» مجال العمل أيضاُ، وتوالى صدور التقارير المبشّرة بمخزونات نفطية كبيرة.

حروب لا تنتهي

دخل الصينيون سنة 1972على خط المنافسة، فأصدر فريق الباحثين من الصين الشعبية تقريرا عن الصومال تحت عنوان «المسح الجيولوجي حول الفحم والنفط»، وأصدرت إيطاليا تقريرا عن «التطور الجيولوجي بجنوب غرب الصومال». وقد جنى الصومال ثمار انضمامه إلى منظمة جامعة الدول العربية، فاتسعت آفاق التعاون مع الدول الأعضاء، وتم إنشاء مصفاة للنفط (مصفاة «جزيرة») بالشراكة مع العراق، وبدأ الصومال بتكرير الخام العراقي، وتصدير فائض الوقود لدول الجوار، حسب الاتفاق الثنائي. لكن سرعان ما اندلعت الحرب بين الصومال وإثيوبيا سنة 1977، نتيجة لتوسع الدعم الصومالي لجبهة تحرير غرب الصومال «أوغادين»، وتدخّل الجيش الصومالي بشكل مباشر في الأعمال الحربية خلف الحدود. وأسفرت الحرب عن هزيمة الصومال على يد دول حلف «وارسو»، وكانت النتيجة إجلاء الخبراء الروس من البلاد، وتصفية الوجود العسكري السوفييتي، وإحلال الأمريكان محلّهم في القاعدة البحرية في الساحل الشمالي، في بربرة. وقاد هذا التغيّر الدراماتيكي إلى تطورين رئيسيين، أولهما تزايد وتيرة أعمال التنقيب من قِبل شركات غربية في البلاد التي تم تقسيمها إلى قطاعات تنقيب (Blocs) غطّت مجمل برّها والرصيف القاري التابع له. أما التطّور الثاني فقد كان فقدان النظام الحاكم الدعم الذي كان يلقاه من المعسكر الشرقي، بينما لم يصل الدعم الأميركي الى زخم ذاك الاشتراكي، وهو ما عجّل بتآكل قوّة النّظام، وازدياد المعارضة له، بعد تكشّف فشله في إدارة البلاد سياسيا واقتصاديا، وتصاعد أعمال القمع والملاحقة للمعارضين، بل واعتماد سياسات التنكيل الجماعي بفئات عريضة من المجتمع.
ولم تبدأ شمس الثمانينيات من القرن العشرين بالغروب، حتى بزغت بوادر مرحلة الصراع المسلّح الذي سيكون السمة العامة للأحداث في البلاد على مدار أكثر من عقدين لاحقين. فانفجرت الأوضاع بأحداث «برعو» العام 1988، مسببة صدمة كبيرة للنظام، ومستنزفة موارد الدولة الشحيحة. وبعد قمع التمرّد الذي قادته «الحركة الوطنية الصومالية»(SNM)، وتركز القوة العسكرية للنظام في الشمال الغربي للبلاد، حدثت موجة نزوح جماعي هائلة نحو الإقليم الصومالي في إثيوبيا، مما جعل المنطقة ساحة حرب مفتوحة، تستهلك كل قدرات البلاد، بل وتطال أعمال التجنيد الإجباري و«الخطف» الاعتباطي للذكور، مواطنين كينيين قدموا للتبضّع في البلدات الحدودية الصومالية. وبدّد ذلك كل جهود الجنرال الكهل، محمد سياد بري، لإحكام قبضته الحديدية، بما يَسّر بعد ثلاث سنوات من ذلك سقوط النظام بهجوم واسع على مركز الحكم في العاصمة مقديشو، ليفّر الجنرال إلى كينيا المجاورة، ومنها إلى نيجيريا حيث وافاه الأجل بعد سنوات قصيرة.
في خضم ذلك، لم تغب شركات التنقيب الغربية عن رصد ما هو حاصل في البلاد من تفسّخ للنظام وما صارت إليه الأمور في تلك الفترة العصيبة، فأشارت تقارير شركة «شيفرون» الأمريكية في الصومال المرفوعة إلى الشركة الأم، إلى أن القوات الحكومية تفتعل التفجيرات في مواقع التنقيب بدلًا من حمايتها، بغرض الحصول على دعم من الحكومة المركزية، العاجزة عن سداد الرواتب، في حين أن قوات المتمردين ترسل باستمرار رسائل تطمين للشركات العاملة، عبر زيارات سرية لمواقع التنقيب، باعتبار أن النفط ثروة وطنية، يجب الحفاظ عليها وعلى الأعمال المتعلقة بها، وتقديم الضمانات بعد المساس بالمعدات أو بالعاملين الأجانب. ولكن هدفها النهائي هو عدم تمكين النظام من الاستمرار، ومنعه من وضع يده على تلك الثروة.
ومع التدهور السريع والمأساوي للأوضاع، اضطرت شركات التنقيب الأجنبية كلها إلى إعلان توقّف الأعمال بـ«القوة القاهرة» سنة 1990. وعلى الرغم من ترحيل معظم الشركات لكوادرها الفنية الأجنبية والوطنية العاملة في البلاد، إلّا ان شركة «كونوكو» الأميركية أبقت لنفسها وجودا ملحوظاً في مقرّها الرئيسي، وهو ما كان له أثر كبير فيما هو قادم من أحداث في جنوب البلاد والعاصمة تحديدا.

«حملة إعادة الأمل»، أو النزول العسكري الامريكي في الصومال

دخلت الصومال والقرن الإفريقي، المرحلة الأخطر في تاريخهما، مع بداية تسعينات القرن الماضي.فقد أصاب الشلل مرافق الدولتين الصومالية والإثيوبية، بعد أن تمّ فيهما تحويل موارد الدولة كلها للإنفاق على الحملات العسكرية المستمرة ضد الحركات القومية، والوطنية المناهضة للدكتاتورية، والمطالبة بحقوق الفئات والأقاليم المهمّشة، في شمال غرب الصومال، وإرتريا، وشمال غرب إثيوبيا.
وحاولت الدولتان الجارتان اللدودتان، الصومال وإثيوبيا، تدارك الخطأ التاريخي الذي ارتكبتاه بالرعاية المتبادلة لمعارضيهما. لكن تلك الحركات المناوئة للنظامين، كانت قد بلغت من القوة وحصدت من التأييد الشعبي ما لا يمكن عكسه او التغلّب عليه. وعلى الرغم من أن الطريق كان واضحاً أمام التنظيمات المعارضة الإثيوبية/الإرترية، فإن الأمر كان مختلفا بالنسبة للتنظيمات الصومالية لأسباب بنيوية، رغم ما يتميز به الصوماليون من وحدة القومية والدين واللغة. وبسبب سلسلة من الأخطاء التاريخية، إضافة للفشل الديبلوماسي الصومالي الذي لم يتم يوما إصلاحه منذ حرب سنة 1977، فقد حصدت البلاد عزلة تامة، في خضمّ أحداث كبرى كانت تجري في العالم آنذاك. وقد تشتت الانتباه العربي والإقليمي والدولي عن الأزمة الصومالية في بواكيرها، وسمح الموقع الجغرافي والديني لإثيوبيا بمنحها ميزة إضافية. فمع تحقق تحرير إرتريا وإعلان استقلالها، كان لزاماً على الغرب تدارك الوضع هناك عبر تأمين توافق بين القوى السياسية والعسكرية المتنافسة، على عكس ما حصل في الصومال.
وقد أعلن البنك الدولي عن قائمة قصيرة بالدول المرشّحة لأن تكون رائدة في إنتاج النفط، شملت في مقدّمتها جمهوريتي الصومال والسودان. وفي السنة ذاتها، أي العام 1991، تعرّض أرشيف أعمال الاستكشاف النفطي للنهب والحرق والتدمير في مخازن ومستودعات وزارة المعادن والمياه. وبقيت عالقة في الأذهان تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش من اليمن سنة 1986، عن رغبة الولايات المتحدة بتشجيع أعمال التنقيب والإنتاج للنفط والغاز خارج منطقة الخليج العربي، وبعيداً عن مضيق هرمز والمخاطر السياسية والعسكرية التي تمور بها تلك المنطقة. وكل ذلك زاد من اهتزاز استقرار البلاد. فهو ظهَّر سر السلوك المميز لشركة «كونوكو» إزاء «تعليق الأعمال بالقوة القاهرة» الذي اتبعته سائر الشركات. فعلى العكس منها، قامت كونوكو بالحفاظ على وجود واضح لها في مقرّها بالعاصمة، وأسست لشبكة اتصال مع العناصر الجديدة التي برزت من قلب حالة الفوضى التي تلت هروب قائد النظام وأعمال النهب والصراع السياسي التي قادت لانهيار الدولة تماماً.
ولا شكّ في أن تحرّك الشركة البترولية العملاقة تلك، وما أبدته من الثقة في علاقاتها على الأرض، قد قاد رجل البترول الذي أصبح على رأس السلطة في الولايات المتحدة، جورج بوش، إلى محاولة الاستفادة من نشوة النصر التي رافقت هزيمة العراق وتحرير الكويت. ومع توفّر وجود عسكري أميركي كبير في شبه الجزيرة العربية المجاورة، إضافة لما تكوّن من مستوى جديد من العلاقات مع دول التحالف الذي شارك في «عاصفة الصحراء»، فقد بدا من اليسير في نظر الإدارة الأميركية آنذاك، القيام برحلة «سفاري» على الأرض الصومالية، لضمان تدفّق النفط الرخيص، والأقرب الى الخط البحري المعتاد لنقل النفطين العربي والإيراني.

شركة ـ سفارة أميركية وغزو

تحـوّل مقـرّ الشـركـة الأميركية إلى سفارة للولايات المتحدة، ورأس جسـر للإعــداد لنـــزول القــوات الأميركيــة التي شــكلت معظــم عديـــد القــوة العسكرية التي جـاءت البــلاد بغــطاء أممـــي، عبر الحملــة التــي أطلــق عليها «إعــادة الأمــل» وذلــك في 1992.
ومع تفاعل الصراع على الأرض الصومالية الذي أخذ مناحي عدّة، نظرا لتراكمات الفترة الدكتاتورية الطويلة نسبيا (ثلثي عمر الجمهورية)، كانت النتيجة مفجعة في كافة أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق الحضرية الزراعية، في إقليم ما بين النهرين حيث السكّان مسالمون بطبعهم، ولم يشاركوا بشكل مباشر في أعمال الإطاحة بالنظام السابق، مما حرمهم من القدرة على التسلح وتأمين مناطقهم ضد اجتياح كتائب المناطق القبلية البدوية إلى الشمال والشرق. وقد انفجرت البلاد وخاصة مناطق الوسط والجنوب، بصراعات اختلط فيها السياسي بالقبلي بالاقتصادي.
وفي خضم ذلك كان الهدف المعلن للنزول العسكري الأجنبي في البلاد هو تأمين وصول المساعدات للمتضررين من الحرب الأهلية والجفاف. ولكنه فاقم الصراعات الداخلية، خاصة مع بروز الخلافات بين القيادتين الأميركية والإيطالية، بحكم تضارب توجّهاتهما.إذ بينما سعى الأمريكان الى إحكام قبضتهم على العملية العسكرية، كرر الإيطاليون انتقاداتهم لها، تأكيدا لما ادّعوه من معرفة بالأرض والسكان منذ فترة الاستعمار. وتطوّرت الأمور فاتهم الأميركيون الإيطاليين بإفشاء أسرار التحركات العسكرية الأميركية للجنرال محمد فارح عيديد، بما ضمن له النجاة مرارا من محاولات الاغتيال أو الاعتقال التي قامت بها القوات الأميركية. بل تطوّر الأمر إلى إفشال آخر المحاولات الأميركية فشلاً مدوياً أدى لمقتل عدد من الجنود الأمريكان، ما قاد إلى هرولة قيادتهم باتجاه الانسحاب من الصومال، خاصة بعد سحل الجنود الأمريكان في الشوارع المتربة لمقديشو، وعرض هذه المشاهد مترافقة مع تصريحات تستخف بالامريكان وتتوعدهم.
انتقمت أميركا التي شعرت بالمهانة، علاوة على الفشل بتحقيق هدفها بالحصول على موطئ قدم في الصومال، بإهمال البلاد. وعبر عن ذلك الأمين العام للإمم المتحدة آنذاك بطرس بطرس غالي الذي سجل بوضوح خيبة أمله الكبيرة ويأسه من الصوماليين. وقد ترافق التجاهل الدولي للصومال مع تشجيع الأمريكان لدول الجوار على التدخل في الشأن الصومالي. وأدى كل ذلك إلى منع استتباب الأوضاع في البلاد «ذاتيا»، والى تجاوز الضحايا المليون إنسان.

مخارج للازمة أم عودة الصراع الدولي؟

وفي العام 2001، نشطت المحاولات الداخلية، ومن الدول الإقليمية كذلك، لإيجاد مخرج من الأزمة الصومالية، خاصة مع بروز قوى إسلامية جهادية، وتكرار أحداث دامية نتيجة للصراعات القبلية والسياسية. فنجحت جيبوتي في استضافة مؤتمر «عرتا» بدعم فرنسي واضح، وتم انتخاب حكومة الدكتورعبدي قاسم صلاد حسن. وقد حصلت الحكومة الفرنسية على ما كانت تسعى إليه، فتم منح امتياز التنقيب في جنوب الصومال لشركات توتال و فينا وإلف Total-Fina-Elf الفرنسية لتحل محل أجيب الإيطالية AGIP وأموكو الأميركية Amoco.
وقد عاد الاهتمام الأميركي بالصومال، وصدر العام 2002 تقرير ملخص عن جامعة ولاية كانساس حول أعمال الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في الصومال، والإمكانيات المتوقعة. إلا ان واشنطن سرعان ما انشغلت بغزو العراق واحتلاله، بينما ظهرت بوادر تحرك بريطاني هادئ للحلول محلّ الأمريكان في ملف النفط الصومالي، بعد غياب دام لعدّة عقود. فبدأت العام 2003 شركة روفاغولد للطاقة البريطانية (Corp Energy Rovagold) بأعمال التنقيب عن النفط في المناطق الساحلية في «أرض الصومال»، جنوب شرق مدينة «بربرة»، لتحل مكان شركة أموكو Amoco التي توقفت سنة 1989. وقد تم إفهام شركات شرق آسيوية، اندونيسية وسواها، ربما دفعت بها الصين الى الواجهة، بضرورة تخليها عن طموحاتها في الصومال.
وبتولي الرئيس السابق لولاية «أرض البونت» العقيد عبد الله يوسف أحمد، منصب رئيس الجمهورية الصومالية سنة 2004، وبدء الدخول في المرحلة الفيدرالية، فإن حقبة جديدة من التنقيب عن النفط والغاز بدأت في البلاد، اشتركت فيها شركات مغمورة ذات صلات بريطانية غير مباشرة، كشركات «أسترالية» وأخرى «اسكندنافية ـ بريطانية» أو كندية، وتم بيع حقوق التنقيب في ولاية «أرض البونت» لشركة «رانج ريسورسز» الأسترالية العام 2005.
وفي خضم الخلافات السياسية في قلب تلك الحكومة، ومحاولات الرئيس تمرير قانون خاص بأعمال التنقيب والاستكشافات البترولية، وقيامه بإقصاء رئيس وزرائه المقرّب من إثيوبيا، وفي ظل إستعار الحرب في جنوب البلاد، وانتصار اتحاد المحاكم «الشرعية/الإسلامية» على أمراء الحرب، ودخول القوات الإثيوبية لحماية الحكومة الانتقالية الهشّة، أعلنت شركة شيفرون الأميركية في العام 2007 عن عدم تخطيطها للعودة قريبا للصومال، بما بدا طيا لصفحة سابقة من النشاط الاستكشافي في البلاد. ولكن إعلاناً لاحقاً جرى عن إحلال تحالف بين شركتي كانميكس ورانج للموارد محل شركة كونوكو للحفر في المحاضر التي كانت عائدة للأخيرة.

التقسيم المكين والفشل

كان العقد الأول من الألفية الثالثة للميلاد يقارب على الانتهاء، بينما تستمر الجمهورية الصومالية مقسّمة، تبعاً لظروف تاريخية وسياسية وربما مصلحية أيضا لا تخص الصوماليين انفسهم.
وقد تأكدت من جديد الحقيقة التاريخية التي تقول ان أي وجود عسكري مباشر قادم من هضبة الحبشة، سيؤدي لا محالة لسقوط الطبقة السياسية التي يتم في عهدها، وأن الوصفة الأنجع لقيام حكم إسلامي في البلاد هو الوجود الإثيوبي المدعوم غربياً على التراب الوطني. ويظهر جلياً العامل الأهم المساهم في رسم الحيّز الذي كان يمكن للصومال المناورة فيه سابقاً، في مساعيها الماضية لتوحيد الأقاليم الملحقة بكل من كينيا وإثيوبيا، والذي دفع الصوماليين والمصريين للاتفاق على انضمام البلاد إلى الجامعة العربية، ألا وهو الدعم العربي للصومال في استرجاع أرضها، والدعم الصومالي لمصر والسودان في الحفاظ على القسمة القديمة لمياه النيل، عبر إضعاف الجبهة الإثيوبية حتى تتنازل عن الأرض ـ باستقلال الصومال الغربي عنها ـ أو تقبل بالقسمة المائية وتعجز عن قيادة دول المنبع ذات العلاقة المميزة بإسرائيل.
تم استبدال القوات الإثيوبية المنسحبة بقوّات من دول منابع النيل، في سخرية التاريخ من انضمام البلاد «الرمزي» للجامعة العربية من ناحية، والوجود العسكري «الفعلي» الذي أصبح اليوم واقعاً، يدل على إخفاق الصوماليين والعرب في القيام بما يلزم للحفاظ على ما تم تحقيقه، ناهيك عن التقدم خطوة أخرى في إنجاز ما تم الاتفاق على السعي إليه.

الصومال حصة من؟

وبدخول العامل النفطي من جديد في المعادلة بقوّة، فإنه أصبح من اللازم عودة الصوماليين ـ مرغمين ـ الى الوسط الإقليمي، لتندرج البلاد ضمن الخطة الكبرى لاستخراج النفط والغاز التي بدت بالفعل، ممتدة من مدغشقر حتى جيبوتي، مروراً بموزمبيق وتنزانيا وكينيا وأوغندا وإثيوبيا.
وفي تجاوب مع الظروف المستجدة، أعلنت حكومة جمهورية «أرض الصومال» (المعلنة من طرف واحد)، عن رغبتها في بيع حقوق التنقيب في ثماني محاضر للبترول بمساحة إجمالية تبلغ 89,624 كيلومتراً مربعاً. وتستمر أعمال الاستكشاف والتنقيب في ولاية «أرض البونت» المجاورة، فأعلن تحالف الشركات (أفريكا أويل كورب،هورن أويل وريد إمبرور) مطلع العام 2012 عن البدء بأعمال حفر لبئرين بتروليين بمحضري (نوغالNugaal -) و(طرور Dharoor)، من المرجح أن يكونا باكورة أعمال إنتاج النفط في البلاد، ودخولها عصره من أوسع أبوابه.
وقد تمت إثارة مسألة النفط الصومالي والثروات الباطنية في المؤتمر الذي عقد في شباط/ فبراير 2012 بلندن، بدعوة وسعي من الحكومة البريطانية. وتم تسريب معلومات حول محادثات سرية جرت بين مسؤولين بريطانيين وصوماليين، عبّر الأوّلون فيها عن الرغبة البريطانية في تقديم كل الدعم اللازم لإعادة بناء الدولة الصومالية، والمرافق والخدمات، بمقابل الحصول على حصّة الأسد من حقوق التنقيب والاستثمار في البلاد. وهو ما سارعت الحكومة البريطانية إلى نفيه بطريقة لم تزل الشكوك بل أكَّدتها. وقد ازداد الاعتقاد بأن الصومال قد خرجت من دائرة ظل «الغضب الأمريكي»، بل بدا وكأن الأمريكيين فقدوا أي رغبة حقيقية في بسط نفوهم «المباشر» على البلاد.
ولكن المساعي البريطانية، في ظل وجود قطع حربية بحرية لحلف الناتو ليس بعيداً عن المياه الإقليمية للبلاد، والتردد الذي تبديه دول كإيران والصين في الدخول لساحة تقديم الدعم السياسي وجهود المساهمة الواضحة في إعادة الإعمار، تحمل على الاعتقاد بأن شبه الجزيرة الصومالية، باقية في صلب اهتمام دول حلف الناتو، ممثلًا في مركزي ثقله البريطاني غربا، والتركي شرقاً.

 

مقالات من الصومال

للكاتب نفسه