المــرأة المصريــة بـيــن برلمان همَّشها وآخر يستبعدها

واجهَ وضعُ المرأة المصرية، سياسيا واجتماعيا، مفارقة بعد انطلاق ثورة يناير. فهي تجد نفسها مهمشة ومقصاة عن دوائر صنع القرار، وإدارة الدولة، وتمثيل الشعب في غرفته التشريعية. الكثير من التجارب تخلص إلى أن فترات الثورات والتغيير يصحبها تراجع في وضع النساء نتيجة عدم استقرار الأوضاع، وتغليب النساء لانغماسهن في العمل الوطني على مطالباتهن الخاصة. وخلال العامين الفائتين بقيت النساء المصريات في
2013-03-06

نجلاء مكاوي

باحثة بمركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، مصر


شارك

واجهَ وضعُ المرأة المصرية، سياسيا واجتماعيا، مفارقة بعد انطلاق ثورة يناير. فهي تجد نفسها مهمشة ومقصاة عن دوائر صنع القرار، وإدارة الدولة، وتمثيل الشعب في غرفته التشريعية. الكثير من التجارب تخلص إلى أن فترات الثورات والتغيير يصحبها تراجع في وضع النساء نتيجة عدم استقرار الأوضاع، وتغليب النساء لانغماسهن في العمل الوطني على مطالباتهن الخاصة. وخلال العامين الفائتين بقيت النساء المصريات في المربع الأمامي في الثورة على أمل الانتقال منه الى الموقع الذي تستحق، لكنها معرضة اليوم لمزيد من الخسائر في حقوقها كافة، وتجابه معركة شرسة من أجل صيانة أو انتزاع تلك الحقوق.
عبّرت أول تجربة برلمانية بعد ثورة يناير (التي جرت على 3 مراحل بين تشرين الثاني/نوفمبر2011 وكانون الثاني/يناير 2012)عن طبيعة رؤية التيارات المسيطرة على المشهد السياسي المصري للمرأة ودورها ومشاركتها السياسية. فلم تحصل النساء إلا على 8 مقاعد من أصل 498 مقعدا في مجلس الشعب المصري (الذي حل بعد ذلك) منهن 4 منتميات لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى ثلاث نائبات معينات. فانخفض تمثيل المرأة في مجلس الشعب بعد الثورة من 12 إلى 2 في المئة، وألغيت الحصة التي كانت مخصصة للمرأة في ظل النظام السابق، وهي 64 مقعدا.

مرشحات ومصوِّتات كثيرات ولكن..

كانت هذه النسبة ضئيلة للغاية مقارنة بعدد المرشحات والناخبات غير المسبوق، حيث وصل عدد المرشحات، ولأول مرة منذ تاريخ مشاركة المرأة السياسية عام 1956، إلى 984 مرشحة، بينما، وفي انتخابات 2010 التي خصص فيها 64 مقعدا في مجلس الشعب للمرأة، وصل عدد المرشحات إلى 404 مرشحات. أما من حيث المشاركة، فقد زادت نسبة النساء اللائي شاركن في عملية التصويت، بشكل مطرد. وقد حسمت مشاركة المرأة الكثير من المعارك الانتخابية، رغم تعقد الظروف السياسية والأمنية، التي شهدتها البلاد. فقد وصل عدد من لهن حق التصويت إلى 23 مليون وخمسمائة ألف ناخبة، ومع الانتخاب بالبطاقة الشخصية كانت النساء كتلة تصويتية لا يستهان بها، أبهرت الجميع بحضورها القوي في صفوف الناخبين، الذي يعد امتدادا لحضورها الفعال والرئيس في أحداث الثورة المصرية.
لكن المرأة المرشحة وقعت ما بين قوى متشددة، حاولت جاهدة منعها من تحقيق حضور مؤثر في البرلمان. وكان ترشيحها للمرأة اضطرارياً. وأما الأحزاب التقدمية والليبرالية التي عولت المرأة على دعمها، فإن مواقفها العملية تجاه المرأة لم تختلف كثيرا عن التيارات الدينية، فوضعتها بعض الأحزاب في ذيل القائمة الانتخابية، وهو ما لم يتح لها الفوز.
وفي النهاية، لم تُمَثّل المرأة سوى بتلك النسبة «الرمزية» في أول برلمان بعد الثورة، في حين انها تمثِّل نصف سكان مصر، ونسبة مساهمتها في قوة العمل تقارب 23 في المئة من إجمالي قوة العمل التي تبلغ نحو 26.2 مليون نسمة، أي بنسبة 33 في المئة من إجمالي السكان. وتمثل النساء 49 في المئة من طلاب الجامعات، و40 في المئة من مجموع الناخبين المسجلين في جداول الانتخابات.
كما تسهم المرأة في الناتج القومي المصري، حيث تتجاوز نسبتها في القطاع غير الرسمي 60 في المئة، و30 في المئة في القطاع العام، . والنساء، على الرغم من معاناتهن الاجتماعية والاقتصادية، شاركن بقوة في المجال العام، وفي كل الحركات الاحتجاجية، وفي التصويت في كل الاستحقاقات الانتخابية، فضلاً عن ثباتهن في مواجهة كل حملات التشويه والإقصاء بالعنف عن المشهد.

ممثلات للنساء حقا؟

مَن مثلن المرأة المصرية في البرلمان الفائت، لم يعبرن عنها، أو عن مشكلاتها الملحة، ولم يحاولن الحصول على حقوقها بوضع قوانين وتشريعات تلزم الدولة بكفالة هذه الحقوق. حدث العكس. فقد طالبت النائبات مع النواب المنتمين لتيار الإسلام السياسي، بإلغاء قانون منع ختان الإناث، وإلغاء قانون منع التحرش الجنسي، وتغيير قانون حضانة الطفل والرؤية، وتخفيض سن الزواج للفتيات. فوجدت المرأة نفسها في خطر حقيقي، يهدد حقوقها في مجالات عدة، بالإضافة إلى تعمد تشويهها إعلاميا خلال تلك الفترة، التي شهدت زخما في الأحداث. وبدا أن رؤية «الإخوان المسلمين» للمرأة تُختزَل في استخدامها أداة انتخابية من ناحية، كي تُجمَّل بها الصورة في البرلمان، ومن ناحية أخرى حرصا على «صدقية» ادعائهم الإيمان بدورها وحقوقها دائما، وهي خصوصا تأتي ضمن حسابات الرسائل الموجهة من قبلهم إلى الغرب، كي يرضى تماماً ويدعم... مثلما استخدمها نظام مبارك كواجهة دعائية، وللحصول على أموال الغرب ومؤسساته.
من ناحية أخرى، دخلت المرأة معركة حامية من أجل دستور جديد يلزم الدولة بكفالة حقوقها. لكن السلطة القائمة صممت على «دسترة» إقصاء المرأة، ولم تمثل في الجمعية التأسيسية للدستور بما يُعبر عن حجمها في المجتمع. ففي الجمعية الأولى كان عدد النساء 6 من أصل 100 عضو، وبعد أن حُلت هذه الجمعية بحكم قضائي، لعدم تعبيرها عن كل مكونات المجتمع المصري، قدمت كثير من المنظمات والجهات، النسوية وغير النسوية، أسماء العديد من النساء ليمثلن نساء مصر بأطيافهن المختلفة. إلا أنه لم يُلتفت إلى ذلك، وتشكلت الجمعية الثانية بشكل غير متوازن أيضاً. كما قدمت تلك المنظمات كثيرا من المقترحات حول المواد المتعلقة بوضع النساء في الدستور، وتحديدا في قضايا المساواة وعدم التمييز، والمشاركة السياسية، والعمل، والطفولة، والتعليم، والحريات الشخصية، والرعاية الصحية، وهو ما تم تجاهله تماما في كل المسودات والنقاشات التي خرجت عن الجمعية التأسيسية. فضلا عن الجدل السياسي والحقوقي والمجتمعي الذي أثير حول نص المادة التي تتعلق بالمساواة بين النساء والرجال.

الدستور والقوانين ضد النساء

وفي النهاية خرج الدستور المصري متجاهلا مشاركة المرأة السياسية، ولم يتبن نظاما انتخابيا يضمن مشاركة نسائية أكثر فعالية، ويأتي بنساء ممثِلات تمثيلا ديموقراطيا داخل المجالس المنتخبة المتعددة، في الوقت الذي ألزم فيه الأحزاب السياسية بعدم التمييز على أساس الجنس، ولم يلزم الدولة ومؤسساتها بمبدأ المساواة وعدم التمييز.
فكان بديهيا أن يخرج قانون الانتخابات الجديد الذي وضعه مجلس الشورى، الواقع تحت سيطرة الإسلاميين، ويضطلع حاليا بمهمة التشريع في مصر، مُقصيا للمرأة، ومُهمشًا لها. فبرغم الضغط من قبل المجلس القومي للمرأة، والجمعيات الأهلية، والضغط المجتمعي والشعبي، مُرِّر القانون الذي ينص على أن تتضمن كل قائمة مرشحة واحدة على الأقل من النساء، بعد أن كان النص يشترط وجود امرأة في النصف الأول من القائمة، وذلك في الدوائر التي تمثل بأكثر من أربعة مقاعد. إلا أنه، وبناء على تعديل تبناه نواب حزب النور السلفي، استبدل النص بوجود امرأة على الأقل في القائمة، حتى لا يشوب القانون عوار دستوري كما ادعوا، حيث ينص الدستور في المادة 33 على عدم تمييز أي فئة، في حين أن الدستور ذاته ينص في المادة 113 على ضرورة تمثيل عادل على أساس الفئات بالمجتمع، وتعداد السكان بالمحافظات. فضلاً عن أن التمييز الإيجابي هو تعزيز للمساواة في مجتمع يعاني خللاً وتمييزًا ضد المرأة، ولا يساوي بينها وبين الرجل في الحقوق. القانون الجديد يضعف فرص تمثيل المرأة في البرلمان القادم، ويتعمد إقصائها، حيث يؤدي اكتفاء النظام الانتخابي باشتراط إدراج امرأة واحدة على الأقل بكل قائمة، وعدم ضمانه لها موقعا متميزا في القائمة، إلى أن تذيل بها القائمة، على نحو يقلص من حظها في الفوز. لأن النسب المضمونة في القوائم هي المقاعد الثلاثة الأول. بالإضافة إلى الاتساع الجغرافي الهائل للدوائر الانتخابية، الذي يفاقم الصعوبات أمام ترشح ونجاح المرأة، التي يتعذر عليها تفقد دائرة شاسعة بغرض التواصل مع الناخبين، علاوة على افتقاد غالبية النساء للإمكانات المالية التي تخولهن الإنفاق على الدعاية الانتخابية مقارنة بمنافسيهن. ففي الانتخابات السابقة، وخلال مرحلة الدعاية الانتخابية، وجدت النساء أنفسهن في مواجهة كتل سياسية ضخمة، فكانت المواجهة غير متكافئة، وساهم ذلك في خروجها من السباق الانتخابي. كما أن التسامح مع تجاوز سقف الإنفاق على الحملات الانتخابية، على الرغم من تحديد القانون لذلك السقف، أسهم في عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين، فاللجنة العليا للانتخابات لم تقم بأي دور رقابي، أو عقابي، لتجاوز الحد الأقصى للإنفاق، لتجد المرشحات أنفسهن أمام قوى انتخابية لا حدود لإنفاقها على أرض الواقع، أو في إعلانات الفضائيات، حيث لعبَ الإنفاقُ الانتخابيُّ الضخمُ في الحملات الميدانية، وفي الفضائيات، دورا هاما في توجيه الناخبين.
كل ذلك يمنع النسبة المتوقعة للنساء في البرلمان الجديد المقبل من الوصول إلى 2 في المئة، حيث أن معظم الأحزاب ما زالت عازفة عن ترشيح امرأة على قوائمها، أو حتى الوقوف بجانبها في نظام الانتخابات الفردية، لقناعتها بأن المرأة لا تستطيع الصمود في العملية الانتخابية بما فيها من تجاوزات وخروقات. كما أن الأحزاب لا تفضل ترشيح سيدات خشية أن تخسر مقاعدها في البرلمان، لأن المرأة أقل قبولا سياسيا من الرجل عند الناخبين... هذا إذا شاركت تلك الأحزاب أساسا في الانتخابات، لأن معظمها اعلن حتى الآن مقاطعة الانتخابات، وهو ما ينذر بأن عدد النساء في البرلمان، لن يتجاوز أصابع اليد «الإسلامية».
أخيرا، فبجانب أهمية توفر الإرادة السياسية، فإن هناك ضرورة ملحة لإعادة النظر في التوزيع الديموغرافي واتجاهات الناخبين، فربما يسهم هذا في تغيير الصورة النمطية عن المرأة، وجدارتها في العمل السياسي. وبقدر أهمية وجود نص قانوني يضمن حدا أدنى لتمثيل المرأة في البرلمان، تأتي أهمية دعمها من المجتمع، معنويا وسياسيا وماديا، وحمايتها من الحروب الشرسة التي تصل إلى التشهير أحيانا، والاعتداء الجسدي مؤخرا، حتى تستطيع أن تمثل نصف شعب مصر، في برلمان يُفترض أنه يعبر عن شعب مصر.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

الانتخابات الطلابية في مصر قراءة في المقدمات والنتائج

جاءت نتائج انتخابات اتحادات طلاب الجامعات المصرية الأخيرة مفاجئة للجميع، حيث التقدم غير المتوقع للطلاب المستقلين، وطلاب الحركات الثورية، والمنتمين لأحزاب سياسية نشأت بعد الثورة وتُعارض الحكم. لكن اختلفت قراءة...

رسالة إنذار من حرائر مصر

تكميم فم المناضلة المصرية المعروفة شاهنده مقلد وهي تهتف ضد جماعة الإخوان المسلمين، غير مسبوق، لكنه يعبر عن نمط أساليب استخدمت قبلاً لإقصاء المرأة المصرية الجسورة، وتأديبها وتعطيل مسارها النضالي،...