احتفل العالم في 22 آذار/ مارس باليوم العالمي للمياه. حدد هذا اليوم بناء على القرار الذي أصدرته الجمعيّة العامة للأمم المتحدة بالإجماع في كانون الأول/ديسمبر 1992. وطالب القرار الدول الأعضاء والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني وكذلك المؤسسات الأكاديمية بتخصيص هذا اليوم لاحتفالاتٍ ومهرجاناتٍ وندواتٍ ُتركّز على القضايا والمشاكل التي تواجه موارد المياه، وتبتدر حلولاً لهذه المشاكل ووسائل لتطبيق هذه الحلول. ومنذ ذلك التاريخ ظلّ العالم يُعطي هذا اليوم طابعاً خاصاً، فقد تم إنشاء "المجلس العالمي للمياه" كمنظمةٍ معنيةٍ بالدراسات والبحوث في موارد المياه، وأَوكِل إلى المجلس مهمة تنظيم "المنتدى العالمي للمياه" والذي يُعقد كل ثلاثة أعوام ويستمر لمدّة أسبوع كامل.
وقد عُقِد المنتدى الأول للمياه في عام 1997 فى مدينة مراكش بالمغرب، كما حضر كلاً من المنتديات الثلاثة الأخيرة أكثرُ من ثلاثين ألف شخص عاملين أو باحثين أو دارسين أو مهتمين بالمسائل المختلفة المتعلقة بموارد المياه. وفى هذا اليوم من كل عام أيضاً تعلن الأكاديمية السويدية الملكية للعلوم اسم الشخص الفائز بجائزة استكهولم للمياه التي تمنح لشخصيةٍ لها مساهماتها المعتبرة في هذا المجال. ومن أهميتها أصبحت هذه الجائزة تُعرف بحائزة نوبل للمياه.
لماذا الاحتفاء بالمياه؟
ما الذي حدا بالأمم المتحدة لإعطاء هذا الاهتمام الكبير لموارد المياه، ولتحديد يومٍ من كل عام للاحتفال بها؟
أولاً: المياه موردٌ شحيح وكميّته محدودةُ وثابتةٌ ولا يمكن زيادتها. فكمية المياه التي كانت على كوكب الأرض منذ الأزل ما تزال كما هي، وستظل كميتها هذه حتى الأزل. وكميّة المياه هذه تحديداً كالآتي: كوكب الأرض يتكوّن من 70 في المئة مياه و30 في المئة يابسة (وهذا يثير التساؤل هل هو كوكب أرض أم كوكب مياه)، وحجم المياه في كوكب الأرض حوالي 1400 مليون كيلومتر مكعّب. ومن هذه الكمية 97.5 في المئة مياه مالحة وهي مياه المحيطات والبحار.
ما تبقّى، وهو 2.5 في المئة، وهي تساوي 35 مليون كيلومتر مكعب، هي المياه العذبة. من هذه الكمية من المياه العذبة 99.2 في المئة مياه متجمّدة في القطبين الشمالي والجنوبي، أو في أغوار خزانات جوفية عميقة لا يمكن الوصول إليها بتكلفةٍ اقتصادية معقولة. من هذه الأرقام يتضح أن المياه المتاحة للاستعمال للبشرية هي أقل من واحد في المئة من المياه العذبة على الكرة الأرضية وأقل من واحد من عشرة في المئة من مياه كوكب الأرض.
ثانياً: المياه موردٌ لا بديل له، على عكس الموارد الطبيعية الأخرى والتي لكلٍ منها بديلٌ أو بدائل.
ثالثاً: المياه هى أساس الحياة ولا حياة لإنسانٍ أو حيوانٍ أو نبات بدونها. وهي ما جعل كوكب الأرض مليئاً بالحياة على عكس الكواكب الأخرى التي لا ماء فيها وبالتالي لا حياة فيها. هذه الحقائق تجعل من المياه مورداً له خصائص فريدة ومُمِيزة هي الشّح، وثبات الكميّة، وعدم وجود بديل، وأهميته المطلقة للحياة على كوكب الأرض.
التحديات
تواجه موارد المياه قدراً كبيراً من التحديات الملحّة:
أولاً الزيادة السكانية: كمية المياه على كوكب الأرض ثابتة وغير قابلة للزيادة، أما سكان الكوكب فيتزايدون بنسبة تزيد عن اثنين في المئة كل عام. فقد كان سكان العالم حوالي مليار ونصف مليار نسمة في بداية القرن العشرين، ولكنّ العدد وصل إلى أكثر من ستّة مليار فى نهايته. ويُتَوقع أن يصل سكان العالم إلى حوالي تسعة مليار نسمة في منتصف القرن الحالي. كلّ هذا العدد من البشر يتنافس على كميات المياه نفسها الموجودة منذ الأزل. عليه فإن كمية المياه المتاحة لكل فرد تنقص كل يوم. وكمثال، فكميات المياه المتاحة لكل فرد في الشرق الأوسط ستهبط بحلول عام 2050 إلى النصف عما هي عليه الآن (من حوالي ألف متر مكعّب للفرد سنوياً إلى حوالي خمسمئة متر مكعّب، وهى أقل نسبة مياه فى أىٍ من أقاليم العالم).
ثانياً. الهجرة إلى المدن: إنّ ظاهرة الزيادة السكانية ظلّت تقود على كل مستوياتها إلى التحدي الثاني وهو ارتفاع نسبة الهجرة من الريف إلى المدن بشكلٍ عام. وتلك سمةٌ أصبحت مشتركة على مستوى العالم ولها أسبابها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ونتج وينتج عن هذه الهجرة ضغوطٌ على مصادر المياه المحدودة، خصوصاً في المدن التي لا تتوفّر لها البنية التحتيّة الكافية لاستيعاب ذلك التحول الديمغرافي الطاغي. واحتياجات الفرد من المياه في المدينة أكبر من احتياجات الفرد فى الريف.
ثالثاً. التغييرات المناخية: ساهمت الزيادة السكانية في التدهور البيئي في معظم دول العالم، خصوصاً خلال القرن الماضي وفي الدول النامية التي ليس لها قوانين لحماية البيئة، أو التي لها قوانين لكن لا أحد يلتزم بها، أو لا تهتم الدولة بتطبيقها. وقد نتج عن هذا التدهور البيئي والتصنيع المكثّف فى الدول المتقدمة تغييراتٌ مناخية حادة تمثلت في الفيضانات المدمّرة وكذلك الجفاف الذي يزحف تدريجياً في معظم أنحاء العالم، خصوصاً في أفريقيا وآسيا. وقد ساهم التدهور البيئي والتغييرات المناخية بدورها في زيادة الهجرة من الريف إلى المدن بسبب تدهور وضعية الزراعة والرعي فى الريف نتيجة الجفاف.
رابعاً. الاستعمالات غير المرشّدة للمياه: يحتل قطاع الري مكاناً كبيراً وشاسعاً في استعمالات المياه على مستوى العالم، إذ يستعمل هذا القطاع وحده حوالي 75 في المئة من المياه، وترتفع هذه النسبة إلى حوالي 85 في المئة في كثيرٍ من دول العالم الثالث. وتتسم استعمالات هذا القطاع بالهدر وعدم الترشيد لأسباب كثيرة منها أن الحكومات تعطي المزارعين هذه المياه مجاناُ أو بسعرٍ أقل بكثير من سعر التكلفة، ولا تشاركهم في إدارة هذه المياه، وهذا بدوره لا يخلق أيّ حافزٍ من جانب المزارع لترشيد الاستهلاك. ينسحب هذا الوضع أيضاً على مياه الشرب عندما تكون التعريفة الشهرية ثابتة ومحدّدة لكل المستهلكين بغضّ النظر عن كمية المياه المستعملة، مما لا يخلق أيّ حافزٍ من جانب الأفراد والأسر لترشيد الاستهلاك .
خامساً. تعدّد المجاري المائية الدولية: تتشارك دولتان أو أكثر في حوالي 300 نهر و100 بحيرة وأكثر من 300 خزان جوفي. ويقع حوالي 40 في المئة من الكرة الأرضية حول هذه المجاري المائية المشتركة، كما يعتمد حوالي نصف سكان العالم على هذه المجاري. ورغم هذا، فإنّ معظم هذه المجاري المائية بلا اتفاقيات تنظّم استخدامها وإدارتها وحمايتها. وفي حالة وجود اتفاقيات، فإن معظمها جزئي ولا تشمل كل الدول المشاطئة للمجرى المشترك. وقد أجازت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون استخدام المجاري المائية فى الأغراض غير الملاحية في 22 أيار/ مايو 1997 بأغلبية فاقت المئة عضو. لكن هذه الاتفاقية دخلت حيز النفاذ في 17 آب/ أغسطس 2014، أي بعد 17 عاماً من إجازتها.
نتج عن هذا الوضع تنافسٌ حاد في كثيرٍ من الأحواض المشتركة، وصل إلى مرحلة النزاعات بين عددٍ كبير من الدول حول مجاري مائية كثيرة. وبدلاً من التعاون بين هذه الدول، والذي كان سيؤدي (كما أدّى فى عددٍ آخر من الدول) إلى الكثير من المنافع المشتركة وإلى الاستعمالات المرشّدة لهذه المجاري المائية المشتركة وحمايتها وإدارتها إدارةً تعاونية مشتركة.. تصاعدت الخلافات ودقت بعض الدول طبول الحرب حول بعض الأحواض المائية المشتركة.