السعودية: السينما التي أغلقها الشبح

لم تولد المملكة بنيةً متعصبة. كانت كأي دولة، جنيناً سقط من رحم تزاوج ديني سياسي. الأخير قاد عملية توحيد القبائل بينما الأول جمع قلوب الناس في وعاءٍ واحد. لم يبدأ الأمر تشدُّداً في أمور الشريعة، ومحاسبة على مظاهر لا تعدو كونها تطوراً طبيعياً لأطوار المجتمع.في السبعينيات، كانت دور السينما منتشرة في مناطق مختلفة من أرجاء المملكة. في الطائف وجدة وغيرها من المدن، وكانت النساء أكثر تفلتاً من قيود
2014-04-09

أحمد دحمان

كاتب من السعودية


شارك
من الانترنت

لم تولد المملكة بنيةً متعصبة. كانت كأي دولة، جنيناً سقط من رحم تزاوج ديني سياسي. الأخير قاد عملية توحيد القبائل بينما الأول جمع قلوب الناس في وعاءٍ واحد. لم يبدأ الأمر تشدُّداً في أمور الشريعة، ومحاسبة على مظاهر لا تعدو كونها تطوراً طبيعياً لأطوار المجتمع.في السبعينيات، كانت دور السينما منتشرة في مناطق مختلفة من أرجاء المملكة. في الطائف وجدة وغيرها من المدن، وكانت النساء أكثر تفلتاً من قيود الدولة المتراكمة عبر السنوات. في البيوت ومراكز الأندية كان السعوديون يتابعون شاشات تعرض أفلاما لم يمر عليها مقص الرقيب آتيةً لهم من مصر «أم الدنيا». وفدت السينما مع الأجانب القادمين من بلاد الغرب في ثلاثينيات القرن الماضي وتمركزت في مجمعاتهم السكنية الخاصة، وهي لحدّ الآن موجودة هناك، لا دخل للدولة بما تعرضه على شاشاتها. أمّا السعوديون فقد عرفوها لاحقا عبر الأندية الرياضية التي كانت تجهّز نواديها بصالات للعرض السينمائي. لكنّ شبحا واحدا غيّر رؤية الحكم في السعودية، وحبسها في المنظور الضيق لتفسير أمور الحياة، وجعل مظاهر الترفيه والإيمان بالفن رجساً من عمل الشيطان. شبحٌ يلاحق المملكة في جميع تحركاتها، ويؤثّر على القرارات المصيرية التي يلتزم بها من يسكن في أرجاء البلاد.في بداية الثمانينيات، ظهر شخص يدعى جهيمان العتيبي، قاد حادثة الحرم الشهيرة، ونبّأ بظهور المهدي المنتظر المتمثل بصهره محمد القحطاني. حاصر الحرم المكي واحتجز المصلين فيه، واشتبك مع الأمن السعودي هو وأنصاره في عمليةٍ قُتل خلالها الكثير من قواتهم. كلّ الأمور كانت واضحة لجهيمان، الفساد المنتشر في الصحراء، المتمثل بثورة النفط ومظاهر الحياة الجديدة. أعدم الرجل لاحقاً هو وأنصاره، وكانت هذه الحادثة الإرهابية الأعنف التي عاشتها السعودية وحفرت جرحا عميقا في تاريخها وأسّست لسيطرة العقلية الدينية المتمثلة بالمحتسبين. السيطرة على الناس والتشديد على المظاهر الدينية، من إقامة الصلاة وضرورة إقفال المحال في أوقات الصلاة، إلى إغلاق وحرق المحال التجارية التي تبيع أشرطة الغناء والمنكر، وكذلك إغلاق دور السينما ومنع عرض أفلام الخلاعة التي تظهر النساء سافرات وتفضح مشاكل المجتمع. أغلقت دور السينما في المملكة بعد شهرين من حادثة الحرم في مطلع الثمانينيات، لكن أحدا لم يمنع السعوديين من إنتاج أفلام تحمل بصماتهم، اقتصرت بدايةً على السيناريوهات التوثيقية، التي تحكي سير المدن والمنطقة، كفيلم عبد الله المحيسن عن تطوير مدينة الرياض وآخر عن الحرب الأهلية اللبنانية أنتجا تباعا في 1975 و1977.منع العروض السينمائية دفع الكثير من السعوديين إلى الاهتمام بهذا الفن السابع، وظلّ الإنتاج السعودي يتزايد عاما بعد آخر مقتصرا على الأفلام التسجيلية القصيرة التي تناقش الممنوع في المجتمع. وهذه توجت أخيرا بفيلم حاز جوائز كثيرة ورشح لجائزة «الأوسكار» عن فئة أفضل فيلم أجنبي عام 2012، «وجدة» لمخرجته هيفاء المنصور. وكان أول فيلم روائي طويل تخرجه امرأة ويصوّر كاملًا في الرياض بإذن من الهيئة العامة للثقافة والفنون. ويتناول قصّة فتاة عادية ترغب بشراء دراجة وتصطدم بالتابوهات التي تعانيها المرأة السعودية في مملكتها. تحدّث النقاد السعوديون عن ضعف الإنتاج السعودي، ويرون في الأفكار التي تعالجها السينما السعودية مجرد قوالب جاهزة وإسقاطات صارت صورة رديفة لكل ما هو سعودي. كفكرة الانتحاري وحور العين، وفكرة المرأة السعودية وحلمها بالقيادة. هذه المفاهيم صارت أشبه بكليشيه يتبناه الجيل الصاعد من المخرجين السعوديين. لم ينفع منع دور السينما من وصول الأفلام للمملكة. كان قرارا صوريا من أجل إرضاء الشق الديني، فالأقمار الصناعية تنقل لتلفزيونات المملكة ما يشاء أهلها من أفلام لم يطوها الزمن بعد، ودور السينما في بلدان الخليج المجاورة، وأقربها البحرين تعد مقصداً أساسياً من قبل السائح السعودي. كما أنّ الوسائط الاجتماعية وأشهرها يوتيوب ساعد السعوديين في تخطي الكثير من الحواجز وخلق جمهورا من المتابعين المعلّقين على كل جوانب الحياة.في كلّ القرارات، ترى المملكة أن التزام الخط الديني هو الخيار الصائب دوماً، لا مخاطرة في مناوشة المارد الديني الساكن، لا رغبة في فتح أبواب عدم الاستقرار وعودة ظواهر كالدعوة الى «محاربة الفساد ونشر دين الأمّة». تحتفظ السعودية بذكرى جهيمان كدرس قاسٍ، فإن كان الأمر يستلزم تغطية الوجوه ومنع التلفاز وعدم القيادة... فليكن.

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

السعودية: حربٌ في المرآة

أحمد دحمان 2014-09-01

تنتظر السعودية الصيحة الكبرى. كل ما مرّ إلى الآن كان مجرد إرهاصات الخطر الآتي. بات المسؤولون يحجون إلى حدود الصحراء الشمالية المترامية الأطراف ليتأكدوا أن لا عناصر غريبة هناك. رايات...

مطرٌ في السعودية: يا للكارثة!

أحمد دحمان 2013-12-04

يحدث أن تهطل الأمطار في كلّ بلاد العالم دون أن توقع ضرراً، يحدث أن تهبّ العاصفة مرتين، وثلاثاً وربّما عشر مرّات ويبقى البلد على حاله. لكن ليس في السعودية، فإنّ...