صبيحة 9 حزيران/يونيو 2020، أفاق سكان منطقة "القراطن" في جزيرة "قرقنة" التونسية (محافظة صفاقس) على مشهد مرعب لكنه ليس "غريباً": عشرات الجثث تطفو فوق سطح البحر. مهاجرون غير نظاميون غرق المركب الذي كان سيوصلهم إلى سواحل إيطاليا. تمّ إعلام السلطات المختصة التي انتشلت 22 جثة في اليوم الأول ثم بدأت الحصيلة في الارتفاع حتى وصلت إلى رقم 60 (وهو غير نهائي): 29 مرأة و29 رجل وطفلان. كل الضحايا تقريبا أجانب، أفارقة من جنوب الصحراء، وأغلبهم من ساحل العاج.
ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الأمر، فمشهد الجثث الطافية أو الملقاة على الشواطئ تكرر كثيرا في السنوات الأخيرة. وأصبح من "العادي" و"المعتاد" أن تغرق مراكب "الحراقة" (مهاجرون غير نظاميون) فيموت العشرات – في بعض السنوات يعدون بالمئات- من التونسيين والأجانب يحلمون باختراق "القلعة أوروبا" عبر البوابة الايطالية.لم تتوقف "الحرقة"حتى عندما كانت ايطاليا تسجل عدد وفيات يقارب الألف يومياً بسبب وباء كوفيد-19. فخلال الفترة الممتدة من بداية آذار/مارس إلى آخر أيار/مايو من العام الجاري، أوقفت الشرطة التونسية 70 عملية هجرة غير نظامية، وحاول قرابة 1500 شخص عبور البحر، حسب أرقام "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية".
ستون جثة جديدة تضاف إذاً إلى سجل المهاجرين الذين ابتلعهم المتوسط (قدر عددهم بأكثر من 30000 شخص ما بين 1993 و2018). ستون شخصا عاشوا فقراء وماتوا غرباء. غرقوا على بعد عشرات الكيلومترات فقط من أوروبا، في الخطوات الأخيرة من مسيرة الألف ميل من الخوف والألم في أغلب الأحيان: عبور الصحراء، قطّاع الطرق، الخطف، عصابات الاتجار بالبشر، العنصرية، وفي "أفضل الأحوال" العمل بأجور متدنية إن لم يكن بالسخرة، وبلا أي حقوق. لم يصلوا إلى "الجنة" الأوروبية ولا استطاعوا العودة إلى "جحيم" الأوطان. دفنت جثثهم في مقابر تبعد عن قراهم ومدنهم آلاف الكيلومترات، بلا وداع أخير ولا حتى اسم وتاريخ ميلاد على شاهد القبر...