ليسوا سوى 3 في المئة! مسنّو العراق في زمن كورونا والإهمال

قسوة مضاعفة، أن يقول لك أحدهم وهو مبتسم أنك ستموت، ويتقبل الآخرون الفكرة مغلّفة بذريعة أنك عشت طويلاً وجرّبت كثيراً، ولن يكون مهماً أنك عشت جحيماً ممتداً في بلد كالعراق.
2020-06-17

ليث ناطق

إعلامي من العراق


شارك
عاطف معطالله - تونس

خمدت المعارك وانتهت الحروب بانتصار الطرفين: كبار السن استحوذوا على أجهزة التحكم بشاشات التلفاز، والصغار انغمسوا في شاشات هواتفهم. إنها قسمة عادلة طرحتها التكنولوجيا في السنوات الأخيرة. فهل ستكون نشرات الأخبار والبرامج السياسية الفضفاضة كافية لإشباع رغبة كبار السن؟ حسناً، إنها كافية ما دامت تكيل الخراب بالأرقام، وتقدم ضيوفاً سياسيين بأصوات عالية. لكن ما الذي يشعر به كبير السن المنتصر بالاستحواذ على شاشة التلفاز في المنزل إذا ما قامت كل النشرات بتتفيه حياة المسنين، وتسويق فكرة نهايتهم واتفق معها كل الضيوف الخبراء؟

لن يكون إحساسهم جيداً، خصوصاً مع أخبار توحّش فايروس كورونا في العالم واقتراب وفياته من النصف مليون، والتي ترافقها على الدوام الابتسامات البلهاء للمتفائلين، وهم يظهرون على الشاشات ويزفون بشرى التطمين للبشرية بأن هذا الفايروس لن يقتل سوى كبار السن.

إنها قسوة مضاعفة، أن يقول لك أحدهم وهو مبتسم أنك ستموت، ويتقبل الآخرون الفكرة مغلّفة بذريعة أنك عشت طويلاً وجربت كثيراً، ولن يكون مهماً أنك عشت جحيماً ممتداً في بلد كالعراق.

مقالات ذات صلة

تزايد خطر الفايروس في بلاد الرافدين مع تضاعف أعداد الإصابات اليومية بدءاً من النصف الثاني من أيار/ مايو، وتجاوزها حاجز الألف إصابة يومياً، واقتراب نسبة الإصابات اليومية إلى العينات المفحوصة من 15 في المئة، إضافةً إلى أعداد الوفيات التي صارت تماثل أعداد الإصابات المسجلة في الأيام الأولى من أيار وما سبقها، يعزز ذلك تردي أوضاع المؤسسة الصحية وافتقادها ثقة الناس وإصابة 366 فرداً من الكوادر الطبية منذ بداية الأزمة حتى 12 يونيو/ حزيران.

496 روحاً عراقية أخذها فايروس كورونا منذ 24 شباط / فبراير حتى 12 حزيران/ يونيو الجاري. ليست الوفيات أو الإصابات مصنفة عمرياً في العراق، فيصعب معرفة نسبة كبار السن منهم، لكن طبيباً من الكوادر الصحية التي تعمل في مستشفيات الحجر الصحي يقدّر نسبة من تجاوزت أعمارهم 60 عاماً بـ 70 في المئة من المتوفين، وهو تقدير معتمد على الحالات التي يعايشها الطبيب خلال أيام عمله غير المنقطعة.

لم تكن وزارة التخطيط العراقية تعرف أن فايروساً ربما يعبث بأرقامها، حين أعلنت توقعاتها بارتفاع نسبة المسنين في العراق– ممن تجاوزوا سن ال64 -إلى 3.5 في المئة من سكان البلاد بحلول عام 2020، بعد أن استقرت نسبتهم لفترة عند 3 في المئة غالبيتهم من المتقاعدين.

تضاعفت أعداد الإصابات اليومية بدءاً من النصف الثاني من شهر أيار/ مايو، وتجاوزت حاجز الألف إصابة يومياً. يحدث ذلك في ظل تردي أوضاع المؤسسة الصحية وافتقادها ثقة الناس، وإصابة 366 فرداً من الكوادر الطبية منذ بداية الأزمة حتى 12 يونيو/ حزيران، ووفاة 496 مصاباً، يقدر أن 70 في المئة منهم كانوا ممن تجاوزوا سن الستين.

في العراق، كأغلب الدول العربية التي يقف الإنسان فيها في نهاية طابور الأولويات، لا توجد برامج أو مؤسسات لرعاية كبار السن، وليس القصد هنا دُور المسنين التي يبلغ عددها في العراق، وفق مصدر في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، 12 داراً حكومية تبلغ طاقتها الاستيعابية مجتمعة 872 فرداً فقط، تعاني جميعها الإهمال وقلة الموارد والرعاية الصحية، بل القصد هو غياب الرعاية الشاملة لهذه الشريحة داخل هذه الدور وخارجها.

مقالات ذات صلة

تنظر الأنظمة إلى كبار السن على أنهم عبء اقتصادي، يستهلكون ولا ينتجون متناسية أنهم انتجوا في زمانهم، كما تغفل عن الالتزام الأخلاقي تجاه كبار السن، أو يفوتها أنهم بشر يستحقون الرعاية والتقدير الذي يجب أن يحظى به الجميع على حد سواء. هي تجمعُهم في زاوية الأشياء منتهية الصلاحية وعديمة النفع.

وفق التعديل الجديد لقانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014، والذي نشر في جريدة الوقائع الرسمية في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2019، فإن سن التقاعد الإجباري صار أقل من السابق، هبط من 65 عاماً إلى 60 بحجة توفير فرص عمل للشباب، متغاضياً عن فرصة الإفادة من خبرات متراكمة للذين سيجبرون على التقاعد. ولن يجد المتقاعد، بعد غلق أبواب وظيفته بوجهه، فرصة لاستثمار خبرته في أيّ مجال كان، والسبب هو تفتت القطاع الخاص وعدم وجود سوق عمل حقيقي، لا لأصحاب الخبرات ولا للشباب حتى.

في العراق، كأغلب الدول العربية التي يقف الإنسان فيها في نهاية طابور الأولويات، لا توجد برامج أو مؤسسات لرعاية كبار السن. يبلغ عدد دُور المسنين 12 داراً حكومية، طاقتها الاستيعابية مجتمعة 872 فرداً فقط، تعاني جميعها الإهمال وقلة الموارد والرعاية الصحية. وهناك غياب للرعاية الشاملة لهذه الشريحة داخل هذه الدور وخارجها.

وكخطوة تداركية للأضرار الاقتصادية التي خلفها هبوط أسعار النفط، أصدرت الحكومة الجديدة تعليمات باستقطاع جزء من رواتب المتقاعدين! وسوّقت الفعلة على أنها خطوة ستتلوها خطوات باستقطاعات أخرى لأصحاب المرتبات والامتيازات العالية. لكنها تراجعت بعد يوم واحد من إصدار قرارها، وأعلنت، الخميس 11 حزيران/ يونيو، إعادة المبالغ المستقطعة من رواتب المتقاعدين، على أثر ضغط من الرأي العام الذي انتقد الخطوة وأشار إلى تغافل الحكومة عن أصحاب الامتيازات العالية كالوزراء والبرلمانيين ومستشاريهم، ومزدوجي الراتب كبعض السجناء السياسيين ومحتجزي معسكر رفحاء.

شمل الاستقطاع، وفق بيان للحكومة أعادت نشره هيئة التقاعد العامة 27 في المئة من المتقاعدين، وأن هذا الاستقطاع كان عملية تمويل بسبب نقص السيولة.

مقالات ذات صلة

وعلى الرغم من انقضاء نصف العام، إلّا أن العراق لم يقرّ موازنة لـ2020، لكن خبراء يقدرون عجزها بـ45 مليار دولار أو أكثر، ليس أمام السلطات سبيل من أجل سده غير الاقتراض، وليس من المتوقع وضع برامج ترعى كبار السن.

أصدرت الحكومة الجديدة تعليمات باستقطاع جزء من رواتب المتقاعدين لمواجهة تبعات انهيار أسعارالنفط، وسوّقت الفعلة على أنها خطوة ستتلوها استقطاعات أخرى لأصحاب المرتبات والامتيازات العالية... ثم تراجعت عن ذلك.

... لكن وعلى الأقل، لا بد من تجنب وجهة وضع كبير السن في خانة الخيار الأخير، وألا يُستبعد من أسِرّة الإنعاش الرئوي، ولا يُستباح نصف حقه من أجل سد فجوات الفشل الحكومي والاقتصادي.

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

"اللا حياة" العراقية.. التجهيل الذي يحوّل كورونا إلى خرافة مميتة

ليث ناطق 2021-06-10

لماذا يغيب الوعي الصحي عن المجتمع العراقي؟ الإجابةً تستدعي مجموعةً أخرى من الأسئلة: لماذا يتراجع مستوى الرعاية الصحية، وتتردى الصحة العمومية؟ أين المستشفيات والمراكز الصحية الصالحة؟ كيف يسكن العراقي ويشرب،...