"ملاك"، قالت والدته، ويداها الراجفتان بلا هوادة، تتكلمان فتفيضان على كلام لسانها. قالت ما تقوله الأمهات، "والله النسمة، النسمة ما كنت أخليها تطب فيه. كنت أجيبها فيي ولا أخليها تطب فيه". ولكن إياد خيري الحلاق أصابه ما هو أقسى من النسمة بكثير. قيل 10 رصاصات وقيل 8، اخترقت جسم الشاب ذي الأعوام الـ32، ليسقط شهيداً قرب باب الأسباط في القدس في 30 أيار/مايو 2020.
الشاب مصاب بالتوحّد، كان يحمل هويته وبطاقة المدرسة الخاصة التي تشير لحالته. أعدمه جنود الاحتلال بزعم اشتباههم بأنه يحمل مسدّساً، أو ما قالوا أنه "جسم مشبوه يشبه المسدس". احتاج الجنود لثمان رصاصات أو أكثر ليتأكدوا بعدها أنّه أعزل! هذا أسلوبهم في قطع الشك باليقين، ولو كان ثمن يقينهم جثة فلسطيني آخر...
لعلّ الغضب تضاعف عند إعلان أن الشهيد إياد هو من ذوي الحاجات الخاصة. لكن لعلّ علينا التذكّر دائماً أن الجنود لم يقتلوه لأنه كذلك، ولأنه خاف التوقف عندهم، بل قتلوه لأنه رجل فلسطيني يمشي أو يركض في الشارع القريب من بيته. هو مستهدف لأنه فلسطيني يعيش تحت الاحتلال. القاتلُ ليس "الاشتباه والخطأ"، بل هو الاحتلال بما صنع من أنماط مرعبة، تجعل من الذهاب لمدرسة الاحتياجات الخاصة رحلةً خطرة لا عودة منها شاب بريء أعزل.
"ملاك كان عايش معي، مش حرام يظلموا طفل؟"، تقول الأم بحرقة، وتسميه "طفلاً" مع أن عمره جاوز الثلاثين، لأنه طفل في جسد رجل، أراد الذهاب للمدرسة لأنه "بالبيت بيزهق"، كما قال لأمه. والجنود لم يكتفوا بذلك، بل أن أكثر من عشرين منهم اقتحموا بيت عائلته وفتشوه، وسط ذهول العائلة التي لم تستوعب بعد خبر مقتل ابنها.
قبل يوم واحد فقط، في 29 أيار/مايو، قُتل أيضاً الفلسطيني فادي سمارة قعد بمنطقة وادي ريا قرب قرية النبي صالح شمال غرب رام الله، لاشتباه جنود الاحتلال باستعداده للقيام بعملية دهس. زعم الجنود أنه سرّع من قيادته فأردوه، فيما أكدت عائلة الشهيد أنه كان ببساطة يقود سيارته لاصطحاب زوجته من مكان ما. وفي شباط/فبراير الفائت (2020) أطلقت الشرطة الإسرائيلية النار على سيارة فيها مجموعة من المراهقين الفلسطينيين الذي يبلغون من العمر 15 سنة، كذلك بزعم اشتباه نيتهم قيادتها نحو عملية دهس...
هذه قصة عشرات الحالات في فلسطين، يُقتل فيها فلسطينيون على قاعدة أن قتل الفلسطيني إن كان طفلاً أو شاباً متوحداً أو رجلاً أو امرأة عاديين، أضمن! ويمرّ، ويتكرر، بلا عقوبة أو رادع.