المعارضة الكويتية ومخاضات التغيير

اجتمعت قوى المعارضة الكويتية تحت شعار عام هو "محاربة الفساد" وتنحية رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح. لكنها لم تقدم رؤية إصلاحية شاملة بديلة، تتبع برنامجاً زمنيا، ولا قدمت منهجية، فبقيت مطالبها عائمة لا تطرح بدائل حقيقية. وقد تطورت المطالب لتصل إلى "رئيس وزراء شعبي" وتحويل الكويت إلى "إمارة دستورية".من محاربة الفساد الى الامارة الدستوريةتتشكل المعارضة
2012-12-26

إيمان شمس الدين

كاتبة وباحثة من الكويت


شارك
البرلمان الكويتي خال من النواب

اجتمعت قوى المعارضة الكويتية تحت شعار عام هو "محاربة الفساد" وتنحية رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح. لكنها لم تقدم رؤية إصلاحية شاملة بديلة، تتبع برنامجاً زمنيا، ولا قدمت منهجية، فبقيت مطالبها عائمة لا تطرح بدائل حقيقية. وقد تطورت المطالب لتصل إلى "رئيس وزراء شعبي" وتحويل الكويت إلى "إمارة دستورية".

من محاربة الفساد الى الامارة الدستورية

تتشكل المعارضة الكويتية من تيارات إسلامية، وأخرى ليبرالية، ومن المستقلين، ومن قبائل. والقبائل ليست مكونا مستقلا بذاته بقدر ما هي قاعدة كبيرة متعددة الانتماءات السياسية فكريا، تتوزع على التيارات المذكورة. لكن القبيلة تستطيع أن تحشد أبنائها ليكونوا عصبة واحدة، بغض النظر عن الاختلاف في الرأي، لما تمثله من ثقل اجتماعي ووجودي، يخاف الكثيرون من الخروج عليه.
تشبه وسائل المعارضة الكويتية في العمل إلى حد كبير بتلك التي تتبعها المعارضة البحرينية. فهي دعت إلى الاعتصامات في "ساحة الإرادة" وأقامت مسيرات متعددة تحت شعار "كرامة وطن"، ولجأت إلى الحقوقيين في رصد الانتهاكات الإنسانية أثناء قمع المسيرات، وإلى الكتابة في الصحافة الخارجية الأجنبية كما فعل النائب السابق مسلم البراك. واليوم يعلن بعض أقطاب المعارضة تدويل مطالبهم، لاطلاع العالم على حقانية قضيتهم. وقد دعى مسلم البراك إلى النزول إلى الشارع يوميا، وفي توقيت محدد في المناطق السكنية، وهو ما أثار حفيظة أقطاب من المعارضة الكويتية كالحركة الدستورية وبعض الليبراليين، الذين رفضوا بشدة النزول إلى المناطق السكنية لاعتقادهم بأنه يألب السكان عليهم .
والمطلب الرئيسي اليوم للمعارضة هو التراجع عن "مرسوم الضرورة" الذي غيّر أمير البلاد من خلاله آلية التصويت، من أربعة أصوات لكل ناخب إلى صوت واحد، وحلَّ مجلس الأمة لعام 2012. ولكن ذلك المطلب لا يُظهر تباين الآراء حول شكل الدولة المأمولة بحسب إيديولوجيات المعارضة، والتي يتبنى بعضها ضرورة قيام دولة إسلامية مرجعيتها الرئيسية التشريع الإسلامي. وهؤلاء، إن وجدوا أن آليات كالديموقراطية توصلهم إلى تصورهم، مشوا فيها. إلا ان هذا النقاش غائب أو محجوب، وعناصره تبقى ضمنية.
بالمقابل، فاللافت هو تصاعد وتيرة خطاب المعارضة الكلامي ليلامس الخطوط الحمراء. يتمثل ذلك بالتوجه الى ذرية مبارك مباشرة، ومحاولة إسقاط هيبتها من خلال التعدي على الأمير، وهو ما يعتبر مساً بالذات الأميرية يجرمه القانون والدستور. وقد ظهرت، نتيجة هذا التصعيد في لهجة المعارضة، أصوات شابة جديدة في وسائل التواصل الاجتماعي، تتعدى بشكل صريح وواضح على الأمير. وأدى ذلك ببعض الأقطاب البارزين في الحراك، كمسلم البراك وأحمد السعدون، إلى التأكيد على قيادة الأمير وإيمانهم بالنظام القائم وعدم قصدهم المس بالذات الأميرية، وان الخطاب كان من باب النصح .
رغم أن جل مطالبات المعارضة شرعية ودستورية، إلا أن المضمرات في حراكها وممارساتها البرلمانية الأخيرة، وفي خطاباتها، أخافت الكثيرين من الانضمام إليها. والمقصود هو ضبابية النظريات المطروحة والشكل الدستوري للمطالبات. أما في ساحة التطبيق فقد أوحت بنوايا بعض التيارات الإسلامية، وخاصة السلفية، في تعديل المادة الثانية من الدستور وجعل الإسلام هو "المصدر الرئيسي للتشريع"، وليس مصدرا رئيسيا من مصادر التشريع كما هو حالياً في تلك المادة. وبالتلازم، أكد السلفيون مرارا خلال خطاباتهم أن الكويت "دولة سنية"، إضافة إلى سلوكهم في البرلمان حيث طالبوا بمنع الاختلاط في الجامعة، وبتحويل معرض الكتاب من بيئة مفتوحة للتفكير إلى بيئة ضيقة من خلال سياسة المنع التي أقرت عبر مجموعة من المقايضات مع الحكومة.

"المزدوجون" والتعاون مع السعودية

حيال هذا المنحى، استخدمت السلطة القبضة الأمنية، منتهكة بعض القوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. ومن ثم وافقت على الاتفاقية الأمنية المطروحة في مجلس التعاون الخليجي والتي أقرّها وزراء داخليته، في اجتماعهم الأخير. وقد تعهدت السعودية بحل ملف "المزدوجين"، المنطبق على أغلب أبناء القبائل الذين تم تجنيسهم في سبعينيات القرن الماضي. والهدف هو إعادة رسم ديموغرافيا جديدة للكويت. فالقانون الكويتي يحظر على المواطن حمل جنسيتين بينما أغلب هؤلاء حائزون على الجنسيتين السعودية والكويتية معا، ويستفيدون من الحقوق التي تمنحها المواطنة في البلدين. أحد أهداف فتح هذا الملف هو الضغط على القبائل التي انضمت بشكل كبير للمعارضة وساندتها. فغالبية تشكيلة المعارضة هي من الإسلاميين وهؤلاء منتمون الى قبائل.

إضافة إلى أن الإمارات تصدت لظاهرة الإخوان المسلمين، فألقت القبض على كثير من الشخصيات المنتمية للتيار، وقدمت معلومات دقيقة عن تحركاتهم في الخليج، وخاصة في الكويت. وتبنت الإمارات عملية اضعاف الجبهة الإخوانية في الخارج، وخاصة في مصر من خلال دعم عمرو موسى وأحمد شفيق في وجه محمود مرسي.
وقد جاء تشكيل الحكومة الأخيرة مخيبا لآمال أولئك الذين انخرطوا في انتخابات مجلس الأمة. واعتبر بعض النواب الحكومة كنوع من حلّ لمجلس الأمة، أو تهميش له، ما يبقي الازمة مفتوحة، مهددة بالتجدد.

خريطة المعارضة الكويتية

1 ـ الحركة الدستورية (حدس)، وهي الجناح السياسي للإخوان المسلمين في الكويت، وهي حركة سلمية سياسية لا تتبنى العنف، وشاركت في عدة مجالس للأمة. تأسست مباشرة بعد تحرير الكويت عام 1991.

2ـ السلفيون، وهم متعددون، وكان لتيارهم في الآونة الأخيرة حضورا جماهيريا وسياسيا قويا مستفيداً من فضاء الحرية ومن غض السلطة الطرف عن تشكيل التيارات السياسية التي لا يسمح القانون الكويتي بتشكيلها. ولعل تعاطي السلطة مع التشكلات السياسية يأتي من مبدأ الاستفادة منها من خلال مجموعة من التحالفات التي تقوم على أساس مقايضات بينهما حين تحتاج السلطة لذلك. ويعود وجود التيار السلفي، بكل مشاربه التقليدية والمنفتحة، إلى بدايات عشرينيات القرن الماضي، حينما ذهب عدد من الكويتيين للدراسة الشرعية في المملكة العربية السعودية، وهم استفادوا من تسامح السلطات لا سيما وأن في أصل الفكر الوهابي عدم جواز الخروج على طاعة ولي الأمر.
ولقد تركزت الدعوة السلفية في الكويت في "المناطق الخارجية" التي تقطنها القبائل، بسبب اقتراب الثقافات البيئية بين هذه المناطق والسعودية، ووجود أواصر قربى بين قبائلهما. بينما لم يشكل الفكر السلفي وزناً في "المناطق الداخلية" المتنوعة عائلياً، والتي يطلق عليها محليا كذلك اسم "الحضر".
وقد انقسم التيار السلفي، نتيجة الخلافات الحادة التي نتجت عن دخول القوات الأمريكية الى البلاد إثر الغزو العراقي لها عام 1990، حيث تبنى البعض فتوى عدم جواز الاستعانة بالقوات الأجنبية بينما وجد البعض الآخر عدم وجود مانع من الاستعانة بها. وبات هناك ما يعرف بالسلفية الأم وهو يعبر عن النسق التقليدي الذي يمارس أعماله الخيرية والدعوية عن طريق "جمعية إحياء التراث الإسلامي" التي تأسست في العام 1982، من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ويتولى الأمانة العامة لـ"التجمع السلفي" منذ تأسيسه، رجل الأعمال والبرلماني السابق خالد سلطان بن عيسى. ومن أبرز قياداته وزير التجارة الأسبق أحمد باقر والدكتور علي العمير وعبد اللطيف العميري والدكتور محمد الكندري والناشط سالم الناشي. وهو امتداد لجمعية إحياء التراث الإسلامي التي تنكر علاقتها به لحظر القانون الكويتي على الجمعيات الخيرية العمل السياسي.
وأما "الحركة السلفية" فتأسست عام 1996، إثر الخلاف على جواز الاستعانة بالقوات الاجنبية، ومن أبرز مؤسسيها الدكتور حامد العلي، أمينها العام السابق، والدكتور عبد الرزاق الشايجي المتحدث السابق باسمها، وأمينها الحالي الدكتور حاكم المطيري، وتركي الظفيري وبدر الشبيب والدكتور ساجد العبدلي. غير أن الحركة ما لبثت أن شهدت استقالة العديد من كوادرها بسبب خلافات داخلية.
وهناك "حزب الأمة" الذي تأسس العام 2005، كذراع سياسية للحركة السلفية، وهو أول حزب سياسي في الكويت ومنطقة الخليج، ويخالف القانون الذي يمنع تشكيل الأحزاب. فاعتبره البعض خطوة إصلاحية مهمه وامتدحوه، بينما ذمه البعض، واعتبرته السلطة الكويتية انقلابا على الدستور الكويتي وسعيا لتغيير نظام الحكم، فحولت مؤسسيه الى المدعي العام. وينضوي تحت راية هذا الحزب حملة الشهادات الأكاديمية والمثقفين والنخب، وخاصة من أبناء القبائل، ولا وجود له يذكر في المناطق الحضرية، ويعتبر خطابه نخبوياً لم يستطع أن يخترق الجماهير في أماكن تواجده. لذلك حينما قرر هذا الحزب خوض الحياة البرلمانية والترشح في انتخابات عام 2008 ، لم يستطع احراز أي نجاح.
وأما "تجمع ثوابت الأمة"، وهو ذو توجه سلفي فقد ظهر في أواخر عام 2003، ويتولى أمانته العامة منذ تأسيسه النائب السابق محمد هايف المطيري.

3 -الليبراليون: وهو تيار قديم في الكويت، وأول من انخرط في العمل السياسي البرلماني وشارك بقوة في الكثير من الحراكات السياسية التي كانت تشهد مواجهات بين السلطة والسياسيين على أثر خلافات حول موضوعات تتعلق برقابة السلطة التشريعية على أداء السلطة التنفيذية وكشفها للكثير من الفساد.
وكان لهذا التيار وجود في الاوساط الشيعية والسنية، القبلية والحضرية، كما بين التجار والأكاديميين والمثقفين... إلا أن شعبيته بدأت تنحسر جماهيريا للأسباب التالية:

• التجنيس الذي ركز على أبناء القبائل من المملكة العربية السعودية لإحداث تغيير ديموغرافي جاء للحد من سلطة التيارات الاصلاحية كهذا وغيره.

• عودة كثير من طلبة العلوم، الدارسين في المملكة العربية السعودية، وبدء نشاطهم الدعوي في المجتمع الكويتي، وهو ما غيّر في المزاج العام.

• ابتعاد خطاب التيار الليبرالي عن هموم الناس والمجتمع، واتصافه أحيانا بالنخبوية، وكان في أحيان أخرى يخوض معارك لصالح التجار المنتمين إليه، بالمعنى الضيق للكلمة. فنتج عن ذلك انشقاقات طالت أسماء لامعة ومؤثرة.

وينقسم الليبراليون إلى عدة تيارات، نذكر منها "المنبر الديموقراطي"، و"التحالف الوطني الديموقراطي" ويضم عددا من العروبيين والقوميين. وهناك "التيار التقدمي الكويتي" الذي يعتبر نفسه تياراً مستقلاً، يؤمن بضرورة التقدم السياسي وإعادة لملمة صفوف الليبراليين، ومنسقه العام الكاتب أحمد الديين.

4 ـ وهناك أخيرا "المستقلون"، وهم مجموعة من الناشطين السياسيين ومن النواب السابقين ومن الشباب الذين لا ينتمون لأي تيار من التيارات السالفة، ويتبنون مطالب محاربة الفساد وتطبيق القانون والحفاظ على الدستور وعدم التعدي على مكتسبات الدولة الديموقراطية.

            
 

مقالات من الكويت

للكاتب نفسه