الكورونا في الجزائر: أمراض العجز ورغيف اليوم

اكتشف الجزائريون، بمناسبة جائحة كورونا، أمراضاً أخرى، كالعجز في وسائل التأطير والمواجهة في المستشفيات واختفاء الكمامات بسرعة، بعد أن بيعت في السوق السوداء بأثمان مرتفعة، وتراكم المشاكل التي بدأت تواجه قطاعات مختلفة.
2020-04-11

محمد مرواني

باحث وكاتب صحافي من الجزائر


شارك
""فيروس كورونا أقل خطورة من النظام". صورة من إحدى مظاهرات "الحراك" الجزائري.

أطلق قطاع واسع من الجزائريين، منهم شباب "الفايسبوك"، نكاتاً على "الكورونا"، متهكمين على ما قيل أنه خطر العدوى الذي يقترب من البلد جراء مشاهد الألم القاسية والصادمة في بلدان الضفة الشمالية من البحر المتوسط. ولكن ومنذ إعلان التلفزيون الرسمي عن تسجيل أول إصابة بالفيروس، لمواطن إيطالي قدم إلى الجزائر في السابع عشر من شباط/ فبراير الماضي، تغيّر الاتجاه، وبدأت ملامح التوجس من انتشار الوباء.

وإنما، وعلى النقيض من ذلك، استمرت حياة المواطنين بشكل عادي دون اتخاذ أي تدابير وقائية تؤشر إلى أن الوضع خطير، ولو كان الأمر متعلقاً ب"حالة " واحدة. إلى أن اختفت بعد أيام قليلة "النكات" مع ارتفاع عدد حالات الإصابة التي قيل أنها وقعت في محافظة واحدة، وتحديداً في "مدينة بليدة" وأنها خصت خمسة أفراد من عائلة واحدة، كانت قد استقبلت قريباً لها من فرنسا. ساعتها نُقل المسافرون القادمون إلى البلد إلى فنادق ل"الحجر الصحي". الإجراء قوبل بالنقد، إذ يرى نشطاء من المجتمع المدني، ومواطنون، أن هناك تأخراً من قبل السلطات في التعامل الجاد مع أولى الحالات. وهو ما زاد الوضع سوءاً، وجعل العشرات من المحافظات تحت "الحجر الصحي المحدو " بعد ارتفاع الحالات إلى المئات في غضون عشرين يوماً. فوصل عدد الحالات إلى 1423، وارتفع عدد الوفيات إلى 173 وفق بيانات "وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات". ولم تتوقف الأرقام المرعبة عن التعاظم، ما دفع السلطات إلى تعليق الرحلات الجوية، وإحالة النساء الموظفات ممن لديهنَّ أطفال إلى عطلة خاصة، وإيقاف حركة النقل العمومي، وتقليص الخدمات المباشرة لفائدة المواطنين بالإدارات العمومية، لتدْخل البلاد في مرحلة جديدة اكتشف فيها الجزائريون أمراضاً أخرى، كالعجز في وسائل التأطير والمواجهة في المستشفيات واختفاء الكمامات بسرعة، بعد أن بيعت في السوق السوداء بأثمان مرتفعة، وتراكم المشاكل التي بدأت تواجه قطاعات الدولة في مواجهة فيروس سريع الانتشار، زاده خطورة إيقاع غير مبالٍ للناس في التزام البيوت وأخذ الحذر وتفادي التجمعات.

مواجهة "الفيروس " بدون مستشفيات

ينتقد قطاع واسع من المواطنين أداء منظومة الصحة في الجزائر قبل مجيء كورونا. وجزء هام من هذه الانتقادات يتعلق بغياب المستشفيات النوعية القادرة على التكفل الطبي بالأوبئة والأمراض الخطيرة. وقد عرّى كورونا هذا الواقع المر بعد أن واجهت الطواقم الطبية المتخصصة مشاكل في غاية التعقيد في التعامل مع الحالات المصابة ب"الوباء". وحدث هذا في الأيام الأولى من انتشار "الفيروس " بالمحافظات التي لا تتوفر إلاعلى مستشفيات قدراتُ الاستيعاب فيها محدودة للغاية، وتعداد المصالح الطبية المتخصصة لا يلبي الضغط القائم، بالإضافة إلى ميل جارف للأطباء نحو العمل في القطاع الخاص. وعلى الرغم من أن هذه المعضلات معلومة، إلا أن القطاع الصحي يدفع ثمن عدم استفادته من فترة الرخاء المالي السالفة.

استمرت حياة المواطنين بشكل عادي دون اتخاذ أي تدابير وقائية تؤشر إلى أن الوضع خطير، ولو كان الأمر متعلقاً ب"حالة " واحدة... إلى أن اختفت بعد أيام قليلة "النكات" مع ارتفاع عدد حالات الإصابة. تأخرت السلطات في التعامل الجاد مع أولى الحالات، ما زاد الوضع سوءاً، وجعل العشرات من المحافظات تحت "الحجر الصحي المحدود".

فجأة، لم يجد الجزائريون، وقد حركهم الخوف مما يشاهدونه على القنوات من أرقام ترتفع للوباء، الكمامات التي اختفت بسرعة من الصيدليات، وقد احتكر المضاربون، وبعض التجار الوضع لبيع كميات معتبرة منها في السوق السوداء. ولم يتوقف الأمر عند الكمامات: حتى الأطباء الذين سُخّروا على عجل، وضمن تعليمات لمواجهة الفيروس الفتاك، اشتكوا في تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي من غياب ألبسة الوقاية والتأطير الطبي في مستشفيات البليدة، بوفاريك، وهران، مستغانم.. وغيرها من المحافظات والمدن الجزائرية.

وقد انشغل الناس لأيام بأخبار تداولتها وسائل إعلام عمومية وخاصة عن مدى وفرة "السميد" وسائر الغذاء والسيولة المالية..

رغيف اليوم ما زال هاجس عائلات

أكد "كورونا" في الجزائر، ما كان أيضاً معروفاً لجهة أن آلاف العائلات تقتات من "رغيف اليوم". وقد نمت بمختلف المحافظات، وبشكل سريع، ما يسمى بالأسواق الشعبية، وشجع الاستقرار الأمني الذي شهدته البلاد على انتشارها في نواحي العاصمة والمدن الكبرى.

خزينة الدولة تواجه وضعاً مالياً صعباً بعد انهيار أسعارالمحروقات. وما دُمّر في زمن الرخاء، وبالأخص منظومة الصحة، ومعها التعليم، سيصعب بناؤه في زمن الأزمة، وبالأخص حين تكون مفاجئة وعنيفة.

وغالبية من ينشط في هذه الأسواق باعةٌ لا يملكون تراخيص عمل من البلدية، بل يعْرضون السلع والمنتجات الغذائية، ومنها الخضار والفواكه، وهم يعيشون من هذا النشاط، ويجنون منه دخلهم المادي اليومي. كما أن قطاعاً واسعاً من الشباب يعرض في هذه الأسواق بيع "الهواتف الذكية" و"ألبسة موسمية" بمبالغ معقولة.

وبقرب هذه الأسواق الشعبية المنتشرة، لا تستغرب إنْ وجدت سائقاً لا يملك اعتماد سيارة أجرة لينقلك أينما تحب، وهذا جزء هام من رغيف اليوم، الذي تقتات عليه العديد من العائلات المحتاجة للدعم. قرار السلطات العمومية في البلاد إغلاق كل المراكز التجارية والأسواق، كان مفاجئاً لهؤلاء ولا سيما أنه لم يَحضر لديها بديل. فقد سارع "ولاة المحافظات" إلى غلق كل أماكن التجمعات، وحذرتهم السلطات العليا من أي تقاعس في تطبيق الإجراءات بعد دخول الوباء مرحلة الانتشار .

لا تملك السلطات عن هذه العائلات التي تضررت من الأزمة الحالية بنك معطيات، في حين تبادر جمعيات تكتلت في تنظيمات لتقديم إعانات للعديد من المواطنين. وفوق هذا وذاك، فخزينة الدولة تواجه ظرفاً مالياً صعباً بعد انهيار أسعارالمحروقات. وما دُمّر في زمن الرخاء، وبالأخص منظومة الصحة، ومعها التعليم، سيصعب بناؤه في زمن الأزمة، وبالأخص حين تكون مفاجئة وعنيفة.. والقلق لذلك عظيم.

مقالات من الجزائر

للكاتب نفسه