الطفلة التي ارتدت فستاناً كحليّ اللون بدوائر بيضاء واسعة خرجت من آدميّتها في الصورة الموزّعة إلى الرأي العام. بدت لعبة بحجم أكبر من حجم الألعاب الاعتياديّ، ولكنها لعبة أحدث لهو الأطفال بها تشوهات في العينين.
كفّ اللعبة الأيمن ناصع البياض يوحي بيد ابتلّت أسفل خرطوم المياه لساعات، أو في بركة للسباحة، حيث لا أسباب أخرى لتحوّل كفّ طفل إلى هذه الحال.
أمها الافتراضية لو اعتبرنا أنّها لعبة، أو أمّها الحقيقيّة التي قضت معها لو أعدناهما إلى آدميّتهما سويّاً، حرصت على إضافة أسفل ثياب الطفلة ثياباً. يبدو من الكنزة البيضاء أسفل الفستان، المُضلّعة الشبيهة بكنزات ارتداها كثيرٌ منّا في الصغر، خوفٌ من صقيع متوقّع، صقيع قلب البحر الليلي. أمّا أسفل الفستان، لناحية القدمين، فأُلبست الطفلة بنطلوناً ضيقاً أزرق اللون بورود كثيرة. كانت الأم حريصة على هندام لطيف لابنتها.
ومن الاحتمالات أيضاً، أنها توقعت غرقاً أو موتاً، فكاميرات وإعلام وتفجّعٌ شعبيّ ونصوص بالية شبيهة، فلم تُرد لطفلتها الصغيرة في نومها المُمتدّ ظهوراً غير لائق.
تناثَر الرمل فوق فستان الطفلة النائمة على الشاطئ الليبي. وانتهت قصتها، بينما كان قارب آخر يُبحر لتهريب لاجئين غير شرعيين، هاربين من الموت نحو موت آخر.
هذه واحدةٌ من صور عديدة خرجت إلى العلن، موثِقةً مرة جديدة الفاجعة المستمرة بحراً. آخر دفعة وصلت إلى الشاطئ الليبي كانت بحدود مئتي جثة، وقبلها كان قد تمّ اكتشاف 71 جثة داخل شاحنة تُركت مقفلة حد اختناق "ركابها" وجرى التخلي عنها على الحدود بين النمسا وهنغاريا. غسان كنفاني: "رجال في الشمس"! مع تعديل طفيف في السيناريو: السوريون الهاربون من جحيم بلادهم اختنقوا في شاحنة تبريد وليس بسبب شدة الحر. ولكنهم، قبلها، كانوا ينظرون في عيون بعضهم البعض، وهم يقضون تباعاً.
حسب إحصائيات خاصة بالمنظمة الدولية للهجرة، فمن بين 5 آلاف مهاجر (في العالم بأسره) لقوا حتفهم في العام 2014، فإنّ 66.5 في المئة منهم فقدوا حياتهم على أبواب أوروبا، لا سيما في البحر الأبيض المتوسط. وعرفت هذه النسبة ارتفاعاً مهولاً هذا العام، فبين بداية كانون الثاني/يناير و25 آب/أغسطس، لقي ثلاثة آلاف مهاجر حتفهم باتجاه أوروبا وحدها، من أصل أربعة آلاف في العالم بأسره. منذ أيام، في 29 أغسطس/آب، أكدت وزارة الدفاع المجرية الانتهاء من بناء سياج بالأسلاك الشائكة على طول الحدود مع صربيا، يتألف من ثلاث طبقات، وسيتبع هذه الخطوة جدار بعلو أربعة أمتار، بدأ الجيش المجري ببنائه لمنع "العبور غير القانوني للحدود". المفوض السامي لشؤون اللاجئين، أنطونيو غوتيريس، يقول "أشعر بقلبي ينفطر للذين يموتون غرقاً في محاولتهم الوصول إلى أوروبا.عدد المهاجرين متدنٍ بالمقارنة بعدد سكان أوروبا، وهي تمتلك القدرة على مجابهة هذه الأزمة. فأوضاع اللاجئين السوريين هي أكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية". كما عبَّر المستشار الالماني السابق جيرهارد شرودر عن انزعاجه إزاء قيام المجر ببناء سور عازل على حدودها مع صربيا، قائلاً "لا البحر المتوسط ولا بناء أسوار جديدة مثل التي تبنيها المجر، ستوقف البشر اليائسين". ها أوروبا تعيد إقامة الجدران الإسمنتية أو المائية وتنهي حقبة هدم الجدران. وهي هذه المرة مَصدات تجاه بائسين "مختلفين"، ولكن أليست الجدران دوماً تصد المختلفين؟
وهكذا كان مع المهاجرين الذين قضوا في شاحنة تبريد. تجلدوا. ولكن قبلها كانوا ينظرون في عيون بعضهم البعض وهم يقضون تباعاً.