"جواز السفر المصري هو الوثيقة الأعظم في العالم كله"، أحمد موسى (إعلامي مصري).
كأغلب القصص اليومية المصرية، الاجتماعيّ منها أو السياسي، لا يُمكن لأيّ كان أن يقع على رواية واحدة موثوقة. أخبار لا تنتهي. يحطّ تكذيب للخبر الأساسي، وفي خبر ثان توضيح للذي قبله، ومن يرمي خبراً في موقع إخباري لا يعود ويسحبه إذا تبيّن عدم صحّته.. وهكذا دواليك إلى أن تُعجن أي رواية لأي حدث إلى حدّ لا يُحتمل. مرحباً في دهاليز القصّة والقصة المُضادة المصريّة.
عندما قرر اللاعب أحمد الميرغني الكتابة على صفحته الخاصة على فايسبوك هذه المرّة، لم يخطر في باله (على الأرجح) أن هاشتاغ #ادعم_الميرغني سيتربّع تويتريّاً في المرتبة الأولى متفوّقاً على ما خلاه من الهاشتاغات المصرية.
كيف بدأت القصة؟ بعد أحداث سيناء الأخيرة، كتب لاعب كرة القدم المصري على صفحته الفايسبوكية، مُهاجماً الرئيس عبد الفتاح السيسي: "قلت للناس انزلوا فوضوني علشان أحارب الارهاب، الناس نزلت وملت الشوارع رغم ان المفروض ده شغلك ومش محتاج تفويض علشان تشوف شغلك، بس ماشي هنعديها، ومن ساعتها والكل بيموت، مدنيين وجيش وشرطة، وانت فين من كل ده! كل اللي بناخدوا منكم كلام... انت فاشل ومسؤول عن كل نقطة دم في البلد دي...".
عم نبأ فصل اللاعب وإنهاء عقده مع نادي دجلة المتعاقد معه، بسبب موقفه السياسي. طبعاً، تلقّف الإعلام المصري القضية، لمزيد من "المرمغة" أرضاً. الإعلامي وائل الإبراشي في برنامجه "العاشرة مساءً" استقبل الميرغني لينفجر سيل من المداخلات الهاتفية.
جاء بعضها على هذه الشاكلة:
- "لا يحق لأي أحد انتقاد رئيس الدولة، فهو رمز من رموز البلاد، واحترامه واجب على الجميع". وأردف أن "لاعب الكرة لا دخل له في السياسة، وميرغني لا يفهم شيئا في السياسة ولا يستطيع فهم مكائدها". (مجدي عبد الغني، لاعب النادي الأهلي الأسبق).
- "الواد ده قليل الأدب ومش متربي يا وائل، ومطرود من نادي الزمالك عشان عملية أخلاقية، هو مش محترم، عيب يا وائل تجيب عيل مش محترم في برنامج زي ده. ده ياخد بالجزمة عيل عميل، ده ياخد بالجزمة اديله بالجزمة، مين الواد الخادم ده، البواب ده". (مرتضى منصور، رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك).
لن نتوقّف عند عبارة بواب، التي حكى مصريون أن المقصود فيها بشرة أحمد السمراء. وأحمد نوبي، وبناءً عليه تلقّفت اللجنة القانونية في الاتحاد النوبي العام الإساءة وأعلنت بحثها عن مقاضاة منصور لتلفظه بعبارات عنصرية.
تطلّب هذا الجدل توضيحاً من نادي دجلة. فصدر بيان جاء في نقطته الأولى "اللاعب تعمد إثارة الجدل في الآونة الأخيرة وأثارت بعض تدويناته الأخيرة جدلاً بين قطبي الكرة المصرية، ما استدعى تحذيره من إثارة الفتن من خلال تصريحاته التي قد لا تنسب له فقط بل لناديه أيضاً". وفي نهاية البيان دعوة إلى عدم خلط الرياضة بالسياسة ولا الرياضة بالدين...
إذاً خطوة النادي بتوقيفه عن اللعب (مرحليّاً أو نهائياً) ترجع إلى تصريحه الذي من شأنه إثارة الفتنة. تحميل رئيس البلاد مسؤولية ما يجري هو استثارة للفتنة في مصر. وهذا أمرٌ يستدعي "همروجة" تبدأ ولا تنتهي في الإعلام. تلقّفٌ وجلدٌ وعزل للاعب وقذفه بكلام عنصريّ بتهمة الكلام على الرئيس.
هذه جبهات مفتوحة، ودلالتها عما تحمله مجتمعاتنا في جوفها عميقة: بما يخص أجواء الاستبداد الزاحف برضا الناس، أو اغلبهم، وبما يخص الاحتقار العنصري للسود، والطبقي (للبواب او الفقير). وائل الابرشي عاد وقال إن مؤسسة الرئاسة (؟!) عادت واتصلت بالقائمين على إدارة البرنامج وأخبرتهم أنها لا تقبل الزجّ باسم رئيس الجمهورية في أزمة اللاعب أحمد الميرغني.
"مؤسسة الرئاسة لا تقبل"، يعني غير معنيّة، يعني تركت المنفلتين ينفلتون براحتهم، أو أن التربية الأمنية الشعبية وصلت حدّها؟