130 مليون امرأة..!

"كنّا تلات بنات في سنّ بعض، أنا وبنت عمي وبنت عمّتي، مدبحة يعني وراجل جزّار ماسك المشرط. بنت عمي وبنت عمتي سبقوني، ورا بعض قطع لهم حتّة من جسمهم. ولما جه دوري، فتحوا لي رجليّا وهو رشّلي بنج موضعي، ما حسيتش آه بالألم ساعتها، لكني حسّيت بالسكينة بتجز حتّة مني، لم أشعر بألم أيوه ولكني حسيت بحركة القطع وكأنها صوت باسمعه".
هذا جزءٌ من شهادة هالة، امرأة مصرية تجاوزت الخمسين عاماً، نشرها موقع "انتفاضة المرأة في العالم العربي" في العام 2012، خلال الحملة الداعية إلى التعبير عن "لماذا الدعوة إلى انتفاضة المرأة؟". 
الأسبوع الفائت، وفي اليوم العالمي لمناهضة الختان (5 شباط) صدر تقرير عن منظمة يونيسف ذكر أنّ أكثر من 130 مليون امرأة في 29 دولة في أفريقيا والشرق الأوسط تعرّضنَ للختان. وتعريفاً، فالختان هو "أي عملية تتضمن إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الأنثوية من دون وجود سبب طبي".
جاءت الصومال وجيبوتي والسودان واليمن في أعلى لائحة البلدان التي لم تشهد أي تغيير ملحوظ في أعداد العمليّات في السنوات الماضية، بينما انخفضت نسبة النساء اللواتي خضعن للعملية في الجيل الحالي (15-19 سنة) بالمقارنة مع الأجيال الماضية (45-49 سنة) في العراق وموريتانيا ومصر. 
وبينما يحظّر الدستور الصومالي ختان الإناث، أشار تقرير يونيسيف إلى تسجيل البلاد نسبة 98 في المئة من الفتيات اللواتي يقع عليهن. وتلتها جيبوتي بنسبة 93 في المئة، ثمّ مصر 91، السودان 88، موريتانيا 69، اليمن 19 في المئة. وجاءت العراق في آخر اللائحة بنسبة 8 في المئة، وختان البنات في العراق محصور في إقليم كردستان، وفق ما تشير اليه الدراسات.
هذا ما يجري. القدرة الفعليّة، الرادعة أو المُحدَّة، ما زالت ضعيفة الأثر.. في اليمن حقّقت الحملات المستمرّة وقيام دار الإفتاء بالحثّ على التوقف عن تلك الممارسة، انخفاضاً بسيطاً في الأرقام. لكن مصر بقيت من البلدان المتصدرة لنسب ممارسة ختان البنات، على الرغم من صدور قانون يجرّمه في العام 2008 ومحاكمة طبيب بالسجن سنتين وبالأشغال الشاقة لقيامه بعمليات ختان.
معروف أن جذور القضية اجتماعية، أي هي موروث تقليدي يعود الى أيام الفراعنة مثلا، يختلط بطريقة ملتبسة ببعد ديني يبدو ضعيف الأساس. وهذا ما يجعل مكافحة الختان صعبة. في مصر وقع نقاش حاد في العام 2008، بعد الفتوى التي صدرت عن شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي، ومفتي مصر السابق علي جمعة، بتحريم الختان باعتبار انه "عادة غير إسلامية وليس عبادة ولا يوجد في القرآن أو السنة ما يفرض على المسلمين ممارستها".. تولّت جبهة علماء الأزهر مهمة التصدّي له، مستنكرةً ومنتقدةً.. ومشدّدةً على شرعية إجراء الختان. 
ويرصد كثيرون الفتوى الأخيرة الصادرة عن داعش في تموز الفائت، التي تدعو لختان كل النساء في العراق، ولا سيما نساء الموصل ومحيطها، وذلك لإبعادهنّ "عن الفسق والرذيلة"! داعش لا يخترع طالما جبهة علماء الازهر قالت قبله.. فمن نصدق؟ وطالما أن لكل شيء تبريراً حتى ولو بلي عنق الآيات والأحاديث.. وبإخراجها من لحظتها التاريخية ومن سياقها الظرفي والزمني، فالسؤال الفعلي هو: ماذا نريد؟