"لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء من دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت..." (المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948). "لا يعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة" (المادة 5 من الإعلان نفسه). وغيرهما كثير..
كلام يبدو وكأنه يخص كوكبا آخر، من فرط ما أدقع الوضع في كل أرجاء العالم، وفي المقدمة منه في منطقتنا، حيث تلك الحقوق راحت تصير ترفاً بالمقارنة مع جيوش المعدَمين المحرومين من كل شيء، حتى من الطعام. قبل أيام من الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، المطابق لتاريخ إعلان الوثيقة، نادى برنامج الأغذية التابع هو الآخر للأمم المتحدة بحاجته إلى 64 مليون دولار ـ وهو مبلغ تافه بكل المقاييس ـ وإلاّ تعرض مليون و700 ألف نازح للجوع. أضافوا: لسنا بصدد الاهتمام بالصحة ولا بالتعليم ولا بالإيواء. نريد إطعامهم. لم يحرك النداء ساكناً، واضطرت المؤسسة الدولية الرصينة للتوجه للناس طالبة منهم التبرع، وحصدت بـ 72 ساعة جزءا من المبلغ المطلوب.
تُمثل الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة ومواثيقها لحظة توافق على تصور معين للاجتماع الإنساني. قد يكون ناقصاً. قد يكون عاجزا عن التحقق. قد يكون خاضعا فعلياً هو الآخر لشريعة الأقوى ـ أي الغاب. ولكنه قائم كمرجع. ماذا يبقى منه حين يصبح حال الناس مزريا بهذا الشكل؟ حين تفلت إسرائيل من كل القيود، بما فيها تلك العائدة لمختلف مواثيق الأمم المتحدة وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يُذكَّر به اليوم.
أمثلة عن المفارقات: قبل يومين، اعتقلت قوات الاحتلال طفلا فلسطينياً في العاشرة من عمره للمرة الثانية خلال أسبوع واحد! يقول المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة: "الوسيلة الوحيدة لوقف دورة العنف هو أن تضع إسرائيل حقوق الإنسان في صلب عملية صنع السياسات لديها". هذا التصريح، كالعادة، لم ولن ينال من إصرار الإسرائيليين على الاستمرار في مصادرة الأراضي والبيوت وتوسيع نطاق الاعتقال الإداري. ما زلنا إذاً في طور المراقبة والأرشفة، عسى التراكم يساعد يوم يحين وقت التغيير.
يرد في تقرير شهر تموز/يوليو لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق: "يوثّق التقرير انتهاكات ارتكبت بواسطة قوات الأمن العراقية والمجموعات الموالية لها، بما في ذلك الإعدام والقتل خارج نطاق القانون للسجناء والمعتقلين.."، ما يعني أن المعنيّين بالأمن هم من ينتهِك. وبخصوص ليبيا، يحذّر تقرير مماثل في شهر تشرين الأول/أكتوبر من التعرّض للناشطين السياسيين والمدوّنين، موثّقاً الانتهاكات بحقّهم، ما يعني أن المعنيّين بالدفاع عن الحريات والتوثيق للجرائم ورفع الصوت، معرّضون بدورهم للقتل والتهديد..
هذا عدا الملف الخاص ـ والمتجدد ـ العائد لأوضاع النساء، والذي يبدأ من تزويج القاصرات والختان ولا ينتهي بجرائم ما يدَّعى بأنه "الشرف".
يوم عالمي لحقوق الإنسان إذاً، ليس بغرض الاحتفاء بوضع مريع أمكن القضاء عليه وجعله من الماضي، بل للتذكير بإلحاحه كل يوم.