تطوّر تكنولوجي بنكهة سعودية

يُصرّ السعوديون، سلطة وشعباً، على بلوغ أعلى مستويات التطوّر والتقدّم التكنولوجي. ولكن.. في ملتقى «الإعلام الإلكتروني: التطلعات والتحديات»، قال نائب وزير الثقافة والإعلام عبد الله الجاسر إنّ «السعودية والدول العربية الأخرى تأخرت في منح الإعلام الإلكتروني الاهتمام والرعاية والدراسة»، لافتاً إلى أن الإعلام الإلكتروني «فرض واقعاً إعلامياً واتصالياً جديداً

يُصرّ السعوديون، سلطة وشعباً، على بلوغ أعلى مستويات التطوّر والتقدّم التكنولوجي. ولكن.. في ملتقى «الإعلام الإلكتروني: التطلعات والتحديات»، قال نائب وزير الثقافة والإعلام عبد الله الجاسر إنّ «السعودية والدول العربية الأخرى تأخرت في منح الإعلام الإلكتروني الاهتمام والرعاية والدراسة»، لافتاً إلى أن الإعلام الإلكتروني «فرض واقعاً إعلامياً واتصالياً جديداً وشكل تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية في ضوء تقنيات متسارعة ومتلاحقة تعددت أشكالها واستخداماتها...».
لا عيب في هذا الكلام بل هو عين العقل. اصرارٌ وشغف ببلوغ الأفضل في عالم يسير بخطى ثابتة نحو التطوّر التكنولوجي. وفي السياق، يصلنا خبر إطلاق العديد من المدارس السعودية قنوات لها على موقع «يوتيوب» تماشياً مع «متطلبات التعليم الذكي». وهذا الأخير ينتشر عالمياً، بل يقال إنه الطريقة التي وقع عليها الأميركان للإبقاء على هيمنتهم الثقافية على العالم، باعتبار انه ـ هذا التعليم الذي ينتشر كالنار في الهشيم ـ يتم باللغة الانجليزية.
إلا أن تدخّل بعض التربويين أربك الموقف وأعادنا إلى الخلف: تحذير من انتشار الإقبال على موقع يوتيوب لمراحل تعليمية متقدّمة و«تحديداً بين الأوساط النسائية»! ومشرفات تربويات يصرّحن بأنهنّ أبلغن إدارات المدارس أنه في حال تم ضبط قناة مخالفة للتعليمات، وتظهر فيها مقاطع تصوير، ستتم محاسبة المتسبب من الكادر التعليمي. أما في حال ضبط مخالفات مماثلة في مدارس أهلية، فربما تصل العقوبة إلى إغلاق المنشأة، لأنها مخالفة لتعليمات البيئة التربوية وللشريعة الإسلامية.
ترجمة هذا الكلام: يفترض أن يتم إنتاج الأفلام على يوتيوب بشكل لا يُظهِر شخصيات أو ـ خصوصا ـ طالبات.
بهذا نعود إلى مربّعنا الأول: ظهور نساء في فيديو تعليمي؟ يا غيرة الدين؟ مخالفة للشريعة الإسلامية إذا ظهر طرف صبيّة في فيديو عن مدرسة؟ ماذا يفعلن في صفوفهنّ؟ يرقصن أم يتعلّمن؟ ما الضير من فيديو تظهر فيه مدرِّسة تشرح (لا سيما أنهن منقبات!)، أو طالبة محجبة أو منقبة تتعامل مع المادة التعليمية؟ كيف يمكن المواءمة بين وجود نساء في مجلس الشورى السعودي، يجري تصويرهن كل يوم في مجلسهن أو أثناء استقبال الملك أو المسؤولين لهن، ثم يحرّم الفيديو التعليمي الذي قد تشارك فيه امرأة. وهل الصورة فحسب محرمة أم الصوت عورة كذلك؟ هذا حقل السخافة.أما الخشية كل الخشية فهي من تحوير «التطور التقني» ذاك لينتهي مثلا إلى إعادة الفتيات إلى بيوتهن ليتلقين تعليمهن بواسطة الانترنت، طالما هذا التعليم الالكتروني متوفر بل سيكون أساسيا في المستقبل. إعادة الفتيات والنساء سجينات في الحيز الخاص والردة على وجودهن في الحيز العام ولو بتقنين كما هو حاصل. فمن يفكر بإصدار كل تلك التحذيرات والتهديدات لن يتأخر عن ابتداع هذا «الحل»! وأصلا.. علامَ تعليم الفتيات؟... التطور التقني لا يعني التقدم والتحرر، بدليل اتجاه العلم إلى إنتاج أفظع الأسلحة، وأشد وسائل السيطرة على العقول والمشاعر للإلهاء عن التفكير.. التلازم بين الاثنين وهمٌ بالتأكيد. ولكن، لا وجود لتطور تقني يتلازم مع تزمت اجتماعي محْكم. هذا أيضاً وهمٌ خالص. التقنيات تغير الحياة. إقرأوا التاريخ... واختاروا.


وسوم: العدد 117

للكاتب نفسه

عندما ترتاد امرأة شاطئاً عامّاً..

التهديد بالعري مقابل "حشمة" الحجاب المفروض، كما يحدث الآن بخصوص المايوه في الجزائر، هو الوجه الاخر للعملة نفسها. الاصل أن النساء لسن عورات للستر وان لهن حقوقاً مساوية للرجال في...

رمضان في تولوز: هل ترغبين بالتذوّق؟

عند السادسة مساءً يكتظّ الوسط التجاري الخاص بباغاتيل. تنزل النسوة مع أزواجهنّ وأولادهم لشراء ما ينقصهم قبل الإفطار. صفّ الناس لسحب المال من ماكينة البنك تجاوز الرصيف ليصل إلى الطريق...