أترضاها لأختك؟

خلال الأسبوع الماضي، أثيرت ضجة واسعة حول فتوى إجازة تجسّس (تلصص) الرجل على المرأة أثناء الاستحمام، بشرط أن يكون ينوي الزواج منها. ولكنها نبشت مجدداً من قبل داعية اسمه أسامة القوصي. حملها شريط فيديو نال حصّة انتشار كبيرة. يتوجّه القوصي للشباب بالقول: «لو كنت صادقاً في أنك ترغب بالزواج من البنت وعرفت تستخبى وشفت حاجة هي مش ممكن توريهلك، هو جائز. إنما الأعمال بالنيات، وأحد الصحابة فعل ذلك فاستنكر عليه البعض، وقالوا له أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله؟ فأجابهم بأن رسول الله قال إن استطعت أن تنظر لما يدعوك لنكاحها فلتفعل...». استفاض القوصي في سرديّته التشريعية الدينية، والفيديو حظي بنقاش واسع. ثم خرج وزير الأوقاف المصري، الشيخ مختار جمعة، وهاجم «الفتوى» في بيان رسمي، قائلا: « في كل يوم يطالعنا أحد المحسوبين ظلماً وبهتاناً على الدعوة والدعاة بفتاوى مثيرة للجدل، إمّا حبّاً بالظهور الإعلامي أو لشغلنا عن القضايا الوطنية الهامة». وأضاف: «لقد أفتى له بالنظر لها وهي تستحم عارية أو شبه عارية ونقول له ولأمثاله «أي نخوة وأي رجولة في هذا؟ هل تقبله أنت على ابنتك؟»، وكذلك فعل رئيس لجنة الفتوى في الأزهر سابقاً علي أبو الحسن، واستنكر وشرح وفصّل وعلّل بطلان الفتوى...
اللطيف، أنه من بعد تحوّل الفتوى إلى حفلة شجب، خرج القوصي ليعلن أن عمر الفيديو حوالي العشر سنوات، والفتوى قديمة أصدرها عندما كان متطرّفاً. واتهم جماعة الأخوان المسلمين والجماعات «الإرهابية المتطرفة» بإعادة نشر الفيديو في هذا التوقيت لتشويه صورته «بعد أن عدت إلى ساعة الدعوة بقوّة».
الفتوى هذه لم يخترعها القوصي، بل عمرها مئات السنين على الاقل، وهي سبق تداولها مرات، وعلى يد مشايخ متعددين. ويبدو أنه يمكن لمن يبحث أن يجد ما يحلو له في «التراث» الديني. وأما الشرط الآخر الذي قد يجهله القوصي، فهو ارتكاب تلك الفعلة بالسر بحسب اسلافه، من دون معرفة المرأة المتلصص عليها... لعدم إحراجها!
الرأي العام المصدوم اليوم بالفتوى المتجددة، كان قد تعرّض لصدمة أشد قبل فترة وجيزة بخبر أول تطبيق لحد الرجم حتى الموت لسيدة في مدينة الطبقة في ريف الرقة بتهمة الزنى. ومن المعروف أن شروط إثبات الزنى شبه مستحيلة، وذلك لتلافي الشبهة والوشايات والانتقام والظلم، بل هناك تشكيك من قبل علماء مسلمين بوجود عقوبة الرجم أصلا واعتبارها عادة موجودة عند اليهود، وفي التوراة، وأن الاصل في الاسلام هو الستر. ويقال إنه، وطوال فترة حياة الرسول والخلفاء الراشدين، لم يطبق الرجم إلا على رجل اصر على الوشاية بنفسه باستماتة! بينما قامت عناصر من «داعش» بتنفيذ «الحكم الشرعي» حسبما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
هذه ربع قصة من قصص دولة «الخلافة الإسلامية». أُنهك الإسلاميون وهم يشرحون وينفضون عن الإسلام هذه الممارسات. حسناً، لمزيد من الوضوح، الشيخ أسامة القوصي صرّح بأنه عاد اليوم إلى ساحة الدعوة (وبقوّة). هل من يسمع؟ الرجل عاد؟ بلسانه قال إنه قبل عشر سنوات كان يعمل مع الجماعات التكفيريّة ويكفّر أمه وأبيه. وأما استنكار وزير الأوقاف فجاء بمنطق أعوج ذكوريّ: «أترضاها لأختك؟». وما زلنا نستغرب تمهيد الارض والنفوس أمام داعش؟