السماع بحراك سياسي أو اجتماعي يجري في هذا البلد الأفريقي كان شبه غائب تماماً. لعب العقيد دور الملك، مختزلاً شعبه بملايينه الستة. عاث في تلك الأرض كما أراد. احتلّ الشاشات بقنواتها العربية والمحلية، محوّلاً شعبه وبلده إلى مهزلة غير مسبوقة. دفن معمر القذافي ليبيا بطاقاتها وقدراتها، عبر دور «غرائبي» مارسه طوال سنوات حكمه الأربعون. اختصرت ليبيا طوال تلك الفترة بشخصه، لهذا تشكّلت الصورة في الأذهان عن شعب أبكم أخرس وأصمّ. تساءل الكثيرون عن أسباب صمتهم الطويل وتركهم الرجل يحولهم إلى «كوميديا».
قاد ليبيا كيفما شاء. غيّر في التوقيت الميلادي والهجري، وفي المكونات الطبيعية المنطقية للحياة. قرّر لنفسه صفة النبيّ، لهذا كان مضطراً لاستكمال الرسالة الإلهية بكلّ ما فيها من «رقيّ». ومع كل ما حمل من «جنون»، دخل الأمم المتحدة، وزار دول العالم مشكّلاً قطباً أساسياً في قضاياه الكبرى.
في شباط/ فبراير 2011 ، قرّر الليبيون أن كفى. كانت سائدة موجة رفع الصوت. وكما كان متوقعاً كان العنف من نصيبهم. سياق طويل قاد إلى سقوط العقيد وإلى قتله بشكل وحشيّ وسط الشارع وبين مئات المتفرّجين من الليبيين.
تدريجيّاً ، بدأ العمل على إعادة ليبيا إلى هيكلها الطبيعي كـ«دولة». ليس من السهل توقع نتائج سريعة. لهذا احتلّ السلاح صورة المشهد، معيداً الليبيين إلى إطارهم الأوّل. تكتلوا جميعاً خلف جبهاتهم، في محاولة لفرض السيطرة. وهذا من مبدأ أن «استلام زمام اللعبة هي حصة الأقوى». هؤلاء الذين كُتم على أنفاسهم لسنوات خلت، وكانوا مجبورين على الانسجام مع مبدأ ساع لإثبات أنّ «الذكر ذكر والأنثى أنثى». لم يكن سهلاً نقلهم فجأة إلى ما لم يخبروه يوماً: سمِّها الديموقراطية، أو ما تشاء. ولكنهم رغم الصعوبة قرروا أن «لا خير في أمةٍ تولّي زمام أمرها لنفوسٍ هاجسها العبودية»، بحسب الروائي الليبي ابراهيم الكوني.
منذ أيّام، وصل من ليبيا خبرٌ يبعث على التفاؤل. خبر بسيط، لكنه مليء بالإشارات الى «تبدّل» كبير حصل في هذه النقطة من القارة الأفريقية: «علّق البرلمان الليبي جلسته بعد أن اقتحم حشد من جرحى ثوار مدينة أجدابيا قاعته الرئيسية بمقره في العاصمة طرابلس، ورفضوا الخروج منها إلى حين تحقيق مطالبهم...». حصل هؤلاء الجرحى على وعود كثيرة في السابق، وبعد أن يئسوا، قرروا اقتحام البرلمان، إيمانا منهم بحقهم وبقدرتهم على تحصيله. ترسّخت فكرة تبديل الواقع عبر بذل الجهد على الأرض في الأذهان، وصدقوا أنّ «الشعب هو مصدر السلطات». بعد اقتحامهم المبنى، قابلهم وزير الجرحى ووعدهم بإصدار القرارات الحكومية التي تحقق مطالبهم. لكنهم رفضوا الخروج قبل الحصول على نتائج فورية ومؤكّدة. صحيح أن البرلمان تمّ اقتحامه أكثر من مرة في السابق بطريقة عشوائية، لكن هذا لا يلغي أن الشعب الليبي يسير مذ قرّر الانتفاض على نظامه في الطريق الصحيح.
فكرة
ليبيا تقتحم برلمانها
السماع بحراك سياسي أو اجتماعي يجري في هذا البلد الأفريقي كان شبه غائب تماماً. لعب العقيد دور الملك، مختزلاً شعبه بملايينه الستة. عاث في تلك الأرض كما أراد. احتلّ الشاشات بقنواتها العربية والمحلية، محوّلاً شعبه وبلده إلى مهزلة غير مسبوقة. دفن معمر القذافي ليبيا بطاقاتها وقدراتها، عبر دور «غرائبي» مارسه طوال سنوات حكمه الأربعون. اختصرت ليبيا طوال تلك الفترة بشخصه، لهذا تشكّلت
للكاتب نفسه
ثورة "17 تشرين" اللبنانية: استدعاء شعارات الربيع العربي
زينب ترحيني 2020-02-01
ما الذي أثار غضب النظام؟ هل هو خوفٌ من تمرّد اللغة بكل ما يحمله من مؤشّرات؟ أم أنّ إعادة إنتاج بعضٍ ممّا سُمع في شوارع عربية أثار الرُعب وأعاد الكوابيس؟
عندما ترتاد امرأة شاطئاً عامّاً..
زينب ترحيني 2017-08-03
التهديد بالعري مقابل "حشمة" الحجاب المفروض، كما يحدث الآن بخصوص المايوه في الجزائر، هو الوجه الاخر للعملة نفسها. الاصل أن النساء لسن عورات للستر وان لهن حقوقاً مساوية للرجال في...
رمضان في تولوز: هل ترغبين بالتذوّق؟
زينب ترحيني 2016-06-12
عند السادسة مساءً يكتظّ الوسط التجاري الخاص بباغاتيل. تنزل النسوة مع أزواجهنّ وأولادهم لشراء ما ينقصهم قبل الإفطار. صفّ الناس لسحب المال من ماكينة البنك تجاوز الرصيف ليصل إلى الطريق...