عقدت هذا الاسبوع الجلسة الأولى لعام 2020 من لقاءات الطاولة المستديرة الدورية ل"معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)" في رام الله، للنظر في الأبعاد الاقتصادية لطرح الرؤية الأميركية الإسرائيلية لانهاء القضية الفلسطينية، والتطورات الاقتصادية، والسبل الكفيلة باستيعاب أية صدمات أو تداعيات مادية تتسبب بها.
ويرى المعهد ان الوضع السياسي الجديد يفرض على القيادات الفلسطينية، وصانعي السياسات الاقتصادية، والاقتصاديين الفلسطينيين، الانخراط في حوار مفتوح وصريح حول مدى خطورة هذه الرؤية، وما تمثله من تغيير جوهري في مرجعيات وغايات "العملية السلمية"، واتجاهات النضال الوطني الفلسطيني، كما حول سبل مواجهتها وإفشالها، بما يتضمنه ذلك من مراجعات للخطاب، والسياسات، والبرامج خلال المرحلة السابقة.
كما يستدعي محاولة توقع الإجراءات الإسرائيلية المحتملة، وسبل مواجهتها ميدانياً، وكذلك من خلال البرنامج الاقتصادي "الانفكاكي" للحكومة، قدر الإمكان.
خلفية ومبررات:
أعلنت الإدارة الأمريكية في الثامن والعشرين من الشهر الماضي عن رؤيتها "الجديدة" لإحلال السلام في الشرق الأوسط، بعنوان "السلام من أجل الرخاء: رؤية من أجل حياة أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين".
"صفقة القرن": تانغو بين الواقع والوثيقة
03-02-2020
منذ العام 2017 اتخذت الإدارة الأمريكية عدة خطوات لتهيئة الأرضية السياسية لفرض رؤيتها، بدءاً بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها (6 كانون أول 2017)، مرورا بإيقاف الدعم الأمريكي للأونروا (31 آب 2018)، ثم تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو التي لا ترى في الاستيطان انتهاكا للقانون الدولي (18 تشرين ثاني 2019)، باعتبار الضفة الغربية أراضي تخضع للسيطرة الإسرائيلية وليست أراضي محتلة. هذه الخطوات تمثل سوابق في المواقف الأمريكية المعلنة على الأقل منذ انطلاق عملية السلام، بل منذ 1967، وقد أدت إلى حالة من القطيعة السياسية بين الإدارة الأمريكية والقيادة الفلسطينية. كما جرى التحضير للخطة الاقتصادية الاستثمارية المرتبطة بهذه الرؤية التصفوية للقضية وللحقوق الوطنية الفلسطينية من خلال عقد ورشة عمل في البحرين في الثاني والعشرين من تموز 2019.
بمراجعة سريعة لنص وثيقة الرؤية، يتضح أنها تتبنى بشكل مطلق الرواية الإسرائيلية، ليس فقط ما يخص الصراع، ولكن حتى بما يتعلق بالرواية التوراتية لتاريخ المنطقة والصراع الدائر فيها (ما يمكن تسميتها "بحرب المائة عام ضد فلسطين"). كما تدل صياغتها وتفاصيلها على أنها تستند إلى خطاب استعماري-وصائي، وإلى مفاهيم كولونيالية جديدة تميّع مفاهيم السيادة الوطني وحق تقرير المصير. وتفترض أن على الفلسطينيين أن يثبتوا جدارتهم في إدارة الدولة لكي يستحقوها. كذلك فإن هذه الرؤية تتجاهل كافة القرارات الأممية التاريخية بخصوص القضية الفلسطينية، والتزامات إسرائيل بموجب الاتفاقيات الدولية في مجالي القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ناهيك عن التزاماتها في إطار اتفاقيات أوسلو. باختصار، فإنها رؤية مرفوضة لتنكرها التام لحقائق التاريخ وللحقوق الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني في فلسطين.
هذا الوضع يفرض على القيادات الفلسطينية، وصانعي السياسات الاقتصادية، والاقتصاديين الفلسطينيين، الانخراط في حوار مفتوح وصريح حول مدى خطورة هذه الرؤية وما تمثله من تغيير جوهري في مرجعيات وغايات "العملية السلمية" واتجاهات النضال الوطني الفلسطيني، وحول سبل مواجهتها وإفشالها، بما يتضمنه ذلك من مراجعات للخطاب، والسياسات والبرامج خلال المرحلة السابقة. كما يستدعي محاولة توقع الإجراءات الإسرائيلية المحتملة، وسبل مواجهتها ميدانياً ومن خلال البرنامج الاقتصادي "الانفكاكي" للحكومة، قدر الإمكان. في هذا السياق يأتي عقد هذه الجلسة الأولى لعام 2020 من لقاءات الطاولة المستديرة في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، للنظر في الأبعاد الاقتصادية المحتملة لهذه التطورات الاقتصادية والسبل الكفيلة باستيعاب أية صدمات أو تداعيات مادية قد تسببها.
إن هذه الرؤية لا تمثل إلا شرعنة أمريكية للحقائق التي فرضتها إسرائيل على الأرض، والتي تنوي فرضها، إن استطاعت، في إطار مخططها الاستعماري الذي يهدف إلى المزيد من النهب والتوسع الاستيطاني والاحتفاظ بالبؤر الاستيطانية في مختلف مناطق الأرض المحتلة، وتثبيت نظام الفصل العنصري من خلال مفاهيم مثل "التواصل المواصلاتي"، وإعاقة أي إمكانية لإقامة أي شكل من أشكال الكيانية الاقتصادية الفلسطينية ذات السيادة. كنتيجة منطقية، تشكل موقف فلسطيني موحد برفض الرؤية الأمريكية المطروحة، واعتبارها تنسف أي فرصة باقية لاستئناف المفاوضات على أساس حل الدولتين ولأنها تحسم كافة قضايا الحل النهائي، كما أنها لا تستند إلى حدود الرابع من حزيران 1967، وتمنح إسرائيل السيادة المطلقة على القدس.
كما تكرس السيطرة الإسرائيلية على المعابر مع الأردن، وتجبر الفلسطينيين على استخدام الموانئ الإسرائيلية، وتحرمهم من إنشاء ميناء ومطار خاص بهم في "المستقبل المنظور" وتربط ذلك بلائحة اشتراطات طويلة. هذا بالإضافة إلى ضم غور الأردن بالكامل وكافة المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية، وإنشاء شبكة طرق وأنفاق وجسور لربط هذه المستوطنات بإسرائيل، بما يعنيه ذلك من مصادرة المزيد من أراضي المواطنين الفلسطينيين.
بالرغم من عدم وجود إجماع دولي بخصوص الرؤية المعلنة، إلا أن رعاية الولايات المتحدة الأمريكية لها يجعل منها حدثا جللا ومفصليا. فالولايات المتحدة هي الدولة صاحبة النفوذ الأقوى عالميا، وتساهم مواقفها وسياستها في صياغة وتحديد المواقف العالمية بشكل أكبر من أي دولة أخرى، لذلك فالخطر الأكبر من هذه الناحية هو تعميم وضع دولي تصبح فيه هذه الرواية هي الرواية السائدة عالمياً، مما يسهل على إسرائيل فرضها دون تبعات أو تكاليف سياسية. كما سيبذل اليمين الإسرائيلي قصارى جهده للاستفادة القصوى من هذه الرؤية من خلال تطبيق ما يمكن تطبيقه منها. والسبب الأخير الذي يزيد من خطورة هذه الرؤية هو الموقف العربي الضبابي من الصفقة؛ فعلى الرغم من صدور بيان رفض وإدانة عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية، إلا أن مواقف الدول العربية فرادى جاءت مغايرة لموقفهم الجماعي.
*****
يمكن الاطلاع على نص الوثيقة كاملا عبر هذا الرابط.