أن يخرج هشام العشري في مصر ليصرّح بمواقفه "المقزّزة" والمخيفة يستدعي السؤال عن الجهة التي ستتدخّل لجمح الرجل ورغباته. هشام العشري، الذي عمل داعية في أميركا ودرَّس هناك الدين، أسّس "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في مصر. يقول ان خطوته لقيت تجاوباً وانه محاط بالمشايخ وبالناس. منذ يومين أطلّ على الإعلام معلناً خطّة عمله وبرنامجه التي سيبدأ تطبيقه في القريب العاجل.
عبارات محدّدة وواضحة استعان بها العشري في لقائه الإعلامي. حدَّد عمل الهيئة بمرحلتين أساسيتين. ما يجري اليوم هو مرحلة "التعزير والإنذار". اختار الأقباط أوّلاً، فإنذارهم حاجة ملحّة. سيقوم الرجل بدعوة هؤلاء "المُضللين" إلى الدين الإسلامي عبر توزيع بيانات ومنشورات أمام الكنائس، وسيطبع لهم كتباً ويعقد المؤتمرات لأجلهم. كلّ هذا سيجري لأنّ الرجل يحبّهم ولا يريد لهم اعتناق دين يدخلون بسببه النار بدلا من الجنة. أمّا القبطية (الأنثى) فإن لم ترض بالإسلام فلا بدّ لها من ارتداء الحجاب ولو من دون قناعة. هذا خطّ أحمر!
اعترض "شخصيّة" هيئة الأمر والنهي المصريّة على الدستور الحالي، وطالب بمنع السجائر والخمور والعلاقات الجنسية خارج الزواج، مشدّداً على أن لا إمكان لانتظار إحداث إجماع وحصول قناعة على الشريعة الإسلامية، بل يجب تطبيقها رغماً عن الجميع... وبالمناسبة، دعا على شيخ الأزهر وتمنّى له الموت القريب.
أمّا الزي في الشارع، فستكون حصّته واسعة مع بدء مرحلة التطبيق. ستُمنع البنطلونات الضيقة للرجال والقمصان المفتوحة، وارتداء السلاسل منعاً للتشبه بالبنات. يؤمن الرجل بالمساواة، فالرجال برأيه كما النساء يمكنهم إثارة الفتنة بدورهم. لا عيب في ارتداء الجلباب لكنّ الهيئة لن تفرضه. ليفرح المصريون!
هذا جزءٌ يسير ممّا قاله المتخرج من كلية التجارة هشام العشري. كلامه أثار الرعب بين الناس. هو ليس كائناً فضائياً، ولا حطّ في الشارع المصري صدفةً. عمله منظّم ومحدّد الخطوات، ومعالم الثقة بالنفس عالية. طمأن الى أنّه في الوقت الحالي لن يتمّ التدخل بـ"اليد" لفرض ما يرغب به. هذه ستكون المرحلة الثانية. هو وهيئته مؤمنان بأنهما ما زالا في المرحلة التثقيفية للتوعية العامّة. تترك اللجنة للشعب وقتاً كافياً لاستيعاب ما سيحلّ عليه من قوانين جديدة.
صرّح الرجل وعكف إلى منزله. اكتفت السلطات المصرية بتصريح مقتضب من قبل مدير إدارة الإعلام في وزارة الداخلية أيمن حلمي. نفى هذا الاخير كلام العشري عن تقدّم الهيئة بطلب إلى وزارة الداخليّة لاعتمادها ذراعاً لها في تطبيق الشريعة في الشارع. طمأن الى أن الوزارة لن تسمح لأحد بترويع أمن المواطنين. وانتهى البيان. توقيت كلام العشري ليس بريئاً. هو انتظر نجاح الدستور بالاستفتاء. هذه الـ"نعم" التي خرجت عن المصريين ستكون ضريبتهم. هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتعرض في السعودية نفسها لنقد شديد، بل ربما لإعادة نظر، أو مطالبات بذلك. يتململ السعوديون من "عجرفة" وظلم الهيئة. ما زالت أصداء "إحباط" الهيئة في السعودية "تخطيطاً" لاحتفال 41 مسيحياً بعيد الميلاد، مدويّة إلى الآن. موجة الضحك التي أثارها الخبر تكفي السعودية عاراً لسنين. الشارع المصري بعيد كثيراً عن ذاك السعودي.
بلاد الفن والغناء والرقص الشرقي والسينما لا يمكن إخضاعها بهذا الشكل. لكن القطار دخل سكّته، وأجواء السلطة المصرية منسجمة بالحدّ الكافي لطمس الأصوات المعترضة. "نعم" الدستور المصري عززت ثقة هشام العشري بقدراته، ليفرض ما يكفي من التخلّف والرجعيّة على الناس بحجّة الدين والإسلام. بعد الدستور المعيب في بنوده المختلفة، لم يكن ينقص المصريين سوى هشام العشري وإخوانه الساعين في الشوارع لردع الناس عن الكفر!