أضرم النار بنفسه ورحل. حتماً لم يكن البوعزيزي على دراية أن خطوته سيتمّ استتباعها بالمزيد. من المرجّح أن ثقته كانت كبيرة بانتهاء القصّة مع إطفاء الجسد. لا أمل لحكاية فقر وبطالة وجوع أن تنمو في بلد يحكمه «زين العابدين بن علي»، ذاك الرئيس الذي شكّل على الدوام «غولاً» حاضراً ليأكل شعبه في أي وقت. هذا العام، تحضر الذكرى الثانية لرحيل بائع الخضار المتجوّل مع كثير من الدماء في أكثر من مكان. حرقاً وقتلاً وتنكيلاً وقنصاً وقصفاً، يتكدّس السوريون فوق بعضهم. تطحن آلة القتل الجثث بشكل عشوائي ومنظّم في آن. تستمدّ من كلّ تعبير ما ينفعها في زيادة حدّة الموت وقسوته. ما أقدَم عليه البوعزيزي في ذلك الوقت كان اعتراضاً ورفعاً للصوت. كان فقيراً معدماً ومذلولاً في بلده. في لحظة واضحة ومحدّدة، أخذ قراره بضرورة الرحيل. مات في ذروة شعوره بالاختناق والذلّ، رافعاً دون تصميم مسبق أرجلاً داست لأعوام على رقاب الشعب. لم يكن سهلاً مسار هذا السيناريو: نزع ديكتاتوريّات دامت لسنوات في أقلّ من سنتين.
الاحتفاء بالبوعزيزي على أوجّه: إطلاق اسمه على إحدى ساحات باريس، اختياره شخصية عام 2011 من قبل مجلة «التايمز» البريطانية، إهداء الكاتب المغربي- الفرنسي الطاهر بن جلون روايته له كرمز للثورة... الإثنين الماضي رشقت سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية الرئيس منصف المرزوقي ورئيس البرلمان مصطفى بن جعفر بالحجارة. وصل الرجلان لإحياء الذكرى الثانية لرحيل البوعزيزي، فكان لهما نصيبهما من الشعب. بدا واضحاً أن لا مجال للمساومة على سبب موته. هذا الشعب المقيم في منطقة مهمّشة وفقيرة يريد عملاً ومسكناً وحياةً أفضل وتعليماً وطبابة. لم يعد التونسيون يرضون بحياة على الهامش ولا بمساومة على ما هو الحدّ الأدنى من حقوقهم.
في بلاد ما بعد الثورات سُدّت كراسي السلطة. توجّه الناس بملء ارادتهم إلى صناديق الإقتراع. اختاروا ممثلين عنهم وتركوا لهم تدبّر أمورهم. وهكذا تربّعت الأحزاب الجديدة في الحكم. لكن ما انتفض لأجله، أقلّه البوعزيزي، لم يأت بعد. ولهذا فالمحاسبة لا مفرّ منها. ما خرج إلى العلن في تونس حتى الآن صراعات خارج الصدد الذي مات من اجله البوعزيزي وخرجت الناس تنادي بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. أحزاب اسلامية متشدّدة تحاول القبض على حياة الناس. تريد فرض ما تريد ولو بالقوّة ولو بقضم الآذان. في تونس يوجد حمَلة سواطير، يخرجون بها للتهديد بضرورة إغلاق محال الكحول، وايقاف سهرات الغناء والرقص. من وصلوا إلى السلطة لم يكترثوا لأرقام البطالة المتّجهة إلى الارتفاع. لم يحاول أحد حتّى الآن تقديم مشروع للحدّ من زحف الفقر إلى المناطق. أقصى الطموح «تطهير البلاد» من الانحراف والفسق.
البوعزيزي مات. لم يخبره أحد أن بن علي رحل وكذلك مبارك... في نفس الوقت لم يتبرّع أحد لإعادة تذكير الأحزاب الحاكمة الجديدة أنّ من أتاح لهم السلطة جائع ولا مدخول لديه. ما دفعه للموت لم يكن وجود متديّنين أو سكّيرين في الشارع، كلّ ما أراده حينها هو الحدّ الأدنى من حياة كريمة.
فكرة
سنتان على الحريق
أضرم النار بنفسه ورحل. حتماً لم يكن البوعزيزي على دراية أن خطوته سيتمّ استتباعها بالمزيد. من المرجّح أن ثقته كانت كبيرة بانتهاء القصّة مع إطفاء الجسد. لا أمل لحكاية فقر وبطالة وجوع أن تنمو في بلد يحكمه «زين العابدين بن علي»، ذاك الرئيس الذي شكّل على الدوام «غولاً» حاضراً ليأكل شعبه في أي وقت. هذا العام، تحضر الذكرى الثانية لرحيل بائع الخضار المتجوّل مع كثير من الدماء في
للكاتب نفسه
ثورة "17 تشرين" اللبنانية: استدعاء شعارات الربيع العربي
زينب ترحيني 2020-02-01
ما الذي أثار غضب النظام؟ هل هو خوفٌ من تمرّد اللغة بكل ما يحمله من مؤشّرات؟ أم أنّ إعادة إنتاج بعضٍ ممّا سُمع في شوارع عربية أثار الرُعب وأعاد الكوابيس؟
عندما ترتاد امرأة شاطئاً عامّاً..
زينب ترحيني 2017-08-03
التهديد بالعري مقابل "حشمة" الحجاب المفروض، كما يحدث الآن بخصوص المايوه في الجزائر، هو الوجه الاخر للعملة نفسها. الاصل أن النساء لسن عورات للستر وان لهن حقوقاً مساوية للرجال في...
رمضان في تولوز: هل ترغبين بالتذوّق؟
زينب ترحيني 2016-06-12
عند السادسة مساءً يكتظّ الوسط التجاري الخاص بباغاتيل. تنزل النسوة مع أزواجهنّ وأولادهم لشراء ما ينقصهم قبل الإفطار. صفّ الناس لسحب المال من ماكينة البنك تجاوز الرصيف ليصل إلى الطريق...