تُصرّ بعض الأنظمة العربية على الاستمرار في خلق حالات الاختناق. يلاحقون الشعب إلى مساكنه الافتراضية. حتى التغريد و«الفسبكة» عليهما أن يكونا تحت الرقابة والمحاسبة. ما حصل منذ أسبوع في البحرين جاء كالتالي:
حكم المحكمة البحرينية: السجن ستة أشهر.
المتهم: أحد المواطنين.
التهمة: الإساءة إلى ملك البلاد عبر تويتر.
نوع الإساءة المرتكبة: غير مذكور.
هذا ما خرجت به جلسة محاكمة أحد ناشطي تويتر نهار الخميس الفائت في البحرين. هذا المواطن البحريني ليس وحيداً. أربعة زملاء له يقبعون بدورهم في السجن، منهم من نال حكمه ومنهم من ينتظر. أحدهم حُكم بالسجن لشهرين وآخر لأربعة أشهر، في تنوّع مرتبط بنوعيّة الإساءة وحجمها. لا يحمل هذا الخبر البحرينيّ أي جديد. مراقبة وسائل التواصل الاجتماعية ومحاسبة روادها عند أوّل «انزلاقة»، عادة درجت عليها الأنظمة العربية. تغيّرات بسيطة حصلت. سابقاً كان المواطنون مباحون لأنظمتهم، تفعل بهم ما يحلو لها من دون حاجة لأيّة أعذار أو توضيحات. اليوم تغيّر الوضع. باتت الحاجة ملحّة لستارة تختفي وراءها بعض الممارسات القمعيّة. اذاً هي «الذات الملكيّة» التي ستستدعي محاكمة أي شخص قرّر التعبير عن رأيه «افتراضيّاً». أو هي «الذات الإلهية» التي تبدو مُعادلاً للذات الحاكمة!
في السعودية، وتماشياً مع موجة «نقول ما نريد» عبر تويتر، ابتكرت المحكمة الجزائية باباً لما يُسمّى «شكاوى القذف والتشهير باستخدام الوسائل والوسائط الإلكترونية»، مشدّدة على القرائن كمطلب أساسي للإجراءات المتعلقة بمحاكمة مرتكبي القذف الإلكتروني! قطعت البحرين والسعودية شوطاً بين أخواتهما. في الكويت مثلاً لا زال الدين سبباً أوّل لكمّ الأفواه. المدون حمد النقي، المحكوم بالسجن عشر سنوات، جاءت تهمته خليطاً من الإساءة للرسول والذات الإلهية والتعرّض لحكام البحرين والسعودية. هي محاولة للتستر خلف الدين لتبرير التوقيف والسجن الطويل. كذلك هي الحال في عُمان. تهمة إهانة «الذات السلطانية» أُرفقت بمخالفة «تقنية المعلومات»، وعلى هذا الأساس حوكم خمسة ناشطون.
هنا عودةٌ إلى التموضع الأوّل: أن تنطق ضد أو تعترض على النظام يعني حتميّة إدانتك ومحاسبتك. لكن المفارقة تكمن في بعض التعديلات «الديموقراطية». وهذه جاءت البحرين لتكسرها، بكل جلافة. لم يتلطّ النظام البحريني خلف أيّة حجّة لإسكات معارضين سياسيين. جاء واضحاً وصريحاً: أنتم أهنتم حاكم البلاد عبر «تويتر»، لا بدّ من محاسبتكم. بعيداً عن أسئلة من قبيل ماذا تعني كلمة الإساءة لملك البلاد، ومن هو المخوّل بتصنيف الآراء بين مذمّات أو انتقادات، وما حجم الإساءة ومقدارها... هل من يتكرّم على الأمّة بوحدة القياس المعتمدة؟
جاءت الأحكام البحرينية مجرّدة من أي شيء. لا دين ولا قانون تتخفيّان وراءه. لم تعد المملكة في حاجة لله لتبرير أفعالها. تكفي الإساءة لـ«ذات» واحدة هي «ذات» ملك البلاد لتجهز التهمة. هو فقط الملك/ الحجّة. لا وقاحة أكثر من محاكمات كهذه. قمّة السقوط هو الاعتقاد بإمكانية سجن موقف سياسي وتعليبه داخل زنزانة.
يكفي الثورة البحرينية أنّ السلطات تجهد لكمّ أفواه افتراضيّة. خوفاً على الذات يقنصون «تويتر» وأخواته. ربّما باتت الحاجة ملحّة لمنع هؤلاء من مراقبة ما يجري في هذه الواحة، وإلاّ علينا وعلى تويتر العوض.